خلال الأزمات والحروب... النساء طوق نجاة لبعضهن وللآخرين
بالرغم مما تتعرض له النساء السودانيات من انتهاكات منذ أحداث الخامس عشر من نيسان/أبريل من العام الماضي، إلا أنهن لم يدخرن جهداً في البحث عن سبل للنجاة لهن ولأسرهن وللنساء الأخريات.
ميساء القاضي
السودان ـ جسدت السودانيات مثالاً في الصمود والتحدي خلال الحرب التي تدور رحاها في بلادهن منذ ما يقارب عام ونصف، وتدفعن ثمنها باهظاً كل يوم، لكن عزيمتهن لم تلين في البحث المستمر عن سبل للنجاة.
وصفت الصحفية تاية بدر الدين المهتمة بأوضاع النساء، حراك ونشاط السودانيات ومسلكهن من أجل إنقاذ بعضهن وإنقاذ أسرهن بـ "المقاومة"، مضيفةً "قابلت فتيات في العشرين من عمرهن تقمن بإعالة أسرهن، فالمرأة لا تتوقف مساعدتها على أسرتها فقط، بل تمتد إلى عوائل أخرى في مناطق النزوح والمعسكرات، فهذا أمر طبيعي عند النساء وفطري".
وقالت إن مقاومة السودانيات زادت بعد الحرب التي اندلعت منتصف نيسان/أبريل العام الماضي، لكنها كانت موجودة بالأساس منذ عهد قديم ضد الذهنية الذكورية "زادت مقاومة السودانيات لكونهن تم حكمهن حكماً شمولياً لفترة ثلاثين عاماً وقد كان حكماً كارهاً للنساء ضد حرية المرأة وتطورها وتعلمها. بعد الحرب امتدت المقاومة لتشمل أصعدة أخرى فعبء مقاومة الذهنية الذكورية كان موجوداً بالأساس والحرب نفسها صورة من صور الذكورية".
وأوضحت أن معاناة النساء أيضاً مستمرة لكنهن انتفضن ونظرن إلى المستقبل وطرحن تساؤلات حوله من دون أن تنظرن لمعاناتهن "عانت النازحات من نقص الاحتياجات الأساسية في معسكرات النزوح، وارتكب بحقهن العديد من الانتهاكات واستخدم ضدهن سلاح الاغتصاب بصورة كبيرة حتى أكبر من الأرقام الرسمية التي نسمع عنها، لأن الأسر عادةً لا تبلغ السلطات عن حالة اغتصاب تعرضت لها ابنتها أو امرأة تنتمي إليها".
وأشارت إلى أن النساء كن دوماً في خطر محدق أثناء تجربة النزوح الأولى "أتذكر تجربتي الشخصية فقد كانت أسرتي خائفة من أن يتم اغتصاب الفتيات أو يتعرضن لانتهاكات جسدية لأن هذا هو السلاح الشائع في حرب السودان وهو أول ما تفعله قوات الدعم السريع وليس قوات ترتدي زي الدعم السريع كما يقول البعض".
وأكدت الصحفية تاية بدر الدين، أن السودانيات ستعدن إلى بلادهن "معاناة النزوح التي عاشتها السودانيات صقلتهن، لذلك ستمتلكن أدوات مقاومة جديدة أعتقد أنه إذا لم يتم تحجيمهن بشكل منهجي ستسطرن التاريخ وتعدن بناء بلادهن"، متمنية أن تعود إلى السودان وتنهض ببلدها، مشيدة بنضال النساء وقوتهن ومقاومتهن رغم المآسي والمخاطر التي يمكن أن تحدث والتي تحدث لهن حالياً في مكان.
وقالت الناشطة النسوية عهد محمد إن النساء تم طردهن بفعل الحرب خارج شبكاتهن وروابطهن الاجتماعية على مستوى قراهن ومدنهن وتم تشريدهن "هذا التشريد وضع النساء في أوضاع هشة من حيث الأمان ومن حيث تعرضهن لأسوأ الانتهاكات مثل اللاجئة التي كانت في إثيوبيا وتم الاعتداء عليها من قبل العائلة التي كانت تقيم معها".
