مصير مجهول... آمال معلقة على اقتسام الثروة الزوجية بعد الطلاق في مصر
بين مؤيد ومعارض ظهرت مساعي للعمل على حماية الحقوق الاقتصادية للمرأة بعد الطلاق من خلال مشروع قانون تم تقديمه لمجلس النواب، وهي ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الأمر على الساحة ويثير جدل واسع
أسماء فتحي
القاهرة ـ .
"طلقني زوجي وطردني من المنزل ومعي أبنائي الذين تجاوزوا سن الحضانة لأجد نفسي أمام المجهول بلا مأوى وبلا تحصيل علمي يحميني ويمنحني فرصة عمل لائقة"، كان هذا المشهد المكافأة التي حصلت عليها الخمسينية حنان عبد الله بعد سنوات الكفاح بجانب زوجها وإنقاذه من الإفلاس لمرات بمقتنياتها الشخصية إلى أن أصبحت لا تملك شيئاً.
حنان عبد الله ذاقت مرار سنوات طويلة عقب الطلاق في البحث عن مصدر دخل كما قالت "بعد طلاقي رحلت ومعي ثلاثة أبناء جميعهم يدرسون ولا يجيدون ممارسة الأعمال التي قد تدر لنا دخلاً، فقررت أن أتحمل المسؤولية وخرجت باحثةً عن عمل إلى أن وجدت إحدى الحضانات فعملت بها مربية للأطفال، أتولى إطعامهم ومتابعتهم مقابل أجر لم يكن يكفي لإطعامنا وبالتالي كنت أبحث عن عمل إضافي، فأعددت وجبات غذائية لبعض الأسر بل ذهبت لمنزل من طلبوا مني لأطهوا لهم الطعام".
وتضيف "عملت خادمة وعاملة نظافة في مدرسة حتى شعر أولادي بالحرج نتيجة ذلك، واضطروا للعمل فكان الابن الأكبر يعمل في مقهى والأصغر منه يذهب لمطعم أما البنت فبحثت عن عمل إلى أن وجدت فرصة لها في مركز للتجميل بجانب دراستها الجامعية، ونتيجة كل ذلك تحصيلهم الدراسي أصبح أقل ودرجاتهم بالكاد سمحت لهم بعدم الرسوب العام كاملاً".
حنان عبد الله ليست الوحيدة فالكثير من النساء يعانين بعد الطلاق بدايةً من الإجراءات القاسية التي تستغرق وقتاً طويلاً للحصول على المستحقات القانونية وصولاً لعناء الاستمرار بعد ذلك خاصةً إذا كانت لا تمتلك ما يؤهلها لسوق العمل، مروراً بالعبء النفسي الذي تحمله على كاهلها لمجرد كونها انفصلت فيراها البعض كائن غير مكتمل.
في مصر ظهرت مساعي للعمل على إنقاذ المطلقة من براثن العوز والفقر من خلال مشروع قانون تم تقديمه لمجلس النواب من قبل النائبة رانيا الجزايرلي، وهي ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الأمر على الساحة ويثير جدل واسع بين مؤيد ومعارض لكل منهم أسبابه التي سيتم طرحها من خلال التقرير التالي مدعومة بآراء المختصين والمهتمين بهذا الشأن.
مشروع القانون المقدم للبرلمان
قدمت النائبة رانيا الجزايرلي مشروع قانون للبرلمان لمناقشته يقضي بأحقية المرأة في الحصول على جزء من ثروة الزوج في حال حدوث الطلاق مع وضع مجموعة من الشروط لتحديد الجزء المستحق ومنها مراحل تعليم أطفالها، وعدد سنوات الزواج.
وفي تصريحات لمقدمة المشروع النائبة رانيا الجزايرلي، أكدت أن فلسفة المشروع تتمثل في حماية الزوجة التي قد تجد نفسها فجأة خارج حسابات الزوج وبلا عائل أو مصدر دخل يحميها خاصةً أن القضايا تأخذ وقت طويل بعد الطلاق حتى يتم البت فيها، إنما مشروع القانون سيختزل تلك الإجراءات والوقت ويحميها ما بقي من عمرها.
وهذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها مشروع لحصول الزوجة على جزء من ثروة الزوج فقد سبق وقامت النائبة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية والعميد الأسبق لجامعة الأزهر، بالمطالبة باقتسام الثروة في حال انفصال الزوجين في ضوء كونها نتاج جهد مشترك بينهما.
حصول المرأة على جانب من الثروة حق أصيل... موقف المؤيدين للمشروع
تتحمل المرأة مسؤولية تطليقها حتى وإن كان زوجها لديه مرض نفسي أو يمارس العنف عليها وأسرتها أو حتى مختل عقلياً، فهي عادةً مصدر الكوارث والنكبات بل بعد تطليقها تحمل لقب "الفاشلة" ما بقي من عمرها، وتجد نفسها بين ويلات ما عانته في علاقتها التي تدهورت وانكسرت وبين مجتمع قاسٍ لا يشعر بآلامها أو حاجتها للدعم.
