عندما يصبح رحم المرأة ساحة للانتقام الأبوي
في عالم يمثل فيه النساء نصف البشرية، تُلام الأمهات على إنجاب نفس هذا النصف. فرزانة مرادي هي واحدة من آلاف الأمهات اللواتي فقدن حياتهن نتيجة الذهنية الذكورية، فقط لأنها "لم تنجب ذكراً".

سوما كرمي
جوانرو ـ على الرغم من أن تحديد جنس الطفل يتجاوز إرادة المرأة وقدرتها، إلا أن العديد من النساء في المجتمعات التقليدية لا يزلن يتعرضن للانتقاد، بل وحتى للعنف، لمجرد إنجابهن طفلة، ولا تزال النظرة التمييزية بين الأطفال الذكور والإناث متجذرة في العديد من العائلات في المجتمع الإيراني التقليدي، وتظل العبارة المهينة "هذه المرأة أنجبت فتاة" شائعة.
في 26 آذار/مارس الماضي، قُتلت فرزانة مرادي، امرأة في الثلاثين من عمرها من منطقة كوزران في مدينة كرماشان بشرق كردستان، وأم لابنتين تبلغان من العمر خمس وثماني سنوات، على يد زوجها الذي برر فعلته بحجة أنها حامل "بأنثى". هذه الجريمة ليست مجرد حادثة جنائية، بل تعكس أزمات أعمق يعاني منها المجتمع، مثل كراهية النساء، وعدم المساواة بين الجنسين، والعنف الأسري، والصمت المميت الذي يحيط بهذه المآسي.
ولم تكن فرزانة مرادي الضحية الأولى لهذا النظام الأبوي، ولن تكون الأخيرة، فهي تمثل واحدة من آلاف النساء اللواتي تتعرضن لمثل هذا العنف سنوياً، والذي ينجم عن عقلية تمييزية وأبوية.
تقول بروين ويسي، البالغة من العمر 42 عاماً، وهي أم لثلاث فتيات من قرية في روانسر "حتى الآن، أجهضت طفلتي مرتين فقط لأن الجنين كان فتاة. كانت آخر مرة قبل ستة أشهر؛ بسبب خوفي من آراء الناس وسخريتهم. كذبتُ وأخبرتهم أنه ولد، لكنني أجهضت، وقلبي لا يزال مليئاً بالقلق".
وتابعت "لا يهمني الأمر، فأنا أحب بناتي الثلاث بقدر حبي لنفسي، لكن عندما يهددني زوجي بقتلي إذا لم أنجب ذكراً. أشعر أن قلبي ينكسر، كما أن عائلة زوجي تضايقني بالسخرية والكلمات الجارحة، حيث تبدأ المعارك والإهانات بعد كل كلمة"، لافتةً إلى أنه "أهرب من الحشود والحفلات، لأن الناس لا يسألون سوى سؤال واحد: هل لا يزال لديك نفس البنات الثلاث؟ ربما هذه المرة سيكون لديك ولد... هذه الكلمات تتسلل إلى روحي كالسموم".
(أمينة، م) امرأة تبلغ من العمر 45 عاماً ولديها ثلاث بنات، تقول "بعد ولادة ابنتي الثانية، أجبرني زوجي على الحمل مرة أخرى. كان يريد طفل ذكر. عندما اكتشفت أن الجنين فتاة، كنت خائفة من رد فعله ولم أخبره وعندما أخبرته أخيراً، لم يهتم حتى بصحة الطفل".
وتابعت "تدرس ابنتي الكبرى طب الأسنان، بينما تتمتع ابنتاي الأخريان بتفوق ملحوظ. ومع ذلك، أخبرني زوجي أنه إذا لم أنجب ابناً، فسوف يتزوج مرة أخرى، وقبل أن تولد ابنتي الثالثة، تزوج دون موافقتي. عندما ذهبت إلى منزل والدي واشتكيت لهم، لم يساندوني بل دافعوا عن زوجي أيضاً. في هذا المجتمع، تتعرض المرأة التي تنجب البنات للإهانة واللوم، رغم أنها ليست مسؤولة عن ذلك. ولا تزال هذه المعاناة تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل النساء".
من جانبها تحدثت الأخصائية النفسية (جيلا. ب)، عن العنف ضد النساء اللواتي تلدن فتيات "تواجه المرأة في مجتمعنا أشكالاً متعددة من العنف نتيجة للعقلية الأبوية السائدة، ومن أبرز هذه الأشكال التمييز والإذلال الذي تتعرض له النساء اللواتي تلدن إناثاً. في العديد من الثقافات، يمكن أن يؤثر جنس الطفل على الوضع الاجتماعي للأم، مما يؤدي إلى تعرضها للعنف النفسي والجسدي والاقتصادي".
وأضافت "ينبع هذا العنف أساساً من جهل الناس في تحديد جنس الجنين. يعتقد الكثيرون أن الأم هي المسؤولة عن تحديد ذلك، بينما الحقيقة هي أن كروموسومات الأب هي التي تحدد جنس الجنين. في المجتمعات التقليدية، يُفضل الأولاد على البنات، وغالباً ما يرتبط ولادة فتاة بمشاعر الخجل. هذه الثقافة الأبوية تميز ضد النساء اللواتي يلدن الفتيات، حيث لا يقتصر العنف ضدهن على العنف الجسدي فحسب، بل يمتد أيضاً إلى التمييز الاجتماعي والاقتصادي والنفسي. تؤدي هذه الضغوط إلى مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق، وفي بعض الحالات، قد تلجأ المرأة إلى أفعال خطيرة مثل الإجهاض أو الانتحار".
وأكدت أنه "على الصعيد الاجتماعي، يساهم هذا العنف في تعزيز التمييز بين الجنسين، ويزيد من الظلم، كما يعيد إنتاج أنماط ثقافية خاطئة تعيق النمو والتطور البشري في المجتمع".
وبينت جيلا. ب، أنه لا يمكن مواجهة هذا الشكل من العنف إلا من خلال اعتماد استراتيجية شاملة تشمل عدة جوانب ويُعتبر التعليم العام، وتعديل القوانين، وتعزيز دور المرأة، وتغيير المواقف الاجتماعية، من الركائز الأساسية لهذه الجهود.
وفي ختام حديثها، شددت على ضرورة "تحقيق مجتمعاً صحياً وإنسانياً وعادلاً عندما نطبق العدالة بين الجنسين بشكل فعلي وقانوني في جميع المجالات فبدون المساواة بين الجنسين، لا يمكن أن تتحقق التنمية ولا يمكن أن يكون هناك مجتمع صحي".