من واقع التجارب... نساء تحاربن السرطان بالتفاؤل والمثابرة

يعد السرطان واحد من أعنف الأمراض التي تهاجم الإنسان حيث راح ضحيته وفق منظمة الصحة العالمية نحو 10 ملايين شخص خلال عام 2020، ليصبح سبباً في وفاة واحد من كل 6 حالات وفاة لذلك تم تصنيفه أحد أسباب الوفاة الرئيسية في مختلف أنحاء العالم.

أسماء فتحي

القاهرة ـ بين اليأس والأمل والحرب والسقوط تسعى المصابة بالسرطان نحو مستقبلها خاصة بعد تلك الصدمة النفسية الأولى عند اكتشافه وما يتبع ذلك من مخاوف ترتبط برحلة الشفاء منه والتجارب السابقة التي عادة ما تلاحق مرضاه خاصة تلك المرتبطة بأفراد انتهت حياتهم خلال رحلة التمسك بها ولم يستطيعوا النجاة.  

يبقى الأمر رفيق البعض وونيسهم كما تصف لنا المحامية نجلاء فتحي عن علاقتها بسرطان الثدي قائلةً "أتعامل بشكل طبيعي منذ معرفتي بطبيعة مرضي وخطورته فقط ابتسم واتقبل مراحل انتشاره بأمل في الشفاء"، عبارة قاسية بدأت بها المحامية نجلاء فتحي حديثها معنا عن واقع مرضها الذي بات ينتشر بجسدها لأكثر من 7 سنوات، بداية من صدمة المعرفة المتأخرة حتى اليوم الذي علمت فيه أنه ينتقل من مكان لآخر بجسدها.

وأكد عدد ليس بالقليل من الأطباء أن للحالة النفسية للمريض دور رئيسي في تحول مسار المرض، فكما روت المحامية نجلاء فتحي "أصبح الأطباء يعرفون أني متفائلة وعادة ما ألتقي المريضات المستجدات في معرفة المرض وأحاول تأهيلهن نفسياً من واقع تجربتي، لأن ذلك هام جداً في التعافي من المرض"، إلا أن خطورة المرض حالت دون قدرة الكثيرات على الوصول لتلك المرحلة كما سنعرف في التقرير التالي المبني على سرد قصص بعض محاربات السرطان والتي راح ضحيتها البعض، ومازال منهن من يحاربها في صمت، وأخريات كما سنرى تمكن من التعافي تماماً بفضل شجاعتهن من جهة واستجابتهن للعلاج بفضل الدعم المحيط بهن على الصعيد الآخر.

 

 

"7 سنوات والسرطان ينتقل في جسدي ولكني متفائلة"

روت المحامية نجلاء فتحي تجربتها مع السرطان الذي علمت به خلال عام 2015 في مرحلة متأخرة منه "الرابعة"، مشيرة إلى أنه بدأ بالثدي وتم بعدها استئصاله، معتبرةً أن اللحظة الأسوأ التي مرت عليها تمثلت في صدمة المعرفة بوجوده للمرة الأولى، إلا أنها قررت مواصلة طريقها نحو التعافي متفائلة بالقادم، وأوضحت أنها في وقت قياسي بدأت رحلة العلاج الكيماوي والإشعاع والهرموني.

وقالت "للأسف كان هناك إهمال في المستشفى وهو ما جعل المرض يعود مرة أخرى نتيجة عدم توجيهي الصحيح والوقوف على طبيعة المرض الذي ينتشر في جسدي تفصيلاً"، وأوضحت "لقد داهمني المرض مرة أخرى بعد عامين في الرئتين ومن هنا غيرت مساري الطبي واتجهت لمكان آخر من أجل استكمال العلاج"، وبعد عامين من استكمال العلاج عاد المرض مرة أخرى ولكنه في جولته الأخيرة أصاب العظام لأنه وفق الأطباء ينتشر سريعاً".