هناك الكثير من الأصوات التي رأت أن المشروع يمثل طوق نجاة للزوجة لا يمكن أن يتم تسطيحه كما يدعي البعض في الجشع المادي، فهم يعتبرن المرأة مشارك أساسي في إنجاز تلك الثروة أو حتى القيام بامتلاك عقار أو شركة أو سيارة فهي من تعبت وادخرت وساندت من أجل تحقيق ما تم أثناء الزواج من إنجازات بجانب الزوج.
فحنان عبد الله الحالة التي نسرد قصتها تقول "في بداية ارتباطنا لم يقدم زوجي شيئاً لي بل ساعدته في تجهيز البيت الذي كان بالإيجار فلم يكن يملك شيئاً على الإطلاق، ورثت عن أمي بعض المشغولات الذهبية قمت ببيعها لينفذ مشروعاً جديداً وبالفعل بدأ دخله يزداد يوماً تلو الآخر إلى أن تمكنا من شراء شقة، بل ومنحته بحب كل ما ادخرت لأجل إنقاذ موقفه المالي وبعدما استطاع النهوض وكافأني بالطلاق وألقى بي في الشارع بلا مأوى فذهبت إلى منزل أختي إلى حين استئجاري شقة سكنية، ومنها بدأت وأطفالي نتلمس سبل الحياة".
"مشروع قانون اقتسام الزوجة للثروة بعد الطلاق عادل"
اعتبرت الناشطة الحقوقية والنسوية نفيسة الصباغ، أن مشروع قانون اقتسام الزوجة للثروة بعد الطلاق فكرة عادلة، لأن مؤسسة الزواج بدأت بطرفين عملا معاً وتشاركا الجهد في تكوين الأسرة، وجزء من هذا الجهد غير مدفوع الأجر يرتبط بإدارة شؤون المنزل وتربية الأولاد والرعاية الطبية لبعض أفراد العائلة، والجزء الثاني عبارة عن عمل مدفوع الأجر، وبالتالي عندما تنتهي تلك الشراكة فما تم مراكمته من ثروات للطرفين فيه الحق كاملاً.
وأضافت أن الأمر فقط يحتاج لتنظيم فلا يحق لطرف أن يقتسم ثروة الآخر في مدة زواج تقل عن 5 سنوات، هنا يتم تحديد النسبة بحسب ما أضيف خلال تلك الفترة للثروة وعادةً ما يحصل طالب الانفصال على الجزء الأقل، ففي مصر وعدد من الدول أغلب الثروة تكتب باسم الرجل حتى لو كانت المرأة هي مصدر إدرارها وخرجت للعمل من أجل ادخارها وهو أمر يجب وضعه في عين الاعتبار.
وترد الناشطة الحقوقية على ما تمت إثارته بشأن افتعال المرأة للطلاق وهدم أسرتها من أجل الحصول على الثروة وابتزاز الرجل وقهره في حال تطبيق مثل هذا القانون قائلةً "قرار الطلاق في مصر يعود للرجل وليس قرار مشترك فالإحصائيات الرسمية تؤكد أن 84% من حالات الطلاق تحدث بقرار فردي من الرجل، وحالات الخلع لا تتجاوز الـ 13% وهناك 3% من حالات الطلاق تكون من خلال المحاكم التي يلجأ إليها أحد الطرفين لإنهاء الزواج، وبالتالي فمن يقرر الخروج من تلك الحياة المشتركة هو الرجل بالأساس".
"الزوجة سبب استقرار الأسرة ومن حقها اقتسام الثروة"
ومن جانبها أبدت استشاري العلاقات الأسرية، الدكتورة نادية جمال، تأييدها المطلق لمشروع قانون اقتسام الثروة في حالة الطلاق، موضحةً أن الزوجات هن من يدعمن الرجال في تكوين ممتلكاتهم، وهن سبب رئيسي في استقرار الأسرة ونجاحها الاجتماعي والاقتصادي.
وأكدت على أنها رأت من واقع تجربتها العملية الكثير من الزوجات مررن بأوقات صعبة وتمكن من مواصلة معيشتهم بإنفاق ودخل محدود، وبعضهن يعملن من أجل المساعدة في مصروفات الأسرة بجانب الزوج، بل أن الكثيرات يحرمن أنفسهن من متع الحياة من أجل دعم الزوج في مشروع أو تجربة عملية جديدة.
وأوضحت أن العديد من النساء يساعدن أزواجهن بممتلكاتهم الشخصية بمنتهى الرضا وبدون تفكير، باعتبارهم شخص واحد لا فرق بينهما ففي حال الثراء ستعود النتائج عليهم كأسرة، "المرأة تهدر أجمل سنين عمرها في بناء أسرتها ولا تبخل بأي جهد ممكن في سبيل تحقيق تقدمها سواء كان بدني أو نفسي أو مادي"، لافتةً إلى أن هذه التضحيات تعطيها الحق في حال استحالة مواصلة العلاقة والانفصال أن تحصل على مقابل تعبها لسنوات خاصةً إذا فقدت قدرتها على العمل فمن العدل أن تكمل حياتها آمنة مالياً.
