'لا عودة لعفرين ما دامت محتلة فأنا شاهدتُ وعشتُ ذلك الواقع المظلم'

بعبارةٍ رددتها ثلاث مرات "لا تعودوا إلى عفرين وهي محتلة بيد تركيا، الحياة فيها لا تطاق والأهالي هناك مستعبدون، ووضع المرأة لا يمكن وصفه"، هذا ما قالته فريدة محمد الهاربة من عفرين قبل عدة أيام

روبارين بكر
الشهباء - .   
يوماً بعد آخر يخرج المزيد من أهالي مقاطعة عفرين الباقين فيها منذ احتلالها في آذار/مارس 2018 هرباً من انتهاكات وممارسات الاحتلال التركي ومرتزقته بحق المدنيين العزل، وكان آخرهم فريدة محمد البالغة من العمر 80 عاماً.
فريدة محمد من أهالي قرية جقلا بناحية شيه في عفرين بشمال وشرق سوريا. وقسمت المجموعات المرتزقة والاحتلال التركي عفرين بين الجماعات المرتزقة لتكون ناحية شيه تحت سيطرة مرتزقة لواء السلطان سليمان شاه المعروفة بـ "العمشات" التي تعد الأكثر قرباً من الاستخبارات التركية. 
وتشكلت مرتزقة "العمشات" على يد المرتزق محمد الجاسم بن حسين المعروف باسم "أبو عمشه" في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 بريف حماه الغربي، وبسيطرتهم على الناحية حولوها إلى إمارة خاصة بهم ويرتكبون فيها أبشع الانتهاكات والجرائم.
من أهالي الناحية فريدة محمد والتي كانت تقطن في مركز المقاطعة ولم تتمكن من زيارة قريتها خلال الثلاث سنوات الماضية إثر منع مرتزقة العمشات لها. بعد هروبها ووصلوها إلى الشهباء التقت بها وكالتنا لتحدثنا عن الوضع الذي يعيشه الأهالي هناك.
في بداية حديثها أشارت فريدة محمد إلى اضطرارها للعودة لعفرين بعد احتلال تركيا لها قائلةً "خرجت قسراً مع أهالي عفرين في 18 آذار/مارس 2018 نحو مقاطعة الشهباء، وبعد عام من النزوح وللتأمين على ممتلكاتي وموسم الزيتون عدت إلى عفرين وكانت عودتي ردة فعل طبيعية لحماية منزلي والأراضي الزراعية من المجموعات الإرهابية". 
تقول عن الخوف الذي عاشته خلال وجودها في عفرين "بهذا السن كنت أخشى الخروج أمام المنزل، ففي كل مكان بمقاطعة عفرين تنتشر المجموعات المسلحة. أشكالهم لوحدها تثير الهلع والرعب في قلوب من يشاهدها فكيف التحدث والتعامل معهم أو الوقوع في قبضتهم".
وأضافت "خلال فترة بقائي في المنطقة كنت شاهدة على الكثير من الأحداث والجرائم واعتداءاتهم المتكررة بحق المدنيين فالكثير من الشبان، والنساء والمسنين فقدوا حياتهم تحت عمليات التعذيب التي كانت مرتزقة العمشات تمارسها بحق المعتقلين في سجونهم".   
وذكرت فريدة محمد إحدى الجرائم التي كانت شاهدة عليها "يمارسون أبشع الأساليب والاعتداءات بكافة أشكالها على أهالي عفرين، ذبحوا أحد رعاة الأغنام وسرقوا الماشية ومنزله أيضاً".
أما عن الفوضى العارمة في عفرين بمباركة الاحتلال التركي قالت "خلال فترة انتشار جائحة كورونا العام المنصرم وحتى هذه الموجة الجديدة فإن أعداد المصابين بالفيروس كبيرة".
بين الحين والآخر يقع انفجار في عفرين تقول فريدة محمد إن "عمليات التفجير التي تقع في المنطقة مع احتلال تركيا لعفرين تفتعل بيد المجموعات المرتزقة نفسها ويتعمدون وقوعها بين بعضهم البعض تصفيةً للحسابات فيما بينهم، وفي الوقت ذاته يسعون من خلالها لاتهام وحدات حماية الشعب لتشويه صورتهم".
وحول طمس تركيا للهوية الكردية في عفرين أشارت فريدة محمد "يسعون لطمس وإبادة الهوية الكردية فبممارساتهم وضغوطاتهم على المدنيين الكرد في المنطقة يريدون أن يكون الكرد عبيداً لهم وطاعةً لأوامراهم مهما كانت ومن يفعل العكس أو يرفض هذا النوع من القمع يتعرض لمضايقات، واختطاف، وفدية وضرائب لحين تهجيره أو قتله".
