شهادة تكشف ممارسات تهدف إلى التطهير العرقي في الساحل السوري
وصفت إحدى النساء من الطائفة العلوية، وهي شاهدة على المجازر التي وقعت في الساحل السوري، ما حدث بأنه إبادة جماعية تهدف إلى التطهير العرقي. شهادتها المؤلمة تسلط الضوء على معاناة آلاف المدنيين الذين سقطوا ضحايا لتلك الفظائع.

آفرين نافدار
الحسكة ـ بعد سيطرة جهاديي هيئة تحرير الشام على الحكم تعمق التمييز الطائفي والعرقي في سوريا، وكانت الطائفة العلوية والدرزية من الطوائف التي تواجه انتهاكات جسيمة وسط صمت دولي ودون رادع.
وثقت امرأة علوية كانت تقطن في ريف الساحل السوري، لوكالتنا، ما شهدته أمام أعينها من ممارسات وحشية ارتكبها جهاديي هيئة تحرير الشام ضد الطائفة العلوية من قتل، نهب، خطف ومجازر.
الفقر سياسة للتجييش كان يتبعه نظام البعث ضد العلويين
أشارت (ف. ب) إلى تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للشعب السوري في ظل حكم نظام البعث "قبل سقوط نظام البعث كانت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية متدهورة في سوريا والساحل بشكل خاص، كما كان هناك منهجية لفصل القرى أو الأرياف عن المدينة، وكان أهالي القرى يعانون كثيراً من أوضاع متردية سواءً من الناحية التعليمية أو الاقتصادية والاجتماعية".
وبينت أن نظام البعث كان يفرض سياسة التجييش نتيجة عدم توفر فرص عمل للشباب، وكأن لا ملجأ لهم إلا الانضمام إلى الجيش السوري لضمان لقمة عيشهم، وإعالة عائلتهم.
اتبع بعض الشخصيات البارزة في الحكومة أساليب سلطوية وقمعية في إدارة المنطقة، كان هدفها خلق حالة من التمييز الطبقي حتى ضمن الطائفة العلوية نفسها، وقد واجه الفقراء ظلماً واضطهاداً ممنهجاً على يد الحكومة، ومع انهيار النظام، غاب أولئك الأشخاص المؤثرون عن المشهد، ولم يبقَ في المنطقة سوى الفئات الفقيرة، التي ظلت في منازلها وقراها، أما أصحاب النفوذ المرتبطين بنظام البعث، فقد غادروا البلاد خلال سقوطه، تاركين خلفهم الشعب الذي تحمل أعباء المرحلة الأصعب.
آمال تتلاشى في الآفاق
وشددت (ف. ب) على الآمال التي تلاشت بعد سقوط نظام البعث "قبل سقوط النظام كانت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سيئة جداً في مناطق الساحل حيث كانت سبل العيش مغلقة أمام الأهالي، فسقوط نظام البعث كانت بمثابة معجزة للشعب الذي كان يبحث عن نافذة يستنشق من خلالها الحرية وضمان سبل العيش".
"تأملنا بأننا قد تحررنا من السلطة، والهيمنة العسكرية والفوضى التي كانت تعم البلاد"، بهذه الجملة عبرت عن آمال الشعب السوري حين ارتفعت شعارات الوحدة السورية بعد سقوط نظام البعث، مبينة أن الطائفة العلوية "أبدت حينها حسن النية وتأمل بسوريا حرة جديدة".
الشعارات بقيت فقط صرخات تلاشت في السماء
وعن الحقائق التي ما زالت مخفية بما شهده الساحل السوري، كشفتها (ف. ب) بالقول "بعد سقوط نظام البعث شهدت مناطق الساحل السوري حقائق لم ترو بعد، ولم تستطيع الكلمات والكتابات أن تعبر عن الانتهاكات التي تعرض لها الأهالي، وكل ذلك كان تحت مسمى تمشيط المنطقة من الأسلحة والذخائر والالتحاق بخلايا فلول النظام، وبين ليلة وضحاها فوجئنا بتطويق المنطقة من قبل مجموعات مسلحة تابعة لهيئة تحرير الشام، وبدأت بإطلاق نار عشوائي واستخدام القذائف ومداهمة منازل المدنيين".