وبينت "تلقيت علاج موجه لأن مرضي ينتشر سريعاً وهو أمر كان ضروري في مرحلة مبكرة بأول مشفى عالجت فيه ولكن نتيجة الإهمال لم يحدث الأمر، وهنا قررت الطبيبة حصولي مرة أخرى على الكيماوي"، مؤكدة أن العلاج الموجه جاء من أجل السيطرة على المرض ومنع عودته وانتشاره في أماكن جديدة.

وأكثر أنواع السرطان شيوعاً هي "سرطان الثدي والرئة والقولون والمستقيم والبروستاتا"، وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن ثلث الوفيات الناجمة عن السرطان ترجع إلى "تعاطي التبغ، وارتفاع كتلة الجسم، وتعاطي الكحول، وانخفاض مدخول الجسم من الفواكه والخضروات، وقلّة ممارسة النشاط البدني".

 

الروتين واحد من الأزمات التي تؤرق مرضى السرطان في المستشفيات الحكومية

عدد ليس بالقليل من المعوقات تواجه المرضى أثناء تلقيهم للعلاج واحد منها الروتين لدى الجهات الحكومية ومنها المستشفيات وكذلك تضارب الآراء بين الأطباء في تشخيص الأدلة بين الخطورة والبساطة مما يضع المريض في قبضة الشك بل قد يضيع عليه فرص أكبر للتعافي المبكر. 

وأكدت نجلاء فتحي، أن واحد من أبرز المعوقات التي واجهتها تمثلت في عدم توفير العلاج الموجه على نفقة الدولة إلا لمرضى سرطان الثدي فقط، مؤكدةً أنها خاضت مسار مرهق من أجل الحصول على قرار علاج على نفقة الدولة استمر لأكثر من 10 أشهر متواصلة وهي تتألم وظلت تحاول حتى تمكنت من إنجاز كامل الإجراءات ومنها التحاليل المطلوبة بمستشفيات حكومية.

والإجراءات بحسب ما ترى نجلاء فتحي مرهقة ومتعبة للغاية، مشيرة إلى أنه يجب العمل على التقليل من حجم الروتين والتخفيف على المرضى خاصة إن كن مريضات سرطان وبحاجة أكبر للدعم النفسي والتأهيل بجانب الرعاية الطبية.

بينما أكدت عضو مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة فاطمة يحيى أن أزمتها الرئيسية حينما علمت بحقيقة مرضها تكمن في تضارب الآراء بين الأطباء فقد قال لها أحدهم أن الأمر بسيط ولا يحتاج لعلاج بينما وصف آخر وضعها بالخطر مما جعلها تتردد لفترة وتشكك في طبيعة حالتها الصحية. 

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن "السرطان ينتج عن تحول خلايا عادية إلى أخرى ورمية في عملية متعددة المراحل تتطور عموماً من آفة سابقة للتسرطن إلى ورم خبيث"، وهذه التغيرات ناجمة عن التفاعل بين العوامل الوراثية للشخص وثلاث فئات من العوامل الخارجية، منها ما يلي "العوامل المادية المسرطنة، مثل الأشعّة فوق البنفسجية والأشعة المؤينة، والعوامل الكيميائية المسرطنة، مثل الأسبستوس ومكونات دخان التبغ والكحول والأفلاتوكسين والزرنيخ، والعوامل البيولوجية المسرطنة، مثل الالتهابات الناجمة عن بعض الفيروسات أو البكتيريا أو الطفيليات". 

 

 

"تجربة أمي تركت بداخلي أثر أخافني وأربكني عند اكتشاف المرض"

قالت فاطمة يحيى عضو مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، أن تجربتها تعود لوالدتها التي اكتشفوا أنها مريضة سرطان في عام 2015 وكانت بمرحلة متأخرة حيث انتشر خلالها المرض في الثدي والرئة والغدة وأثناء الجراحة تم اكتشاف تمدده بألياف الظهر، مؤكدة أن والدتها مرت بمراحل صعبة منها العلاج الهرموني والاستئصال الكامل، فضلاً عن الوضع النفسي المأزوم بالإضافة لطول مدة الشفاء من العمليات الجراحية.

