نساء غزة يتصدين لقانون يقضي بوضعهن تحت الوصاية خلال السفر
تصدر خبر منع النساء من السفر دون موافقة خطية من ولي الأمر حديث المواطنين في غزة
رفيف اسليم
غزة ـ ، وأيضاً أبرز الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، مشكلاً موجة غضب عارمة لدى النساء في غزة.
وأصدر القضاء الشرعي التابع لحكومة حماس في قطاع غزة بيان أكد فيه على منع النساء غير المتزوجات من السفر دون الحصول على إذن من وليها العاصب، كما يحق لولي الأمر أن يمنعها من السفر إذا كان في سفرها ضرر محض.
ذلك القرار اعتبرته النساء انتقاص من حقهن وانتهاك آخر يمارس من قبل الحكومة المسيطرة على قطاع غزة منذ صيف 2007، لمخالفة نصه للقوانين الدولية والمحلية.
التقت وكالتنا مع عدد من النساء في غزة لرصد حجم الضرر الواقع عليهن إذا ما تم تنفيذ القرار، وما هي تبعاته على المدى البعيد، وأيضاً ما هي الخطوات القادمة لمنع القرار من الدخول في حيز التنفيذ.
تقول بيسان أبو ناصر (21) عاماً أن القرار الصادر عن القضاء الشرعي في قطاع غزة والقاضي بمنع سفر النساء دون إذن ولي الأمر لا يعبر عن واقع الأسرة في غزة وينتهك خصوصيتها فمن المعروف عند سفر الفتاة، أنها تجلس مع العائلة ويؤخذ الأمر بالتشاور بعد دراسة كافة الاحتمالات. مشيرةً أن هذا القرار يضع الآباء بموضع هزلي وضعيف كأنهم عاجزين لا يستطيعون قيادة أسرهم أو التفاهم مع بناتهن.
وتردف بيسان أبو ناصر أن خروج بعض الحالات من الفتيات اللواتي يسافرن دون موافقة ولي الأمر هي حالات شاذة ومعدودة، ووفقاً لذلك لا يجب تعميمها من خلال قانون خاص يشمل جميع النساء، ملفتةً أن الأصل في القوانين والتشريعات أن تضع لتشمل عامة المواطنين لا أن يوضع قانون خاص لمجرد أن بعض الحالات تعدت أسرتها أو خالفت العادات المتعارف عليها.
وتكمل بيسان أبو ناصر أنها من خلال دراستها للقانون للسنة الثالثة تعلمت أن سن قانون جديد يحتاج لموافقة من قبل المجلس التشريعي بعد انعقاده، ليتم نشره بعد ذلك في الصحيفة حتى يعمم ويعلم به كافة المواطنين ثم في آخر مرحلة يتم العمل به. مضيفةً أن ما ورد في قانون منع النساء من السفر الذي جاء بشكل فجائي دون توضيح لبعض النصوص المبهمة به والقابلة للتأويل وتم نشره من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وتؤكد شهد أبو زايدة (25) عاماً أنها تقدس العادات والتقاليد ولا تتغاضى عنها لأي سبب كان حتى في عصر ثورة المعلومات، لذلك تفضل الأخذ برأي ومشورة عائلتها لأنه ليس بالشيء السلبي للنساء خاصة عندما يكون الأب والزوج متعاون ويعطي المرأة حقها، لكنها متعجبة من قانون منع سفر النساء دون إذن من ولي الأمر، لأنه قرار قاسي عليهن ويسحب منهن الثقة بشكل كامل وكأن المرأة لا تستطيع أن تخطو خطوة دون الرجل.
وتكمل شهد أبو زايدة أن ذلك القرار يعطي الحق لمن لا حق له كي يتحكم بالنساء وخاصة المضطهدات منهن التي تتلقى ضرب مبرح كل يوم من زوجها وتذهب تشكو لأبيها فيرجعها له في نهاية اليوم، مشيرةً أن هذا القرار سيضع أحلام وطموحات المرأة بيد شخص قد يكون ظالم أو غير متفهم لاحتياجاتها فكثيراً ما يرفض الرجال في مجتمعنا إكمال الفتاة لتعليمها بالخارج ويلوم والدها لمساعدتها في ذلك فكيف سيكون الأمر إن مات الأب.
وتضيف شهد أبو زايدة أن "أبو العريف" وهو لقب للرجل في قطاع غزة يستهزأ من المرأة إن وجدها تعرف أكثر منه سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى في طلبات المنزل فكيف سيمنحها الإذن للتعلم بالخارج والتطوير من نفسها، مؤكدةً أنه في حال وضع أمر الفتاة في يد جدها أو عمها الذي يسعى لأكل حقها في ميراث والدها سيستخدم إذن الموافقة لابتزاز الفتاة والضغط عليها فيتحول القانون من وسيلة لنيل الحقوق إلى حالة من الظلم.
