من دفع فاتورة ظلم داعش لن يقبل بالاحتلال التركي

المرأة التي قتل ابنها على يد داعش لن تقبل بأن يعود داعش بغلاف تركي.

سيلفا الإبراهيم

منبج ـ "لن نقبل حرباً جديدة على المنطقة، ولا نقبل عودة داعش بقناع تركي، اكتفينا من الظلم ونود أن نعيش بسلام ونبقى على ما نحن عليه"، بهذه الكلمات عبرت شمسة اليوسف وهي واحدة من النساء اللواتي قتل داعش ابنها عن رفضها للتهديدات التركية.

خلف كل باب من مدينة منبج الواقعة بشمال وشرق سوريا تختبئ قصة مؤلمة، شمسة اليوسف ذات 78 عاماً، إحدى النساء اللواتي غير داعش حياتها وحياة أطفال ابنها بالظلم الذي لم تسلم منه أي عائلة، بين تفاصيل تجاعيد وجهها مرسومة مصاعب حياتها، كحمامة سلام بين أنقاض الحرب.

عادت بنا شمسة اليوسف إلى عام 2014 حينما كان داعش يسيطر على مدينة منبج، وحدثتنا عما عاشته من ظلم بات كابوساً معلقاً في ذاكرتها. تقول "سرقوا منزلنا وحطموا كل ما طالته أيديهم واعتقلوا ابني سليمان محمد وهو أب لطفلان، كان عمر ابني 30 عاماً آنذاك، اعتقلوه بتهمة أنه كان في الجيش الحر بداية اندلاع الثورة السورية".

انضم سيلمان محمد لصفوف الجيش الحر بعد أن قتل شقيقه على يد النظام السوري لكن مع خروج الجيش الحر عن مساره في تحقيق إرادة الشعب وارتهانه لقوى خارجية، ودخول داعش للمدينة انسحب من تلك القوة في العام نفسه، وبعد محاولات فاشلة من داعش لضم سليمان محمد لصفوفه لفقوا هذه التهمة عليه.

تروي شمسة اليوسف تفاصيل اعتقال ابنها "داهموا منزلنا بأكثر من عشرون سيارة، في ساعات الليل لم يعطوا الفرصة لأبني لارتداء ملابسه أخذوه وهو يرتدي ملابس النوم، وضربوه بأعقاب البنادق التي يحملونها حتى وقع أرضاً".

بعد الهجوم على منزل سليمان محمد وضربه اعتقلوه وزجوه في سجونهم "لم تكن معتقلاتهم أقل ظلماً مما مارسوه خارجها، فقد الحقوا عشرات الأمراض بابني مثل الديسك وكسر العظام جراء التعذيب، كانوا يضعونه على ما يسمى الدولاب ويسكبوا عليه الماء، عاش هذه المعاناة لعشرة أشهر متواصلة"، وعن زيارتها لابنها تقول "لم يكن بمقدورنا الحديث معه لأنهم كانوا يقفون بجانبنا وعندما كنت أبكي ينهون الزيارة ويخرجوني من السجن".

وبينت "نقلوا ابني من سجن إلى آخر، وبعد مرور 10 أشهر قتلوه رمياً بالرصاص قبل أن يؤدي الشهادتان على دوار الدلو وعلقوه أربعة أيام على الدوار على شكل صليب، دون أن يسمحوا لأحد منا الاقتراب من الجثة".

كان داعش يقتل السجناء في الساحات وعلى الدوارات وسط استهزاء مرتزقته، ويجبرون الناس على حضور مشاهد الإعدام، ويسمح بتصوير جرائمه ليرعب العالم.

ورغم منعهم من الاقتراب من الجثة إلا أن زوجته خاطرت بحياتها ومسحت الدماء التي كانت قد سالت على وجهه، وعانقته، ثم طردوها من المكان.

وكشفت شمسة اليوسف أنه "في إحدى المرات قصفت طائرات التحالف عدة غارات في السجن وكان هناك فرصة لفرار ابني لكن لم يفر خوفاً من أن يعتقلوا شقيقه بدلاً عنه، وهذا ما جعله يضحي بنفسه من أجل عائلته".

وقتل آنذاك 27 شخصاً، في كل ساحة ودوار في مدينة منبج كان يعلق شخص أو اثنان، تقول شمسة اليوسف "قتلوا ابني ومعه 27 شخصاً وذلك بعد تحرير مدينة كوباني، قتلوا أبنائنا انتقاماً لخسارتهم وليبينوا للعالم بأنهم لا يزالوا أصحاب قوة ونفوذ في المنطقة".

عندما قتل سليمان محمد كان لديه طفلان أحدهما يبلغ من العمر شهران واسمه حكيم والآخر عام ونص يدعى عدنان "رغم علم مرتزقة داعش بأن لديه طفلان لم يرأفوا بحاله".

وعن جرائم داعش أوضحت "لم يسلم منه أحد لا الأموات ولا الأحياء، وأكثر من عانى هن النساء، ففي إحدى شقق بنايتنا كان يوجد منزل لمرتزق وكان يختطف امرأة متخذاً منها سبية وكانت تصرخ من الضرب والتعذيب، كما أن النساء اللواتي أجبرن على الزواج من مرتزقة داعش كن يجبرن على الزواج مباشرة بعد قتل الداعشي".

أما عن رأيها بالتهديدات التركية الأخيرة الساعية لشن عملية عسكرية على منبج وتل رفعت قالت "لم يعد بوسعنا تحمل المزيد من الحروب، ولا نقبل بعودة داعش مرة أخرى بقناع تركي، متنا بما فيه الكفاية لا نود الموت مرة أخرى على يد تركيا، فالنظام مسبقاً ظلمنا ومن ثم الجيش الحر، وبعده داعش وبعد أن استنشقنا الحرية والقليل من الراحة والاستقرار، تركيا تود إعادة سنوات الظلم إلينا، وهذا ليس موقفي فحسب، بل موقف جميع أهالي منبج فهم يرفضون أي هجوم أو حرب جديدة على المنطقة، نحن ننعم بالأمن والسلام، الجميع يعمل ونعيش حياة مستقرة".

شمسة اليوسف من إحدى الأمهات التي عاشت ثكلى ليس لمرة واحدة بل أربعة مرات كانت أم لثلاثة شبان قبل أن يقتل النظام السوري ابنها حكيم محمد (26) عاماً في عام 2013، ويقتل داعش الأخر سيلمان محمد (30) عاماً ويبقى ابناً واحداً لها، وأم لثلاثة فتيات قبل أن تفقد إحداهن حياتها أثناء الولادة وهي وحيدة المحمد (30) عاماً في عام 2006، وإحداهن بمرض السرطان تدعى سامية محمد (40) عاماً في عام 2000، من أصل 6 أبناء وبنات لم يتبقى لها سوى ابن وابنة.