كما كشفت عن الممارسات الوحشية التي اتبعتها هيئة تحرير الشام ضد المدنيين دون تفرقة بين نساءً وأطفالاً وشيوخاً "أثناء المداهمات على منازل المدنيين أول سؤال كان يوجه للأهالي "أنت شو؟" بمعنى إلى أي طائفة تنتمي، وعندما كانوا يتعرفون على الأشخاص المنتمين للطائفة العلوية، يوجهون لهم كلمات مسيئة مثل "انزل على الأرض وعووي" وذلك بهدف تذليل كرامة الشخص وكسر إرادته".
وأضافت "الشخص الذي لا يستمع إلى تلك التوجيهات الذليلة كان يهدد بالقتل أو ارتكاب مجزرة بحق عائلته، فهناك العشرات من العوائل قتلت نتيجة ذلك، حتى عندما كانت تقع الجثث على الأراضي كانت المرتزقة والفصائل تمنع الأهالي الاقتراب منها، ففي منطقة الدعتور والصنوبر مثلاً هناك بعض الجثث بقيت ثلاث أو أربع أيام على الأراضي دون أن يقترب أحد منها بسبب التهديدات والخوف الموجه للأهالي".
وأوضحت أن ما شاهدته بأمّ عينها كشف أن القضية لم تكن مجرد حملة لتفتيش عن "فلول النظام" كما ادعت الحكومة المؤقتة، بل إن المجازر التي ارتُكبت بحق المدنيين كانت تحمل طابعاً من التطهير العرقي الذي استهدف الطائفة العلوية.
وأشارت إلى الكلمات التي يستخدمها جهاديي هيئة تحرير الشام لخلق تمييز ديني وعنصري بين أبناء المنطقة "كانوا يوجهون لنا دائماً ألفاظاً نابية مثل (أنتم كفار، أنتم نصيريين)، ومارسوا تلك الأساليب الوحشية في شهر رمضان، حيث كانوا يرددون في الشوارع بأنهم سيواصلون عملهم بعد الإفطار. عملهم كان القتل، النهب، الخطف وخطاب الكراهية".
وأضافت "الطائفة العلوية من الأديان التوحيدية، لكننا لم نجاهد بالدين، ولم نتدخل بإيمان كل فرد، فكل شخص لديه القدرة على المعرفة والإيمان ونحن نحترم جميع الأديان".
"نحن شعب متسامح، نقبل الآخر ونحترمه، ونؤمن بالأخلاق والصدق والاحترام والتعامل الجيد مع الآخرين، ونسعى للعيش حسب الطبيعة الأولى للإنسان ولم يكن لدينا حقد تجاه الآخر"، بهذه الكلمات عبرت عن الصفات والمميزات التي تتصف بها الطائفة العلوية.
"أهالي الساحل السوري يفقدون الأمان"
كما بينت (ف. ب) أنه من أكثر الأمور التي يفقدها أهالي الساحل السوري في الوقت الحالي هو الأمان، موضحة أن حتى وهم متواجدون داخل منازلهم يشعرون بعدم الاستقرار، وعندما يُطرق باب البيت يشعرون بالخوف، فحتى هذه اللحظة هناك فصائل ومرتزقة يثيرون الخوف في نفوس الأهالي بسبب أساليبهم الوحشية، وأيضاً هناك زيادة في حالات اختطاف النساء.
ونوهت إلى أن "النساء المختطفات يتم تهديدهن بالقتل أو اختطاف أبنائهن وعائلاتهن، لذلك تقوم المرتزقة بتصوير فيديوهات ليس لها أية مصداقية تحت الضغوطات والتهديدات، ونشرها على مواقع التواصل الافتراضي بأن الفتاة هربت مع شخص ما بهدف طمس الحقيقة".
العلويات ضمن قوقع فكري ضيق
ولفتت (ف. ب) إلى "الواقع الذي فرضه جهاديي هيئة تحرير الشام على النساء السوريات، حيث تُهمش أدوارهن في المجتمع والسياسة، وأوضحت أن النساء العلويات يُصنفن، وفقاً للفكر المتطرف السائد، على أنهن بلا دين، مما يجعل الجماعة تنظر إليهن بوصفهن سبايا".
