زواج القاصرات في الإسماعيلية... آفة تحتاج للمواجهة
تزويج القاصرات دون السن القانوني واحدة من الجرائم التي تحتاج للحد من جميع المعنيين، فهي جريمة بحق المجتمع قبل الفتاة الواقعة في شباكها، كما أنها جريمة متجددة ومستمرة لارتباطها بالثقافة والعادات والتقاليد الراسخة في نفوس المواطنين.
أسماء فتحي
القاهرة ـ تزويج القاصرات دون السن القانوني عبء لا طاقة لهن على تحمله، وهو الأمر الذي عادة ما تكون تبعاته غاية في السوء، وفي حال إنجاب أطفال لن يستطعن أن يقدمن لهم التربية الصحيحة أن القائم على الأمر بالأساس طفل لا يمتلك الأدوات أو القدرة على ذلك في هذا السن الصغير.
تراجع نسبياً ولكنه راسخ في ثقافة الأهل
قالت المحامية أمينة الصاوي، أن زواج القاصرات تراجع إلى حد كبير ولكنه موجود خاصة في القرى النائية، وأن الأزمة تكمن في ثقافة وأفكار المجتمع نفسه تجاه الفتيات والتعامل معهن كمواطنين درجة أدنى يسهل التحكم في مصيرهن والسيطرة عليهن.
وأكدت أن حرص الأسر على زواج الفتاة في سن مبكر ناتج عن شعورهم بضرورة التخلص من الفتيات خاصة مع تدني الأوضاع الاقتصادية وزيادة أعباء الأسرة المالية والتزاماتها.
وأوضحت أن الزواج المبكر كارثي لأنه يتطلب التحايل على القانون بكتابة عقد عرفي حتى لا يتم اثبات تزويج طفلة صغيرة في السن وهو أمر يجعل مصير الفتاة مرهون ببقاء الزوج وقراره بالاستمرار وفي حال موته أو تطليقه لها تقع الفتاة في معضلة الإثبات والتوثيق.
الوالد سيد القرار في تزويج الفتاة في الإسماعيلية
وقالت أمينة الصاوي "أن الأب هو الحاكم داخل الأسرة ويعود إليه بالأساس قرار تزويج ابنته، وعدد من الآباء يرون أن دوره انتهى تماماً عند بلوغ الفتاة ويسعى بشتى الطرق للتخلص منها رافضاً الإنفاق عليها بل وبعضهم يعتبروها عالة عليه حتى يتم نقل ملكيتها بتزويجها من شخص آخر".
وأوضحت أن تزويج القاصرات دون السن القانوني يفرز "أسر مختلة" وأطفال عادة ينقصهم الكثير من الوعي لأن الطفلة التي أنجبت قد لا تكون بصحة جيدة، وأيضاً من المؤكد أنها لم تكمل تعليمها وكذلك الأب المتزوج بهذه الطريقة لا يختلف عنها كثيراً وهو ما يخلق جيلاً مضطرب غير مؤهل يعاني منه المجتمع كاملاً.
وأكدت أن الطفلة عادة ما تفرح بالزواج المبكر لأنها لا ترى فيه أكثر من ارتداء الفستان الأبيض وما سيتبع ذلك من استقلالها في منزل وتجهيزات مبهجة، معتبرةً أن ذلك قدر من الترفيه ترغب فيه الكثيرات للتخلص من بيت الوالدين وضغوطهم دون أي إدراك لحجم المسؤوليات التي ستلقى على كاهلهم.
روت أمينة الصاوي تجربة فتاة تضامن معها عدد ليس بالقليل من أبناء المحافظة تم تزويجها وهي قاصر مما عرضها فيما بعد لأزمة اثبات وتوثيق طفلتها في الأوراق الرسمية وظلت عالقة وتعاني رغم اللجوء للقانون.
وقالت "تزوجت القاصر اقل من 18 عام وتم الحكم على زوجها في أحد القضايا بالإعدام، وطفلتها بدون شهادة ميلاد ولم يستطع الجد أثبات النسب رغم محاولاتهم بكافة الطرق ولكن الأب توفي ولا يوجد ما يدعم ذلك حتى الآن وحرمت الطفلة من كامل حقوقها بسبب الزواج المبكر لأمها".
وأكدت أن البعض يلجأ لتسجيل الطفلة باسم جدها لأبيها وهو وضع كارثي يتسبب في أزمات تراكمية مرتبطة بهذا النسب وتبعاته على الطفلة من جهة والأم نفسها فيما بعد.
تجربة قاسية لفتاة لم تستطع إثبات نسب طفلتها
"تزوجت ولم أكن أعلم ما سيحدث لي وفرحت بالمكياج والزفة والفستان فأدركت أن أسرتي خدعتني في الصغر ووقعت فريسة للمرض"، مشهد قاسي لتجربة واحدة من الفتيات التي التقيناها وسردت لنا تفاصيل زواجها وما تعانيه من أبن العم الذي فرض والدها عليها الزواج منه.
والفتاة أميرة عمر التي فضلت أن تلقب بـ "سلمى" وهو اسم صديقة لها أكملت دراستها وأصبحت الآن مهندسة محققة الحلم الذي تمنته بطلة قصتنا، أكدت أنها كانت تظن أنها أحبت أبن عمها ولكنها الآن تدرك أن ذلك وهماً ناتج عن مراهقتها كاشفة أنها لم تجد ممن حولها دعماً أو توعية رغم كبر سنهم بحقيقة ما تشعر به، موضحةً إن "جريمتها أنها لا تفهم "معنى الزواج" وأنها كما تقول والدة الزوج "مش متربية"، والأن تعاني من أمراض الرحم ومهددة بزوجة جديدة تقاسمها الرجل الذي سلبها تعليمها وطموحها".
سلمى التي عانت بعد الزواج من التجارب القاسية، مصابة بمرض نادر في الرحم يتسبب في سقوط الأجنة وموتها في وقت مبكر من النمو، ويرافقها نزيف الدم لفترات طويلة كلما حملت طفلاً ولن تستطع الانجاب مستقبلاً بحسب ما قالته طبيبتها المعالجة.
وقالت "فرحت بزفافي من ابن عمي وكنت أتوهم محبته ومع المرض ومرور الوقت وتهديده الدائم لي بالزواج من أخرى أدركت أن كل ذلك وهم الطفولة، وضاعت كل طموحاتي هباءً فقد تمنيت أن أصبح مهندسة وهذا ما حققته صديقتي وهي الآن تخرجت وارتبطت بالشخص الذي يناسبها واختارته بنفسها فكم تمنيت أن أكون محلها ولكن تزويجي في صغري دمر كل أحلامي".
وأضافت أنها قبعت في بيت الزوجية لنحو 8 سنوات ما تذكرته أثناء اتخاذ قرار زواجها "بكت أمي كثيراً ورفضت زواجي من ابن عمي، إلا أن والدي أصر على ذلك، ولم يستطع أحد أن يقنعه بتركي كي أكمل حتى الاعدادية ولأني كنت متفوقة ذهبت إليه إحدى معلماتي في محاولة لإقناعه فوصفها بالعانس مؤكداً لها أنه لن يسمح لابنته أن يفوتها قطار الزواج كما حدث معها".
وأكدت "حاولت والدتي منع والدي عن ذلك وما كان منه إلا أن أجبرها بعد تهديدها بالطرد من المنزل حتى يتم الزفاف، وكانت امي تستقبل ابن عمي مبتسمة مرغمة على ذلك، وتزوجت وبدأت معاناتي مع المرض والقهر داخل أسرة العم التي لم تراعي القرابة أو حتى ترأف بحالي حتى اليوم".