وأضافت فاطمة يحيى، أن الأم أصيبت بجلطات لثلاثة مرات وهو الأمر الذي جعلها توقف العلاج لفترات، وأصبحت فيما بعد ملساء بلا شعر في وقت قصير، وتلا ذلك خضوعها للعلاج الإشعاعي والموجه، ولأن حالتها متأخرة فمن المقرر أن تستمر لعامين في العلاج لأن هناك احتمال لعودة المرض إليها وهو ما استوجب مواجهته.

ومن ويلات معاناة الأم لاكتشاف الابنة التي ترافقها أنها قد تلقى نفس المصير صدمة لا يمكن أن يتوقع أحد حجم تأثيرها عليها خاصة أنها اكتشفت الأمر بالصدفة فقد ذهبت فاطمة يحيى بناء على نصيحة من المقربين لحملة الكشف المبكر عن الأورام لأنها تشعر بألم في الثدي الأيسر وبعض التورمات وكانت المفاجأة باحتياجها لفحص إكلينيكي وميموجرام وأخيراً الإبرة القاطعة وبعد ذلك صدمت بحقيقة ما تعانيه وهو أنها مصابة بالسرطان.

وأزمة فاطمة يحيى كانت في استحضارها لآلام والدتها بشكل مستمر خاصة أنها كانت ترافقها في رحلة علاجها ولتباين آراء الأطباء في حالتها لجأت لمستشفى "بهية" حيث تتلقى الأم علاجها وبدأت رحلتها في التعافي من المرض مؤكدة أن أكثر من شعر بمعاناتها كانت الأم المدركة تماماً لآلامها بحكم التجربة من جهة وكونها الأقرب إليها على الإطلاق على الجانب الآخر.  

يذكر أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن معدل الإصابة بالسرطان يرتفع مع التقدم في العمر، مشيرةً إلى أن هناك قدرة على الوقاية منه في الوقت الراهن بنسبة تتراوح بين 30% و50% من الحالات كما يمكن الحد من أعبائه عن طريق الكشف المبكر وتزويد المرضى بالعلاج والرعاية وكلما تم الكشف مبكراً ترتفع فرص الشفاء كذلك.

 

هكذا ساهم الدعم النفسي في المساعدة

الجانب النفسي كبير ومؤثر على صحة الجسد بحسب أغلب المتخصصين فقد ينتج عن آثاره السلبية الكثير من الأمراض الجسمانية وكذلك كلما تعافى الشخص نفسياً ساهم ذلك إجاباً في صحته الجسدية وهو الأمر الذي كان لمريضات السرطان اللواتي التقيناهن نصيب كبير منه وساعدهن الدعم من الأهل أو الأصدقاء في تجاوز محنتهن والتمسك بالمواصلة والكفاح من أجل التعافي.

وأكدت نجلاء فتحي، أن الأطباء يرون أن للحالة النفسية للمريض الأولوية في قدرته على التعافي لذلك قررت أن تقوم بهذا الدور لدعم المريضات الجدد.

بينما رأت فاطمة يحيى أن لصديقاتها في مبادرة المحاميات المصريات الدور الأكبر في دعمها النفسي الذي كان له دور رئيسي في رغبتها بالتعافي ومواصلة العلاج وتفاؤلها بالنجاة من براثن هذا المرض.

وعن تجربة التعافي تقول فاطمة يحيى "تم استئصال الجزء المصاب وبدأت برنامج علاجي 6 شهور وبعد ذلك أتعافى والأطباء أكدوا أني بنسبة 90% تعافيت والنسبة المتبقية مجرد وقاية حتى لا يعود المرض مرة أخرى"، مثنية على الدعم الذي وجدته من الأطباء والذي كان له دور على تجاوزها بجانب أصدقائها ومحبيها.

ومن اللافت بحسب منظمة الصحة العالمية وجود تباين كبير في معدلات توافر العلاج بين البلدان من مختلف مستويات الدخل، كما أن العلاج الشامل متوفر في أكثر من 90٪ من البلدان المرتفعة الدخل، ولكنه لا يتجاوز الـ 15٪ في البلدان المنخفضة الدخل.