متسلحات بالأمل والإرادة… نساء "ثلاث نيعقوب" تتحدين الصعوبات

تواجه النساء في الجماعة القروية ثلاث نيعقوب (100 كليومتر جنوب مراكش) ظروفاً صعبة تتسم بالتهميش والعزلة بسبب مجتمع محافظ لا يسمح لهن بالتنقل بحرية بحثاً عن فرص أفضل، وهو الوضع الذي ازداد قتامة بعد حدوث الزلزال.

رجاء خيرات

المغرب ـ أمام هذه الظروف التي جعلت أدوار النساء في الجماعة القروية ثلاث نيعقوب لا تتجاوز العمل في حقول اللوز والجوز وبعض الخضراوات والاعتناء بالأطفال والقيام بأعمال البيت، قررت عائشة سعيد امرأة، مؤمنة بالعمل والجمعي وبالأدوار الريادية التي يمكن أن تلعبها المرأة القروية بمنطقتها، تأسيس جمعية أطلقت عليها اسم "الكرامة للنساء".

تحدت عائشة سعيد المجتمع الذكوري الذي نشأت فيه، وقامت بتأسيس جمعية تُعنى بالنساء وقضاياهن، خاصة التمكين الاقتصادي والاجتماعي لنساء قريتها "تسافت" بأعلى الجبل، بالجماعة القروية ثلاث نيعقوب إحدى القرى التي دمرها زلزال الحوز في أيلول/سبتمبر 2023 بسبب قربها من البؤرة، هذه المنطقة التي تشتهر بطبيعتها الجبلية الساحرة، تغزوها أشجار اللوز والجوز، وسكانها يعيشون على زراعة بعض الخضروات وتربية الماشية، كما تتميز بكونها تتوفر على واحدة من أقدم الزوايا بالمغرب وهي زاوية "تسافت" التي يعود تاريخها لأواخر القرن التاسع عشر.

لم يحالف الحظ عائشة سعيد التي حركت عجلة العمل الاجتماعي بمنطقتها لإكمال مسيرتها الدراسية، حيث انقطعت عن الدراسة في سن مبكر وتزوجت وأنجبت ثلاثة أطفال، لكن إيمانها بضرورة تعليم الفتيات، باعتباره بوابة حقيقية لاكتساب المعرفة وتحقيق الاستقلالية، جعلها تواكب دروس التعلم، كما كانت قدوة يحتذى بها لعدد من نساء القرية اللواتي التحقن بصفوف دروس محو الأمية.

وقالت عائشة سعيد إنه "لم يكن من السهل علينا كنساء أن نؤسس جمعية هنا في القرية، حيث غير مسموح للمرأة أن تغادر المكان من أجل استكمال الإجراءات الإدارية في المدينة والتي يتطلبها تأسيس جمعية، كما أن أغلب الأزواج أبدوا رفضهم للفكرة، بدعوى أن الرجال أنفسهم لم يستطيعوا إنشاء جمعية".

وأضافت "رغم الصعوبات التي واجهتنا، بقينا متشبثات بحلمنا وفكرتنا التي تمتد لعام 2015، حيث اقتصر مشروعنا في البداية على توفير مصدر للدخل، فقد كنا نجلب الأواني الخاصة بالطهي في الأعراس والحفلات الخاصة داخل القرية، ونقوم بتأجيرها لمن يرغب في استعمالها مقابل مبالغ مالية نقوم باقتسامها".

ولأن هذا العمل لم يكن كافياً لنساء القرية اللواتي عانين من العنف الاقتصادي والعزلة، بسبب محدودية مردوديته ولأنه لم يكن يرقى لمستوى مشروع تنموي متكامل، كان لابد من البحث عن آفاق أخرى، وتقول "بقينا في مشروع تأجير مستلزمات الحفلات الذي كان موسمياً ولم يكن يكفي لسد حاجيات المستفيدات،  إلى أن أخبرني شقيقي أنه ينبغي أن نؤسس إطاراً جمعوياً لتوسيع المشروع، وهو ما تحقق عام 2021".

