رفع الوعي إلى جانب القوانين المُجّرمة أحد أهم الحلول للحد من العنف

الممارسات التي تنال من حقوق النساء في مدن القناة بمصر شديدة التعقيد وعدد كبير من الضحايا لا تجدن طريقاً للدعم كون الخدمات متمركزة في القاهرة وهو ما جعل للمبادرات المحلية دور أساسي في الأمر.

أسماء فتحي

القاهرة ـ واقع النساء في مختلف المحافظات يحتاج لوجود خدمات محلية تساعدهن على تجاوز ما يحدث لهن من انتهاكات وفي مقدمتها العنف لكون معدلاته ارتفعت خلال الفترة الأخيرة، وأصبح يتطلب تدخلاً سريع ومباشر.

تعاني النساء في مدن القناة من أزمات مختلفة خاصة أن عدد كبير من الممارسات التي تنال من حقوقهن وفي مقدمتها الختان وتزويج القاصرات وغيرهما من أشكال العنف ما زالت موجودة ومنتشرة.

وللتعرف أكثر على واقع النساء في مدن القناة كان لوكالتنا حوار مع مؤسسة مبادرة منارة لتقديم الدعم القانوني للنساء المحامية أماني عادل، التي أوضحت أبرز مجالات عملهم ومحاولتهم في التصدي لمركزية العاصمة وتقديم خدمات مباشرة للنساء.

 

"منارة" واحدة من المبادرات التي انطلقت في مدن القناة... ما الدافع لتأسيسها وهل هناك قبول لوجودها؟ وكيف يتم التفاع مع ما تقدمونه من خدمات؟

في الواقع كانت لدينا مشكلة في مدن القناة تتعلق بقدرة النساء المعنفات على الوصول للمراكز التي تقدم الدعم القانوني لهن نظراً لبعد القاهرة من جهة، وعدم إعطاء الأولوية في العمل للمنطقة على الصعيد الآخر.

وكانت هناك صعوبة حقيقية في الحصول على الدعم أو اللجوء مثلاً للمجلس القومي للمرأة وغيره من المراكز المتخصصة التي يمكنها أن تساعد الضحايا.

وهو الأمر الذي دفعنا للتفكير في تأسيس مبادرة تقدم الدعم القانوني للنساء لكون أعضائها من المحاميات وهو الأمر الذي يمكنه أن يساعد في كثير من الأحيان، حيث عملنا على توفير الدعم النفسي للنساء ضحايا العنف للتعامل مع ما يحدث لهن من انتهاكات مستمرة خاصة مع تفاقم الوضع في الفترة الأخيرة.

هناك تفاعل حقيقي وتعاون والكثيرات أتوا إلينا لكونهن فاقدات لهذا النوع من الدعم خاصة ما يحدث في قضايا العنف التي لا تجد قبول من المحامين والمحاميات.

وهناك مكاتب بالفعل لا ترى فيما يمارس على النساء عنف وليس لديها منظور نسوي في التعاطي مع هذا النوع من القضايا، وهو الأمر الذي حفز النساء أكثر على التعاون معنا واللجوء لنا والاستفادة من الخدمات التي نقدمها لهن.

كما أننا نعمل في سياق متصل على مسألة التوعية المباشرة بقضايا العنف وتبعاته لأن الفتيات والنساء هنا بحاجة لتلك المعرفة كي يتحرروا من قبضة الذكورية وتداعياتها عليهن اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً.

 

الفتيات والنساء في كثير من الأحيان لا تفضلن مسار التقاضي واللجوء للقانون... هل واجهتم ذلك في مدن القناة؟

مدن القناة صغيرة الحجم والجميع يعرفون بعضهم وهو الأمر الذي يضع الضحية في حرج شديد وخوف من سلك المسار القانوني في انتزاع حقها خاصة إن كان الأمر متعلق بالعنف.

ولكون المجتمع صغير فهناك محاولات للضغط على الضحايا وإسكاتهن من خلال اللجوء للأهل أو العائلة، كما أن هناك خوف من الوصم يجعل الفتيات والنساء تخفن من أبعاد سعيهن لنيل حقوقهن.

ومن هنا جاء دورنا في عرض كل الخيارات أمام الضحايا سواء بالمشورة القانونية وتعريفها بالحقوق والمسارات التي ستتوجه لها ونحن معها أو الدعم النفسي وغيره وأياً كان اختيارها فنحن ندعمها فيه لإدراكنا بواقع المجتمع وتضييقاته.

 

هل هناك خدمات أخرى تقدمونها في مدن القناة غير الدعم النفسي والقانوني؟

إلى جانب الدعم النفسي والقانوني نحن نعمل بدأب على فكرة توثيق الشهادات المرتبطة بالانتهاكات التي تعاني منها النساء داخل مدن القناة.

وتوثيق الشهادات وتصنيفها هام للغاية لوجود فقر حقيقي في الإحصائيات الرسمية والخاصة التي تصدر بشأن العنف وهو الأمر الذي دفعنا لرصد ما يحدث من انتهاكات ثم تصنيفها لاحقاً ليكون لدينا رصد واقعي يمكننا العمل من خلاله على أشكال العنف التي سنحددها من خلالها.

ولدينا شراكات وبرامج مستقبلية منها ما يتعلق بالتغير المناخي وتأثيره على واقع العنف الممارس على النساء خلال الوقت الراهن، فضلاً عن العمل على بناء شراكة مع المؤسسات العريقة لنتمكن من مواصلة ما نقدمه من خدمات للنساء في الداخل المحلي.

 

الانتهاكات التي تتعرض لها النساء لها جذور قد ترتبط بجغرافيا المنطقة أو طبيعة السكان... فهل واقع العنف الممارس في مدن القناة يختلف عن غيره؟

العنف واحد في مختلف المحافظات مهما تعددت صوره وأشكاله ودرجة ممارسته، والنساء تدفعن الفاتورة الأكبر وتعانين في صمت لكونهن الحلقة الأضعف اجتماعياً، ويمكننا القول إن الاختلاف سيكون متعلق بالموروث الاجتماعي والثقافي الذي جعل بعض المجتمعات تصل لمرحلة من الوعي وأخرى مازالت تعاني من نقص المعرفة اللازمة لتقليص تلك الممارسات.

وهو الأمر الذي يجعلنا حريصين على التوعية بأشكال العنف خاصة أن لدينا الكثير من المناطق الريفية التي لا تصلها المعرفة لذلك ذهبنا إليها وعرضنا خدماتنا بجانب التوعية بحقوقهن وواجباتهن وغير ذلك من أمور.

 

برأيكم كيف يمكن التعامل مع أزمة ممارسة الختان وتزويج القاصرات كونها قضايا معقدة؟

المحافظات الصغيرة تحتاج للعمل على التوعية بتلك الأزمات لكونها متعلقة بالثقافة والموروثات التي تنتقل من جيل لآخر، كما أنها محفوفة بالمخاوف والشائعات مما يجعل الكثيرون يبقون على تلك الممارسات ولا يتخلون عنها.

وقد قمنا بسلسلة من الأنشطة واللقاءات مع الأمهات وبناتهن في محاولة منا للاستماع لما يجول بخاطرهن من أفكار ومخاوف حتى نتمكن من تقديم الدعم لهن.

وبعد الاستماع للمشاكل توجهنا مباشرة لحملات المناصرة وكسب التأييد، لذلك نرى أن العمل على رفع وعي المواطنين بمخاطر تلك الممارسات أحد أهم الحلول إلى جانب القوانين المجرمة لها.