وذكرت أن النساء المستعبدات لم يُعاملن ككائنات بشرية، بل كأشياء يحق للبعض الاقتراب منها والتصرف فيها كما يشاء، مما يعكس انعداماً في الإنسانية، وهناك قيود فكرية صارمة تفرض على النساء، خاصة في بعض المناطق مثل الساحل السوري، حيث تعيش النساء العلويات ضمن دائرة مغلقة، لا يُسمح لهن بالخروج من المنزل حتى لأبسط الأمور "هذه القيود تؤدي إلى تدهور في حياة المرأة على الصعيدين الفكري والمعيشي، وتدفعها نحو مسارات أكثر قسوة".
وعن الانتهاكات اللاإنسانية التي ترتكبها الأنظمة السلطوية، أشارت (ف. ب) إلى سلسلة الحرائق المشتعلة في المناطق الجبلية من الساحل السوري، معتبرةً إياها كارثة إنسانية وبيئية بحق الطبيعة، مضيفةً أن هذه الحرائق، التي تكررت في السنوات الماضية، ألحقت أضراراً جسيمة بالسكان المحليين، خاصة في مناطق مثل القرداحة والفاخورة، حيث خلفت خسائر فادحة وأثرت على حياة الأهالي بشكل مباشر.
وأضافت "نحن أيضاً كنا من بين العوائل التي تكبّدت خسائر مادية بسبب تلك الحرائق، ونظراً لغياب التعويضات سواء كانت مالية أو معنوية، إضافة إلى غياب العدالة والشفافية في تعامل الحكومة، لم يتمكن أهالي المنطقة من إعادة بناء منازلهم أو استصلاح أراضيهم. لقد بدا أن إشعال الحرائق كان سياسة ممنهجة تهدف إلى دفع سكان المنطقة إلى مغادرتها"، قائلةً "حتى الآن لم تُعرف الأسباب الحقيقية وراء اشتعالها، لكن طريقة التعامل مع هذه الكوارث تثير الكثير من الجدل لدينا. التأخير في إطفاء الحرائق يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة، وغالباً ما نجد الإجابة في ذهنية المرتزقة التي لا تُبدي أي احترام للطبيعة أو مظاهر الحياة".
وفي إطار حديثها، عبّرت (ف. ب) عن استغرابها من غياب التدخل الدولي في المجازر التي طالت الطائفة العلوية "في البداية راودنا أمل بأن يتدخل المجتمع الدولي لوقف المجازر بحق المدنيين، خصوصاً بعد توثيق تلك الجرائم والأحداث، لكننا صُدمنا من تجاهل الجهات المعنية، ومع تسارع الأحداث وتعقيد المشهد، بدا أن الملف طُوي وكأن شيئاً لم يكن".
ورغم غياب أي إجراءات دولية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد الطائفة العلوية، وجّهت نداءً إلى الجهات المختصة بحماية حقوق الإنسان للقيام بواجباتها ومحاسبة الجناة، مؤكدة أن "ما تتعرض له الطائفة العلوية يُشكل إبادة جماعية حقيقية".
"سوريا تليق بجمع مكوناتها تحت راية سورية ديمقراطية"
وشددت على ضرورة توحيد الطوائف والأديان تحت راية الوطن دون فرض فئة على أخرى، والعمل على توفير بيئة ديمقراطية تُراعي التعددية وتضمن حقوق جميع مكونات المجتمع السوري ليعيشوا في وطنهم بأمان واستقرار "لا نرغب في وصاية من أي طرف، فنحن نملك القدرة على إدارة شؤوننا والعيش بسلام مع بقية المكونات السورية".
وأضافت "نعتز بأن تكون سوريا قوية بشعبها وتنوعها، فبلادنا تزخر بإرث ثقافي وفكري وأخلاقي كبير. المواطن السوري، أينما حل، يثبت نفسه علمياً وعملياً وفكرياً، بغض النظر عن انتمائه الديني، لأن الدين في جوهره تجربة فردية روحية لكل شخص".
وفي ختام حديثها، بينت (ف. ب) أن العقلية المتطرفة التي تتبناها هيئة تحرير الشام لا يمكن أن تقود البلاد نحو الاستقرار، محذرة من أن "الاستمرار في النهج الذي تتبعه الحكومة السورية المؤقتة سيؤدي إلى انهيار مروع في مستقبل سوريا".