لماذا نكون نساء عاديات وبإمكاننا أن نصبح قيادات؟

من امرأة على الهامش إلى قيادية في المجتمع هكذا أصبحت وردة شيخو ابنة مقاطعة الشهباء في ظل ثورة روج آفا بشمال وشرق سوريا.

فيدان عبد الله

الشهباء - تمكنت وردة شيخو من أهالي القرى العربية في مقاطعة الشهباء بشمال وشرق سوريا من تحدي العوائق والصعوبات التي واجهتها لتثبت دورها في الكثير من المجالات بالإدارة والتنظيم لتكون الدافع لانخراط الكثير من النساء في الثورة.  

رسخت ثورة روج آفا التي انطلقت من مدينة كوباني في تموز/يوليو 2012 وامتدت نحو شمال وشرق سوريا مبادئ الأمة الديمقراطية في المنطقة، وكان أكثر ما يلفت الانتباه فيها هو نظام الرئاسة المشتركة في جميع المؤسسات، والمجالس والكومينات التي تركز على ضرورة تشارك المرأة والرجل في اتخاذ القرارات وإدارة شؤون الشعب في وقتٍ تقمع فيه الكثير من الدول التي تدعي الديمقراطية وغيرها حق ودور النساء في الحياة والقرار.

مقاطعة الشهباء من أكثر المناطق التي تأثرت بالحرب السورية حيث أن الكثير من الجماعات المرتزقة فرضت سيطرتها عليها، كما أن سيطرة مرتزقة داعش خلف معه الكثير من التأثيرات السلبية على المجتمع ككل والمرأة على وجه الخصوص، عدا عن أن النظام السوري عمل على تهميش وإضعاف حضور المرأة في كافة المجالات.

لكن مع تحرير مقاطعة الشهباء في عام 2016 وترسيخ مبادئ الأمة الديمقراطية ونشرها بين أهالي المنطقة اكتسبت النساء مكانتهن وأثبتن دورهن ووجودهن الذي كان منحصر في إطار العمل المنزلي والاهتمام بتربية الماشية والأراضي الزراعية.

للتعرف على الثورة من زاوية المرأة العربية والتغيرات التي طرأت على حياتها ومدى قدرتها على الوقوف بوجه العادات والتقاليد البالية من خلال مفاهيم الثورة سلطت وكالتنا الضوء على حياة وردة شيخو وهي من أهالي قرية أم الحوش في مقاطعة الشهباء التي انخرطت في الثورة منذ الأيام الأولى لتحرير قريتها وهي اليوم الرئيسة المشتركة لمجلس الشهباء.

 

الأفكار الرجعية حرمت الفتيات من حق التعليم   

تشير وردة شيخو إلى طفولتها والصعوبات التي واجهتها وسط أفكار عفى عليها الزمن لكن ما يزال أهالي القرية يتناقلونها جيلاً بعد جيل بالقول "درست المرحلتين الابتدائية والإعدادية في مدارس القرية، لكن عندما وصلت للمرحلة الثانوية تطلب الأمر الدراسة في القرية المجاورة لأن قريتنا لا تحوي مدارس ثانوية، وبالتأكيد فإن ذهاب شابة بعمري إلى مكان آخر يعد أحد التابوهات، فهو مخالف لثقافتهم ولا يجاوز بتاتاً، وهذا ما كان السبب في حرمان الكثير من الشابات من إكمال تعليمهن".

 

بين تخلف المجتمع وسطوة داعش النساء على الهامش

بالإصرار والعزيمة تحدت وردة شيخو عادات وتقاليد المجتمع البالية واستطاعت إتمام المرحلة الثانوية، ومع وصولها للمرحلة الجامعية اندلعت الأزمة السورية وسيطرت الفصائل المسلحة على الكثير من المناطق في حلب، ولهذا لم تتمكن من التسجيل في الجامعة.

وبفرض مرتزقة داعش سيطرتهم على المنطقة ازدادت معاناة النساء، اللواتي لم تكن مثقفات بالمستوى المطلوب فأصبحن ضحايا سهلة لا يمكنهن الخروج إلا برفقة "محرم"، وفرض الملابس التي تغطي كافة أجسادهن وكأنهن عورة عليها الاختباء وغيرها الكثير من التجاوزات والممارسات اللاأخلاقية والغير إنسانية ما أثر على المجتمع ككل.

