حياة تحفها الأزمات... معاناة اللاجئات في مصر

واقع اللجوء سيء للغاية خاصة في ظل التواجد بدول تعاني من أزمات اقتصادية، والمشهد الدولي زاد الواقع تعقيداً نتيجة كثرة الحروب والنزاعات، وبالتالي ارتفع معها عدد النازحين وبات التعامل مع هذا الملف شديد التعقيد.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تعاني النساء اللاتي تركن دولهن لاجئات للخارج من معاناة مركبة وبها الكثير من التقاطعات، فهن نساء وسوداوات وأتين لاجئات لدولة غريبة ولديهن ثقافة وهوية وأفكار تختلف عن المجتمع المحيط بهن، وربما بعضهن تحتجن لدعم مادي وجميعها أمور تزيد من سوء واقعهن.

"صاحب السكن ضاعف الإيجار وحتى المشتريات باتت أغلى، والوضع في الداخل السوداني ليس آمن، وعلي أن أتحمل تكلفة مضاعفة لوجودي خارج دولتي"، بتلك العبارة بدأت تهاني قاسم، اخصائية أطفال متخصصة، وسودانية مقيمة في مصر، حديثها عن واقع اللجوء وتأثيره على النساء، مؤكدة أن "اللجوء امرأة"، في إشارة منها لكون النساء من تدفعن ضريبة النزوح عن دولهن ووجودهن بالخارج وسط مجتمع يختلف كثيراً عن أفكارهن وتطلعاتهن.

المعاناة ليست مقتصرة على تهاني قاسم وحدها، ولكنها طالت جميع اللاجئات من مختلف الجنسيات، كما أنها غير مرتبطة بدولة دون أخرى، فأغلب الدول التي تستقبل اللاجئين لديها تلك التعقيدات والانتهاكات والوقائع لكن بنسب مختلفة، وهو الأمر الذي جعل ذلك الملف على أولوية أغلب الدول وسيد المشهد لكونه يتعلق بالحالة الداخلية للبلدان.

والنساء كما اعتدنا تدفعن ضريبة تلك الأحداث لكونهن ملزمات بتلبية احتياجات أسرهن، كما أنهن معرضات للأزمات والكوارث بمختلف أنواعها، وهو ما يجعلهن عرضة للكثير من الانتهاكات والضغوط.

 

اللجوء امرأة

وترى تهاني قاسم إن واقع اللجوء مزري وفيه الكثير من التعقيدات، مؤكدة أن النساء تتحملن كل أعباء اللجوء لأنفسهن ولأطفالهن وللزوج والأقرباء كذلك، مما يجعلهن في واقع متداخل.

وأوضحت أن النساء تدفعن ثمن اللجوء وتتحملن أعباء كبيرة، خاصة في توفير احتياجات أسرهن، والكثيرات تقفن على رأس أسر بلا عائل لأن الحرب نالت منهن وسلبت أرواح الكثيرين، وأصبحت كل تلك الالتزامات في عنق النساء.

 

أبرز المشاكل التي تعاني منها اللاجئات

وبينت أن واحدة من أبرز التعقيدات التي تواجه النساء اللاجئات تتمثل في العامل الاقتصادي كونه يتقاطع مع عدد من الأزمات الأخرى الخاصة باحتياجات أفراد الأسرة.

وأضافت أن هناك الكثير من الحالات التي وردت إليها تتعلق بالبعد الاقتصادي ومنها عدم القدرة على تعليم الصغار التي نتجت عن مشكلة ارتفاع أسعار المصاريف الدراسية، وأيضاً الضغوط النفسية المتعلقة بالأبناء.

كما أن الكثيرات تعملن لفترات طويلة لتأمين احتياجات الأسرة، وبالتالي لا يمضون وقت أطول في رعاية أطفالهن بالمنزل، ويتركونهم لأوقات طويلة، وهو أمر أثر بدرجة كبيرة على هشاشة الأطفال النفسية خاصة أنهم غير متقبلين أو مستوعبين لفكرة الحرب، واضطرارهم للرحيل عن أرضهم وأصدقائهم ومجتمعهم الذي اعتادوا عليه.

 

العنف وارتباطه باللجوء

هناك ارتباط وثيق بين زيادة معدلات العنف باللجوء، وما ترتب عليه من ممارسات نالت من الحقوق الإنسانية للنساء وجعلتهن في قبضة العنف بمختلف أشكاله.

وأكدت تهاني قاسم أن العنف الممارس على اللاجئات سيد الموقف سواء خارج نطاق الأسرة، أو داخلها بمختلف الصور فالجميع يمارسه أزواج وأهل وإخوة وحتى زملاء العمل والمارة في الشارع.