وأضافت "النساء غير قادرات على الحصول على الرعاية الصحية الأولية، حيث أن هناك شح في الأدوية وانتشار فقر الدورة الشهرية، وظاهرة تزويج القاصرات، فالأسر أصبحت تختار أن تزوج بناتها اللواتي لم تصلن سن الثامنة عشر للحصول على المال الذي يساعدهم على العيش في ظل هذه الأزمات، فالنساء هن الأكثر تأثراً بالحروب".
وتحدثت عهد محمد عن تضافر الجهود من قبل السودانيات في مختلف أنحاء العالم لمساعدة النساء في مناطق الحرب وفي دور الإيواء ومعسكرات النزوح "هناك العديد من الاحتياجات قامت النساء بتوفيرها لبعضهن ومساعدة بعضهن البعض في الحصول عليها من خلال مبادرات عديدة قمن بها مثل مبادرة (مليون فوطة سلام)، وكان هناك شبكات تنظيمية ساعدت أن تصل النساء اللواتي تتعرضن لانتهاكات في الحصول على إجراءات آمنة بعد الانتهاكات التي ارتكبت بحقهن، كما تعملن على توثيق الانتهاكات والكتابة عما يحدث للسودانيات، فيما عملت نساء أخريات على تمكين النازحات اقتصادياً".
وأوضحت أن النساء بسبب حرب الخامس عشر من نيسان/أبريل العام الماضي، وقع على عاتقهن مسؤوليات كبيرة "ساهمت الفتيات والنساء في إخراج عوائلهن من مناطق الحرب، كما قامت أخريات بأعمال مختلفة من أجل إعالة أسرهن، وكن حريصات على إخراج الأسر من الأزمات وإطعامها وإنقاذ أناس آخرين في ظل الظروف الصعبة هذه كلها".
وشددت عهد محمد على ضرورة إيقاف الانتهاكات التي ترتكب بحق النساء من جميع الأطراف "نحتاج لإيقاف الحرب ونتذكر أن النساء كن الأكثر عرضة للأذى لذلك الإصلاح يبدأ منهن"، مطالبة منظمات المجتمع المدني بالاهتمام أكثر بأوضاع النساء في البلاد.
من جانبها قالت سهاد محمد هاشم الناشطة الحقوقية والنسوية إنه بعد عام ونصف من النزاع في السودان زادت الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على النساء بشكل كبير "تحتم علينا الانتهاكات التي تتعرض لها النساء أن نعمل من أجلهن، ويمكن أن تتمثل أدوارنا في إظهار التضامن النسوي عن طريق تسليط الضوء على أوضاع النساء بالإضافة إلى توثيق هذه الانتهاكات حتى نستطيع التعامل معها، بالإضافة إلى تحديد احتياجات النساء، ومن وجهة نظرهن كنساء نحاول أن نوفر لهن كل ما نستطيع من دعم اجتماعي ونفسي واحتياجاتهن الأساسية".
وعن مرحلة ما بعد انتهاء النزاع قالت "يجب أن نحسن أوضاع النساء من حيث الحقوق وتوفير الأمان عن طريق دعم مشاركتهن في صنع السلام وبالتالي ضمان مشاركتهن في المستقبل السياسي، بالإضافة لتعزيز حماية النساء من العنف الواقع عليهن والتركيز على قضاياهن".
سمية موسى آدم الناشطة النسوية والباحثة المجتمعية المهتمة بقضايا السلام، أوضحت أنه بعد عام ونصف من النزاع رغم محاولات النساء لتجاوز المحن إلا أن الانتهاكات زادت كما زاد شح الموارد والخدمات "يجب علينا كنساء أن نناصر قضايا المرأة بشكل عام، فالنزاعات الحالية تقام على أجساد النساء، ويجب ألا ننتظر حتى انتهاء النزاع فالنساء حالياً تعملن في كل المجالات وتحاولن بكل السبل مساعدة بعضهن ومناصرة قضاياهن سواء كن مزارعات أو عاملات في غرف الطوارئ والنساء في الخطوط الأمامية للأزمة والطبيبات والصيدلانيات والمحاميات من كافة التخصصات تعملن من أجل مناصرة قضايا النساء، نفس هذا الحراك المدني يكون متواصل لكن يحتاج إلى جهود أكبر في المرحلة المقبلة".