مكبات النفايات... مقصد نساء وأطفال للبحث عن وسائل التدفئة
مع بداية فصل الشتاء، تلجأ نساء معيلات وأطفال في إدلب، إلى تجمعات ومكبات النفايات للبحث عن وسائل التدفئة كالملابس والنايلون والبلاستيك وغيرها من المواد التي تخفف عنهن أعباء البرد القارس.
هديل العمر
إدلب ـ دفعت الأوضاع المعيشية والاقتصادية السيئة التي تزامنت مع غلاء وسائل التدفئة والملابس الشتوية الجديدة، هؤلاء النساء لقصد تجمعات ومكبات النفايات للبحث عن وسائل التدفئة في ظل عدم وجود أي خيارات متاحة أمامهن.
على مقربة من مدينة الدانا في إدلب، تجهد رزان الدبس (31) عاماً وهي نازحة من ريف حلب الشمالي، بالبحث عن البلاستيك والكرتون والألبسة المستعملة، محاولةً تأمين ما يمكن جمعه قبل بداية الشتاء هذا العام وعن ذلك تقول "إذا ما جمعنا هذه الأشياء من الحاويات سأموت أنا وأولادي من البرد" في إشارةً منها لحجم المعاناة المتمثلة بانعدام الملابس الشتوية ووسائل التدفئة، التي غدت عاجزة عن تأمينها بسبب سوء أوضاعها الاقتصادية.
وأوضحت أنها تنطلق يومياً مع أطفالها الأربعة إلى مكبات النفايات القريبة من المدينة، حيث يعملون على جمع ما تيسر لهم من هذه المواد التي تخفف عنهم أعباء ومتاعب الشتاء الذي تتضاعف درجات البرودة خلاله.
وأشارت إلى أن عملها هذا يوفر عليهم مبالغ كبيرة لا طاقة لهم بها، خاصةً بعد أن تضاعفت أسعار مواد التدفئة إلى الضعفين هذا العام، ما أجبر الكثيرات على اللجوء إلى مثل هذه الأساليب لتأمين جزء من احتياجات التدفئة.
وتعمل كمستخدمة في تنظيف إحدى المدارس الخاصة مقابل مبلغ مالي زهيد بالكاد يؤمن لها ثمن الخبز وبعض أصناف الخضروات، ولكنه يبقى "أفضل من لا شيء"، خاصةً وأنها لا تجيد أي مهنة ولا تملك شهادة علمية تمكنها من العمل، على حد قولها.
وتشهد محافظة إدلب، نقصاً حاداً في أنواع وأصناف مواد التدفئة والملابس الشتوية وارتفاعاً كبيراً في أسعارها، نتيجة احتكار التجار لهذه المواد، وتحكمهم بأسعارها التي باتت تفوق قدرة معظم السكان والنازحين الشرائية.
ومنذ ثلاثة أشهر، تعمل فاطمة العبد الله (45) عاماً وهي نازحة من ريف معرة النعمان الشرقي، على جمع مواد التدفئة والملابس المستعملة من الحاويات مستفيدة من أوقات الصيف التي تكثر فيها الملابس الشتوية التي تتخلص منها ربات المنازل، لعدم حاجتهن لها مع انتهاء فصل الشتاء.
وتقول إنها تعمل على جمع الملابس الشتوية ومواد التدفئة منذ أكثر من ثلاث أعوام، حيث وجدت من خلالها وسيلة تساعدها على إكساء نفسها وأطفالها، كما تؤمن لها قسم كبير من احتياجات التدفئة في كل عام.
ولفتت إلى أن القمامة والملابس البالية والأحذية تشكل مصدر دفئ جيد في فصل الشتاء، ولكنها لا تخلوا من الخطورة كونها سريعة الاشتعال، فضلاً عن تسببها بأمراض تنفسية لأطفالها بسبب الروائح الكريهة، مشيرةً إلى أن مواد التدفئة الآمنة باتت تقتصر على الأغنياء وميسوري الحال، إذ أنه لا يمكن لأصحاب الدخل المحدود والمتوسط تأمين أدنى مستلزماتهم من هذه المواد.
وتعمل فاطمة العبد الله بشكل متقطع في الأراضي الزراعية، إذ أن دخلها اليومي محدود، وهو ما يجبرها على اللجوء إلى هذه الوسائل التي تساعدها على تحمل مأساة الشتاء والبرد القارس.
من جانبها تقول الطبيبة النسائية عائشة جلال (43) عاماً وهي مقيمة في إدلب، أن مواد التدفئة غير السليمة كالنايلون والأحذية والملابس البالية تشكل مخاطر صحية كبيرة على النساء والأطفال لما لها من مضار على الجهاز التنفسي.
وأوضحت أن غاز أحادي أكسيد الكربون الناتج عن الاشتعال من شأنه أن يؤدي إلى نزلات تنفسية شديدة، بالإضافة إلى أمراض الربو والتهاب القصبات الهوائية عند الأطفال والنساء، لافتةً إلى أن هذه الأمراض تنتشر بكثرة بين النساء والأطفال في فصل الشتاء بسبب استخدام هذه الوسائل الضارة في عمليات التدفئة.
وشددت عائشة جلال في ختام حديثها على ضرورة التوعية وتسليط الضوء على هذه المشكلة المتنامية ومضارها، مما سيساهم في الحد من عواقبها بشكل كبير، منوهةً إلى ضرورة مساعدة هذه الفئات المنسية وتقديم المساعدة والعون لهن من المنظمات الإنسانية والجهات التي يفترض أن تكون معنية في المنطقة.