خلال الفترة الأخيرة انتشرت مطالبات إخلاء البلاد من اللاجئين بسبب ما تكبدته الحكومة من أعباء اقتصادية وما ترتب على ذلك من غلاء طال كل شيء، وهو الأمر الذي شكل عبء على السودانيات وغيرهن من الجنسيات الأخرى، بل فكر الكثيرون في العودة لبلدانهن رغم ما قد تتعرضن له من أخطار بحسب تهاني قاسم.

وأوضحت أن الحملة كان لها تأثير قوي جداً وسلبي على الشارع المحلي، فالمواطنين قبلها كانوا يعرفون أن هناك غير المصريين يحيون معهم وكانوا يتقبلون ذلك، ولكنهم تحولوا بعد ذلك وأصبحوا مصدر تنمر وقسوة، خاصة في التعامل مع السودانيين.

وأضافت "ما يشاع حول مساهمتنا في رفع الأسعار غير حقيقي لأن هناك استغلال للموقف وللجميع والادعاءات التي تطلق عبر منصات التواصل الاجتماعي غير صحيحة وتحتاج لتدخل لأن تأثيرها بات قاسياً للغاية"، لافتة إلى أن هناك عدد من السودانيين قرروا العودة معتبرين أن الحياة الصعبة هناك ووضع الحرب الغير آمن لا يختلف عن واقع المعاناة في موطن اللجوء.

 

التمييز والعنف المبني على النوع الاجتماعي تزداد تبعاته مع اللجوء

وبينت أن هناك الكثير من الأزمات ترتبط باللجوء، ومنها الابتزاز في العمل بصرف عائد مادي أقل أو العمل لساعات أطول في مخالفة للقانون المحلي والاتفاقيات الدولية، أو حتى بالتمييز المستند على اللون والجنس وجميعها تعقيدات اللجوء التي عليهن تحمل تبعاتها.

وأشارت إلى أن عاملات المنازل تتعرضن للمساومة والتحرش والابتزاز، فقد رأت بعينها كيف تمت مساومة عاملة منزل واتهامها بالسرقة حتى لا يتم الدفع لها، معتبرة أن الغالبية ترضخن للأمر الواقع وتتنازلن عن حقوقهن خوفاً من التهم الملفقة التي قد تعرضهن للسجن أو تشويه السمعة.

واعتبرت أن هناك أزمة في مسألة التعليم لأن هناك ارتفاع في الرسوم تتحمل ضريبتها الأمهات كونهن بتن عائلات لأغلب الأسر بعد الحرب، مؤكدة أن هناك تخبط في الوزارة السودانية وعدم الاستقرار ألقى بظلاله على المدارس الموجودة في السودان وكذلك المتوفرة في مصر وهذا أحد أشكال العنف لأن الحرمان من التعليم يهدد مستقبل آلاف الأسر.

 

مقترحات وحلول لتحسين وضع اللاجئات

وقالت إن واحدة من حلول الأزمة تتمثل في ضرورة التنسيق بين المؤسسات العاملة على ملف اللجوء في الخدمات وتكامل الجوانب لكونه يوحد قنوات التعامل، حيث تستطيع اللاجئة معرفة الجهة التي يمكن التوجه لها حال احتياجها لعلاج أو دعم نفسي أو قانوني وغير ذلك مما يقلل من التشتت والتداخل.

واعتبرت أن التمكين الاقتصادي وتمويل المشروعات بات احتياج وليس مجرد أمر يساعد أو يساهم في التعايش، قائلة إن "دوائر التمويل تحتاج أيضاً لتكامل وبحث حالة الأسرة كاملة من البعد المادي والنفسي والاقتصادي والصحي وغير ذلك من الخدمات المتداخلة حتى لا يحدث هدر".

وأكدت على ضرورة تدريب الفئة المستهدفة على التسويق لأنفسهن حتى يتم ضمان الاستدامة خاصة في المنتجات والمشاغل اليدوية ودراسات جدوى على المستفيدين وتعليمهن أساسيات السوق بشكل متكامل لأن هناك منتجات لا تستطيع المنافسة وهو أمر يتطلب أيضاً تدريبات فنية.

جانب الوعي والثقافة في تقدير تهاني قاسم مهم، مع وجود أدوات حماية للاجئات على المستوى القانوني والنفسي وتقنين العمل والمشاركة لأن النساء تتعرض للكثير من الإشكاليات خلال وجودهن في سوق العمل تتطلب تدخل من المجتمع المدني مدروس بعيداً عن العشوائية.