بينما تروي ساجدة صبحي (32) عاماً أنها لم تستطيع إقناع والدها منذ خمس سنوات بوضع صورتها الشخصية على حسابها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي ناشطة مجتمعية فكيف ستحصل على موافقة خطية مكتوبة لتسافر وحدها كي تعمل وتكمل تعليمها، مبينةً أن هذه الوسيلة الجديدة لتحصيل المال من المواطنين يجب أن يعاد التفكير بها وأن مبلغ 50 دولار ثمن ورقة الموافقة لا يستحق هذا العناء.
وتكمل ساجدة صبحي لو أن الحكومة في قطاع غزة وفرت فرص عمل للفتيات ذات المعدلات المرتفعة أو منح لإكمال دراستهن لما اضطررن النساء لخوض تجربة السفر وحدها وسط ما تلاقيه من ذعر كي تستطيع بدء حياتها وتحصل على استقلاليتها بعيداً عن الأسرة، مشيرةً أن المصادقة على هذا القانون يمثل جريمة فيجب أن يواجه بوقفات تضامنية واحتجاجية لمنع العمل وتطبيقه على النساء المسافرات من غزة.
وتقول المحامية والباحثة القانونية والناشطة في مجال المرأة هنادي صلاح أنه بالعودة للقانون الأساسي الفلسطيني قبل سن أي قرار قانوني يجب النظر للأسباب والمسوغات التي قد تدفع لصياغة ذلك القانون أو تعديله، ملفتة أن تعميم القضاء الشرعي التابع للحكومة في قطاع غزة والقاضي بمنع النساء من السفر دون إذن ولي الأمر هو ملغي قانونياً بالاستناد إلى نصوص القانون المدني لعام (2012) من الدستور الفلسطيني.
وتلفت هنادي صلاح أنه يحق للقضاء الشرعي في قطاع غزة إصدار تعميمات لمسائل هامة تتعلق باختصاصه ولا تتعارض مع القانون الأساسي الفلسطيني والمواثيق الدولية، فيما لا يجوز اعتماد أي قانون يخالف القانون الأساسي الفلسطيني الدستوري أو القوانين الفرعية كقانون الأحوال المدنية واللوائح القانونية لأن تلك النصوص الواردة في القانون تمثل حقوق المواطنين المكفولة بمجوبه.
وتكمل هنادي صلاح أن السلطة الوطنية الفلسطينية قد وقعت على اتفاقي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على حرية السفر والتنقل لأي شخص سواء رجل كان أم امرأة، بلغ الثمانية عشر عاماً، واتفاقية سيداو التي تنص على القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ملفتةً أن القانونين السابقين تم تثبيتهما أيضاً بنصوص القانون الأساسي الفلسطيني، وبذلك يكون قانون منع النساء من السفر ملغياً وتجاوزاً للقوانين المحلية والدولية أيضاً.
وتوضح هنادي صلاح أن الإقرار على قانون منع النساء من السفر بإذن خطي من ولي الأمر بشكل رسمي يمثل ضرب مباشر لكافة الجهود المبذولة من قبل المؤسسات النسوية ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية لتحسين وضع النساء في قطاع غزة، كما أنه يمثل نقطة العودة للصفر بعد أن حققت تلك المؤسسات نتائج واضحة على أرض الواقع، مضيفةً أنه حتى على مستوى الشرع الأمور مباحة ما دام لم يتحقق الضرر المحض للمرأة فكيف سيسن قانون يخالف الشريعة.
وتؤكد هنادي صلاح بأن نص القانون مبهم وغير واضح، وتوضح ذلك بمثال قائلةً "لو كان الأب مسافر خارج البلاد وتريد ابنته السفر له كيف سيمكنها مغادرة المعبر دون الموافقة الخطية من والدها المسافر، هل سيذهب الأب لعمل توكيل لشخص ما ويرسله للحكومة في قطاع غزة، أم أنه سيفوض شخص آخر كالعم للتوقيع على ورقة الموافقة"، مبينةً أن ذلك الأمر غير منطقي وعبء على الفتاة ووالدها.
وتوضح هنادي صلاح أنه خلال الفترة الحالية تتجه المنظمات الدولية والمنظمات النسوية أيضاً لكتابة العديد من المذكرات القانونية التي تطالب بإلغاء هذا القانون ومنع العمل به ليتم توجيهها للقضاء الشرعي الذي سيبت في الأمر، مشيرةً أنه لو بقيت الجهود على ما هي عليه من وقفات احتجاجية وتضامنية مع النساء من قبل تلك المنظمات لن يتم الموافقة على إقرار القانون وستمثل المنظمات وسيلة ضغط كبرى.
وفي نهاية حديثها تتساءل المحامية والباحثة القانونية والناشطة في مجال المرأة هنادي صلاح هل يعقل أن تكون الحكومة في قطاع غزة على أبواب الانتخابات وتقوم بمثل تلك الخطوة الغير المدروسة؟ وهل ستنتخب النساء في غزة من ينتهك حقوقهن بشكل كامل خاصة أن نسبة النساء في القطاع تبلغ ما يقارب الـ 50% من عدد إجمالي عدد السكان.