بفضل جهودها الذاتية استطاعت عائشة سعيد أن تقنع نساء القرية بأن تتابعن دروس محو الأمية داخل المسجد الوحيد بالقرية، كما كان عدد المنخرطات في المشروع الاقتصادي الذي أطلقته يتزايد شيئاً فشيئاً، بسبب حاجة النساء إلى خلق مصادر دخل تؤمن لهن احتياجاتهن وحاجيات أطفالهن، إذ بالإضافة إلى المشروع السابق أضيفت مشاريع أخرى مدرة للدخل، مثل صناعة "العقيق" والحلي.

لمست تعطش النساء إلى توفير مصادر دخل قارة، وندماً عن عدم ولوج المدرسة كنت أستشعره كلما اجتمعت بهن، فعزمت وتوجهت إلى المدينة من أجل استصدار كافة الوثائق المتعلقة بتأسيس جمعية، وتقول "اخترت لها اسم "الكرامة للنساء" لأنني مؤمنة بأن نساء القرية والقرى المجاورة بحاجة لأن تعشن بكرامة، وهي لن تتحقق إلا بالتعلم والتمكين الاقتصادي".

وبينت أن جمعية "الكرامة للنساء" استطاعت في ظرف وجيز ورغم الصعوبات التي واجهتها بسبب رفض رجال القرية أن تنخرط النساء في جمعية تنموية، أن تنتصر للنساء من خلال تمكينهن اقتصادياً واجتماعياً، وفك العزلة عنهن.

وأشارت عائشة سعيد إلى أنه بعد الزلزال الذي كان عنيفاً على المنطقة، بسبب قربها من بؤرته، أجهض حلم النساء بمشروعهن، حيث أغلب عضوات الجمعية تم انتشالهن من تحت الأنقاض، وتحول الصراع من أجل فرض الذات والتمكين الاقتصادي والاجتماعي إلى حرب من أجل البقاء على قيد الحياة.

وأوضحت أنه "بالكاد كنا نسير بخطى حثيثة نحو تحقيق مشاريعنا، ونضع أقدامنا على سكة النماء والنهوض بأوضاعنا، حتى جاء الزلزال المدمر وحول حياة أغلبنا إلى مآسي لازلنا نتجرع مرارتها إلى غاية اليوم".

واستحضرت بمرارة ما عاشته النساء وأهل القرية طيلة ثلاثة أيام بعد الزلزال، حيث كانت كل المنافذ والطرق مغلقة، ولم يفك الحصار عن القرية إلا بعد مرور يومين على وقوع الزلزال الذي دمر البنية التحتية للقرية بالكامل "كان من الصعب التفكير في استئناف مشاريعنا داخل الجمعية، كل واحدة من النساء كانت تضمد جراحها الجسدية والنفسية وتحاول أن تتأقلم مع الحياة الجديدة، بعد أن فقدت بيتها". 

ولفتت إلى أنه على الرغم من المآسي التي خلفها زلزال الحوز لدى العديد من الأسر المكلومة والتي فقدت عدداً من أفرادها، حيث بلغ عدد القتلى في القرية والقرى المجاورة لها 84 شخصاً أغلبهم نساء وأطفال، إلا أن الأمل لازال يحذو العديد من النساء اللواتي تطمحن إلى كسر جدار العزلة والانخراط في تنمية المنطقة والنهوض بأوضاعهن.

وشددت على أهمية التعليم في صفوف الفتيات، كما طالبت بتوفير وسائل النقل لكي يتمكن أبناء المنطقة من الالتحاق بالمدارس "الفتيات ينقطعن عن الدراسة بسبب بعد المدارس عن القرية، كما أن الفقر والهشاشة يحولان دون إرسال بنات القرية وأبنائها إلى المدينة من أجل إكمال الدراسات الجامعية".

تدرك عائشة سعيد أن تغيير واقع النساء بالمناطق الجبلية ليس بالأمر السهل، بسبب المجتمع المحافظ والمنغلق، لكن بفضل إرادتهن وتضامنهن وانخراطهن في البرامج التنموية التي تتيحها جمعية "الكرامة للنساء" يمكنهن أن يغيرن واقعهن ويعشن بشكل أفضل.