كيف غيرت الحملات التوعوية من واقع النساء بصعيد مصر

النساء في صعيد مصر تعانين من مختلف أشكال التمييز الناتج عن نوعهن الاجتماعي بفعل الموروثات الثقافية هناك، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت توجيه أكبر للحملات التوعوية هناك، وهو الأمر الذي غير كثيراً في واقع النساء.

أسماء فتحي

القاهرة ـ الفتيات القاطنات في صعيد مصر والباحثات عن هامش عادل للحرية في الاختيار والتقرير للذات محاربات في وسط تسوده ثقافة ذكورية متجذرة وشديدة التعقيد لكونها تتعلق بالموروثات المنقولة عبر الأجيال، ووجهت المؤسسات النسوية جانب ليس بالقليل من جهدها للبناء في وعي الأفراد وتغيير الجوانب السلبية المرتبطة بالنساء في محاولة لفتح مجال لهن سواء في العمل أو التعليم وأيضاً التواجد السياسي في مراكز صنع القرار المختلفة.

على مدار سنوات طويلة سعت النساء للتحرر من خلال التعلم واكتساب المعرفة وبعضهن اتجه للتمكين الاقتصادي باعتباره أحد أهم دعائم القدرة على التقرير للذات والتحرر من القيود المجتمعية، إلا أن الأمر مازال فيه الكثير من التحديات وبحاجة لأدوات مبتكرة كي يؤتي بثماره فعلياً وبالتالي مازال هناك جهد ووقت لمعالجة تلك العقبات وفتح الآفاق للنساء في مختلف المجالات.

 

الماضي كان أكثر تعقيداً لمحدودية المجالات التي تجمع بين الجنسين

قالت عضوة مبادرة سند للدعم القانوني للنساء مارتينا حامد، التي تعيش في ملوي بمحافظة المنيا، إنها عملت على نقد الواقع بالصعيد منذ نحو 15 عام، في صغرها لكونه قاهر إلى حد كبير للنساء ويحجم من تواجدهن وتأثيرهن بفعل عاداته وتقاليده المتجذرة في عقول أفراده.

وأوضحت أن الواقع بالصعيد كان معقد لدرجة أن نقاط التلاقي مع الرجال كانت محدود للغاية ولا يسمح لهن بارتياد المقاهي لوجود الرجال بها وأن الأمر كان مقتصراً على النوادي الاجتماعية فقط، والسياقات التي تجمع الجنسين كانت محدودة للغاية.

ولفتت إلى أن هناك العديد من الألفاظ ومنها "التحرش" لم يكن في الإمكان تداولها كما يحدث خلال الوقت الراهن، مؤكدة أن الوضع تغير لدرجة كبيرة فهناك بلاغات ضد التحرش حررتها نساء في محافظة المنيا، وأيضاً اختلف تأثيرهن وتواجدهن في المجال الخاص والعام وبات هناك مناخ يقبل بوجود النساء أكثر من ذي قبل.

 

تحدي كبير وعمل يتم تتويجه بمساحات أكبر للنساء

للنساء دور كبير في تغيير الواقع بمحافظات الصعيد المختلفة على حد تقدير مارتينا حامد، التي أوضحت أن هناك ضريبة دفعتها العاملات على كسر القوالب النمطية التي يحصر المجتمع المرأة بها من وصم وتشهير وغير ذلك، إلا أن جميعها ساهمت في تحسين الواقع والتحرر النسبي من قبضة وسلطوية العادات الموروثة.

وبينت أن الوضع اختلف كثيراً وأن هناك نتائج ملموسة تحققت على أرض الواقع من جراء العمل الدؤوب للمؤسسات والمبادرات النسوية على مدى طويل ومتراكم، لافتة إلى أن العمل على القضايا التقليدية كتشويه الأعضاء التناسلية للإناث وتزويج القاصرات لم تظهر نتائجه حتى الآن بشكل ملموس، بينما العمل الذي يتم توجيهه خارج الصندوق أتى بثمار حقيقية وكان له دور كبير في التغيير ومنها عمل النساء وتحركاتهن ومطالبهن واختياراتهن الشخصية.

 

من واقع التجربة... التحرر من السلطة الأبوية يحتاج لعمل وكفاح دؤوب

وأوضحت مارتينا حامد أنها ومنذ صغرها تعمل من أجل تغيير الواقع رافضة حرمانها من أبسط الحقوق ومنها القدرة على ارتياد قصر الثقافة للاندماج في جلسات تثقيفية بسبب وجود رجال وذلك أمر مرفوض اجتماعياً.

وقالت "واجهت واقعي بشكل صارخ لكوني كنت على يقين بضرورة تغييره وكنت متحمسة فكنت أرى في ذاتي فتاة قوية يمكنها التأثير وإحداث التغيير الحقيقي"، مشيرة إلى أنه مع الوقت ازداد وعيها وقدرتها على الفهم المنطقي لفكرة التغيير خاصة إن كانت متعلقة بالثقافة العامة والمتجذرة لارتباطها بالموروثات الاجتماعية.

وأكدت أنها بعد فترة أدركت أن التغيير يأتي بالتدريج والاندماج وتكوين الدوائر المترابطة التي تجمع النساء الحاملات لذات المطالب أو الأحلام أو حتى الأفكار من أجل التأثير الحقيقي على واقعهن وتغييره.

وتمكنت مارتينا حامد، من تغيير واقعها وباتت الآن فتاة مستقلة تعمل وتسافر ويمكنها اتخاذ القرار المناسب، وبعد معركتها لتغيير واقعها أصبحت الآن تعمل من أجل غيرها من النساء لتتمكن من العيش في مناخ أكثر حرية وتلبية لاحتياجاتهن.

 

احتياجات النساء في الصعيد اختلفت كثيراً

 مازال هناك من ينظر إلى الصعيد بعيون الماضي رغم الاختلاف الكبير الذي طرأ عليه كأحد منتجات تغير وعي أفراده وبالتالي نظرتهم للأشياء وكذلك الاحتياجات تغيرت وتحتاج لتلبيتها بأدوات مبتكرة وأكثر فاعلية.

وترى مارتينا حامد، أن عدد كبير من النساء الآن تمتلكن الوعي ولكنهن بحاجة لفرص حقيقية خاصة لمن بتن مؤمنات بحق المرأة في الحياة العادلة الخالية من التمييز والعنف فقد أصبحن أكثر احتياجاً لفرص ودعم من أجل بناء قواعد تساعدهن في تنفيذ مطالبهن والحصول على حقوقهن.

وأكدت أن تعدد النماذج الناجحة في المجتمع يؤثر في أفكار الأسر ويجعلهن مع الوقت يقبلن بتحرك فتياتهن وخروجهن للعمل والتعلم وغير ذلك وهو أمر يحتاج لإعادة نظر وتقديم الدعم المناسب للراغبات في النجاح والتحقق.