وبينت أن المرتزقة يزرعون التفرقة والكراهية بين مكونات المنطقة من خلال توزيع المعونات والمساعدات القادمة من المنظمات على المستوطنين القادمين من مناطق سوريا المختلفة، "يعطون الحصص فقط للذين يدعمون قمعهم وممارساتهم بحق شعوب المنطقة أما أهالي عفرين فحصتهم فقط الانتهاكات والممارسات اللاإنسانية والغير أخلاقية". 
وتطرقت فريدة محمد في حديثها إلى وضع المرأة في عفرين "وضع المرأة في عفرين عموماً وفي ناحية شيه على وجه الخصوص لا يمكن وصفه فالحياة صعبة ومقيتة. تواجهه النساء عمليات اختطاف، وتعذيب واغتصاب والزواج بالإكراه فأي فتاة نالت إعجاب المرتزقة تؤخذ رغماً عنها وعن عائلتها، وإن فكر الأهل بالدفاع عن ابنتهم أو الرفض يضعون السلاح على رأسهم ويهددونهم بالقتل". 
وفي واقعة حدثت مع عائلة تعيش في الشارع الذي يقع فيه منزل فريدة محمد اختطف المرتزقة امرأة متزوجة لديها طفلان "جاءت سيارة تابعة للمجموعات المرتزقة أمام دارهم وهي أم لطفلان وزوجها يعمل في تركيا اختطفوها بعد وضع السلاح على رأس والدة زوجها وحتى الآن مصيرها مجهول". 
وتستمر فريدة محمد باستذكار العديد من الحوادث التي كانت شاهدة عليها "ذبحوا شاب وسط منزله بعدما اتهموه بالتعامل مع الإدارة الذاتية الديمقراطية، وقتلوا امرأة لسرقة أساورها الذهبية بعد أن وجدوا صعوبة في نزعها من معصميها"، وأضافت "ارتداء المصوغات الذهبية أمراً في غاية الصعوبة فوضع خاتم يشكل خطر على حياة النساء فيصبحن عرضة للاختطاف أو القتل".  
وتكمل "بتهمة التعامل مع الإدارة الذاتية الديمقراطية اختطفوا أبني وسجن لمدةٍ طويلة وتعرض خلال هذه المدة لابشع أنواع الظلم والتعذيب كانوا يربطون يديه بشدة باستخدام أسلاكٍ رفيعة من نحاس كادت أن تقطعهما، وملامح وجهه تفسر مدى العنف الممارس بحقه من علامات زرقاء وسوداء على كامل جسده، وخرج بعد أن دفعنا فدية كبيرة للمجموعات المرتزقة". 
وحول الوضع المعيشي في عفرين فإنه أسوأ من أي مكان عرفته فريدة محمد كما تقول "لولا أبنائي المهاجرين في أوروبا لم أكن لأتمكن من الحصول على لقمة خبز فلا مكان للمهن والعمل في عفرين جراء الظلم والضرائب التي يفرضها المرتزقة على أصحاب المحلات فينهبون أموالهم ومردودهم من العمل". 
وعن سؤالها عن الخدمات الصحية إن وجدت في عفرين المحتلة قالت "الأهالي يخشون التوجه صوب المشافي أو النقاط الطبية في عفرين للمعالجة بسبب عمليات القتل المتعمد المنتشر في المشفى وسرقة الأعضاء البشرية حيث أن أحد أقربائنا إصيب بجروحٍ طفيفة بيده فتوجه للمشفى إلا أنهم نقلوه لمشفى في تركيا ليعود في اليوم التالي جنازة لذويه وبات معروفاً أن كل من يدخل المشفى مصيره الموت مهما كان مرضه وحالته". 
ليس فقط في المشافي يتم القتل بل أيضاً تسفر عمليات الاختطاف في الغالب عن فقدان الشخص لحياته "يطالبون ذوي المختطفين بمبالغ مالية كبيرة للإفراج عنهم وبعد أخذ المال يسلمون المخطوفين جثثاً هامدة لعائلاتهم، وعندما يجدون أربعة أو خمسة من أشخاص مجتمعين في الشارع يتهمونهم بالخلايا النائمة وعلى هذا الأساس يخشى الأهالي من التجمعات".  
وأكدت أن "الوضع في عفرين لا يطاق كنا غرباء على أرضنا، كاميرات المراقبة تملأ الشوارع وساحات عفرين، الكثير من أجهزة الموبايل تم سلبها بتهمة أنهم يتحدثون مع أهالي عفرين المهجرين في الشهباء ولهذا منع استخدام الخطوط السورية في عفرين ويجب أن تكون جميع الخطوط تركية ليستطيعوا مراقبة أحاديثنا".
بعبارةٍ رددتها ثلاث مرات متتالية قالت "لا تعودوا إلى عفرين وهي محتلة بيد تركيا. إن الأطراف التي تنشر ادعاءات ومنشورات كاذبة بالقول إن عفرين تشهد الأمان والاستقرار وتطالب المهجرين في الشهباء بالعودة إليها تريد سرقة المزيد من مال وممتلكات أهالي عفرين عن طريق ابتزازهم وفرض الضرائب عليه".