الرأي القانوني
ومن الجانب القانوني، أكدت المستشارة القانونية دينا المقدم، أن المقترح المقدم باقتسام المرأة نصف ثروة زوجها في حال الطلاق ليس بجديد فهو مطبق في 40 ولاية أمريكية، "السؤال الذي يحتاج لإجابة عنه هو مدى صلاحية هذا القانون معنا كدولة إسلامية فيما يخص معاملات المرأة المالية بعد الطلاق".
وأشارت إلى أن نظام مقاسمة ثروة الزوج للأسف له سلبيات أكثر من إيجابياته "نظام مقاسمة الثروة بعد الطلاق ظالم للمرأة والرجل، ففي حالة الخلع هل تحصل المرأة على نفس النسبة، وماذا لو كان الزوج عاطل ومدمن وفاسد هل سنعطيه نصف ثروة زوجته بعد الطلاق إعمالاً بالدستور الذي ينص على التساوي بين الاثنين في الحقوق والواجبات".
واعتبرت المستشارة القانونية أن القانون ناقص وبه عيوب وثغرات واضحة، "هناك إمكانية لتقنين الأمر ووضع شروط وقيود له، ومنها أن تكون الزوجة متفرغة للبيت، وأحسنت تربية أولادها وأن يستمر الزواج لأكثر من ١٠ سنوات مثلاً حتى تصبح شريكة في تكوين الثروة التي ستحصل عليها".
وشددت على ضرورة تغيير ثقافة النظرة للأسرة بشكل عام، معتبرةً أن الكثير يرون أن العلاقة الزوجية عبارة عن شركة اقتصادية وهذا نابع من النظرة المادية الضيقة، "نظام توزيع الثروة بالنصف بعد الطلاق جعل كثير من الأغنياء لا يتزوجون خوفاً على أموالهم، ومنهم من يضعون شرطاً بإسقاط حق الزوجة بعد الطلاق من أخذ نصف الثروة، وبعضهم يتحايل بتسجيل ممتلكاته بأسماء أشخاص آخرين، وهناك أيضاً من يمارس الحياة الزوجية بدون عقد رسمي ليتفادى تقسيم ثروته بعد الطلاق، وفي المقابل فإن بعض الزوجات تفضلن الاستمرار في زواج غير ناجح على الطلاق حتى لا يأخذ زوجها نصف ثروتها، فهذا القانون فيه ظلم للرجل والمرأة، ولكن باب الاجتهاد مفتوح للجميع".
وأضافت "في مصر مال المرأة ملك لها وكذلك الرجل، سواء كان قبل الطلاق أم بعده، ولا يحق لأي منهما المساس بملكية الآخر وهذه من مميزات نظامنا لكن الإسلام والقانون ألزم الرجل بالنفقة على طليقته وأبنائه بما يكفيهم ويؤمن معيشتهم من خلال نفقة العدة والمتعة بالإضافة إلى تحمل مصاريف تأمين المسكن وأجرة الحضانة ونفقة الأطفال وتأمين الخدمات المساعدة لهم للعيش الرغد، وإذا كان بينهم قروض أو مشاركات مالية أو تجارية فكل واحد منهما يأخذ حقه ونصيبه، والمرأة الحامل يتم الإنفاق عليها حتى تضع مولودها، ويتم تقسيم الميراث في حال وفاة الزوج، وهو ما يعني أنها مستقرة وآمنة بعد طلاقها مالياً"، مؤكدةً أن الأزمة الحقيقية التي يعانون منها هي في التنفيذ وليس القانون بحد ذاته.
أما عن حالة الطلاق بعد الـ 20 عام على سبيل المثال فتقول "لدينا ما يسمى بنفقة المتعة بشرط ألا يكون الطلاق بسببها، فالقاضي يقدر التعويض المناسب للمطلقة، وقد يكون التعويض كبيراً أو قليلاً حسب حالة الزوج المادية، وفي الحالتين هي تأخذ حقها التعويضي، فنظامنا راقي ويحفظ حق المرأة مالياً ويكافئها على تعبها وعمرها الذي أفنته من أجل أسرتها".
وأكدت في ختام حديثها أن المرأة المطلقة ستحصل على حقها قانونياً "إذا تم تطبيق الشرع والقانون بمنتهى الحسم والقوة وإجبار الزوج على الوفاء بالتزاماته نظراً لمعاناة النساء المطلقات في الحصول على حقوقهن، والقانون ضيق الخناق على الزوج وأوقف خدماته الحكومية إذا ما تهرب من التزاماته المادية نحو مطلقته أو أبنائه".