 

"التدريب ساهم بتغيرات جذرية في حياتنا وخفف من وطأة ما عشناه في ظل سيطرة داعش"  

وعن وضع المرأة وحياتها ذكرت وردة شيخو أنه "مع تحرير قرى مقاطعة الشهباء في أواخر عام 2016 كنت من أوائل النساء اللواتي انضممن للتنظيم والعمل بين الشعب، وخلال الفترة الأولى خضعت للتدريب الفكري وهذا ما ساهم في خلق الكثير من التغيرات الجذرية في حياتي وشخصيتي بعد كل ما مررنا به من مأساة وصعوبات وحربٍ نفسية وجسدية".

 

تحدي العادات البالية

وبعد فترة التدريب بدأت عملها بين الأهالي ومع تشكيل الكومينات أصبحت رئيسة مشتركة لأحدها، ويوماً بعد أخر من التدريب والعمل على تطوير الشخصية وإثبات الذات أصبحت وردة شيخو الرئيسة المشتركة في مجلس ناحية أحرص، وكونها من النساء الأوائل اللواتي عملن بجد وإصرار لتحقيق الذات كانت القدوة للكثير من نساء الشهباء اللواتي انضممن للمجالس والمؤسسات النسائية والتنظيمية في المنطقة.

على مدار السنوات الستة من تحرير أراضي مقاطعة الشهباء ونشر فكر الأمة الديمقراطية في المنطقة تمكنت وردة شيخو من لعب دورها في الكثير من المجالات وحمل عبء كبير من التنظيم والإدارة في مجال الرئاسة المشتركة على وجه الخصوص، حيث أنها أخذت مكانها في رئاسة هيئة الزراعة ومع نزوح أهالي عفرين قسراً لمقاطعة الشهباء لعبت دورها في هيئة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن انتخبت منذ عام ونصف للرئاسة المشتركة لإدارة مجلس مقاطعة الشهباء.

 

المجتمع الأبوي يتحكم بحياة أهالي الشهباء

وعن تجربتها وعملها المشترك في مجالات عدة مع الرجل ضمن الرئاسة المشتركة قالت وردة شيخو "لا نستطيع التقييم بأن الرجل متقبل وبشكلٍ كبير وجود المرأة معه في مكان صنع القرار، فما يزال الفكر الرجعي الذي رسخه المجتمع الأبوي منذ آلاف السنين يسيطر على الجميع، ونتيجة ذلك نواجه الصعوبات والعوائق في عملنا بالرئاسة المشتركة، كما أن الفارق في العمر بيني وبين أعضاء مجلس مقاطعة الشهباء يؤدي للكثير من التناقضات والاختلاف في الآراء".

وبينت أنه "ما تزال الكثير من النساء في الرئاسة المشتركة مترددات في إبداء آرائهن كما أن بعض الرؤساء المشتركين الرجال يسيطرون على القرارات كما في كفرنايا وكفرناصح".

 

"بالتدريب والنقاشات الحوارية سنعزز ثقة النساء ونتحدى الصعوبات"

وأشارت إلى أنه من خلال الزيارات الكثيرة والنقاشات المستمرة والتدريبات المكثفة يسعون إلى مساندة النساء الراغبات في تطوير ذواتهن وأثبات وجودهن ودعمهن وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وتحدي الصعوبات والمواجهات التي تتعرضن لها من قبل المجتمع.

وتشدد وردة شيخو التي كانت شاهدة على ممارسات النظام السوري من جهة، ومرتزقة داعش من جهة أخرى والتي عاشت فترات الازدهار التي حققتها الإدارة الذاتية على أن "السنوات الـ 12 التي درست فيها على حدة وما اكتسبته وتعلمته خلال الـ 6 سنوات من العمل في مؤسسات الإدارة الذاتية شيئاً آخر تماماً، من التعمق والتحليل والتعرف على الواقع والتاريخ".

 

لماذا تكوني امرأة عادية وبإمكانك أن تصبحي القدوة والقيادة في المجتمع؟

وتساءلت الرئيسة المشتركة لمجلس مقاطعة الشهباء في شمال شرق سوريا وردة شيخو لماذا تقبل المرأة أن تكون شخصاً عادياً دون فعالية وبإمكانها أن تصبح قدوة في المجتمع "لماذا نكون نساء عاديات وبإمكاننا أن نخرج من القوقعة التي وضعنا المجتمع الأبوي بها، علينا أن نصبح القدوة والقيادة للمجتمع وأن نحقق ذواتنا ونطور إمكانياتنا لذا من الضروري أن تنخرط كافة النساء في صفوف الحرية والثورة ودعم ثورة المرأة".