هرباً من براثن البطالة... صاحبات الشهادات العليا تمتهن الحِرف

لا يختلف اثنان في تونس حول ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجات الجامعات وطول مدتها، الأمر الذي دفع بالكثير منهن إلى امتهان حِرف تساعدهن على تحقيق اكتفائهن الذاتي.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ خريجات الجامعات في تونس تواجهن شبح البطالة، فلجأن للعمل في مهن بعيدة تماماً عن مجالات اختصاصاتهن، في سبيل تحقيق اكتفائهن الذاتي وإثبات قدرتهن بغض النظر عن مجال اختصاصاتهن.

نظراً لعدم تلاؤمها مع سوق العمل واحتياجاته، توجهت خريجات الجامعات في تونس من اختصاصات مختلفة نحو تحويل وتثمين المنتجات الفلاحية التي تشتهر بها المناطق التي تعشن فيها، لتصبحن حرفيات قادرات على التسويق الداخلي وتتطلعن للتسويق الخارجي، وعلى هامش ورشة اختتام مشروع مبادرات تنموية محلية لإدماج النساء في الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي نظمها مركز "كوثر" في 18 نيسان/أبريل الجاري، وكانت من بين المشاركات حليمة شيحاوي حرفية من مدينة توزر حاصلة على إجازة تطبيقية في التصميم وفن الديكور منذ 15 عاماً، وتقول "فكرة إطلاق مشروع خاص بيّ راودتني منذ أن انهيت دراستي، وبدأت بتلقي تدريبات ثم شاركت في أنشطة أطلقتها جمعيات المجتمع المدني وتعرفت على الكثير من الأشخاص وبات لديّ شبكة من العلاقات، فقلت في نفسي لم لا افتتح مشروعاً صغيراً واعمل فيه بدلاً من البقاء مكتوفة الأيدي واشتكي من البطالة؟"

وأضافت "قمت في عام 2014 بإطلاق مشروع تثمين مخرجات النخيل كمنتوج فلاحي تشتهر به المنطقة، أردت من خلاله القيام بشيء مختلف عما هو شائع، كون الجميع يستخدمون الخشب والسعف فاتجهت إلى الاستفادة من بقايا ما يستعملونه من أشجار النخيل لصنع الكراسي وغيرها، حيث قررت أن أصنع منها أشياء أخرى كالتحف وأدوات المطبخ وحملات المفاتيح وغيرها".

ولفتت إلى أن "شجرة النخيل لها العديد من الفوائد، لذلك يمكن استخدام أي جزء منها، لذلك أردت من خلالها أن انضوي تحت مجال الاقتصاد الأخضر أو الدائري واستفيد من بقايا ما ينتج عن استخدامها خاصة تلك الناتجة عن صناعة الأقفاف يكون لديهم الكثير من بقايا النخيل لصنع أشياء جميلة وبسيطة".

وأكدت أنها تلقت تدريبات كافية مكنتها من تطوير مهاراتها في هذه الحرفة، من خلال جمعيات منها جمعية المرأة الواحية ومركز كوثر ووكالة التعاون الألماني، واستخدمت خلال الفترة الأولى أدوات عمل بسيطة لكن مستقبلاً سوف يقدم لها مركز كوثر معدات أفضل لتطوير عملها، كما أنها افتتحت ورشة صغيرة استعانت في مراحلها الأولى بشابتين بعقود عمل تنضوي تحت برامج المبادرة، مضيفةً إلى أنها "حالياً اطمح إلى المشاركة في المعارض على مستوى وطني وخارجي للتعريف بأعمالي".

وعن الرسالة التي تتوجه بها إلى خريجات الجامعات اللاتي تعانين من البطالة منذ سنوات طويلة وانتظار الوظيفة قالت "الوظيفة لم تعد طموحاً والدراسة والشهادة العلمية هي سلاح، لكن لا يجب أن يكون العمل مرتبطاً بها أو متوقفاً عليها خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي نعانيها، والدراسة إثبات وجود والعمل في أي مجال إثبات للذات وتحقيق للاستقلالية المالية، كما يمكن للعمل الحرفي أن يكون مورد رزق لأشخاص آخرين تتم الاستعانة بهم".

 

 

من جانبها قالت منية البادي من منطقة الرقاب "تدريبي الأكاديمي كان في مجال التجارة الدولية والاقتصاد اللامادي، فقد تخرجت من الجامعة سنة 2009 وخلال دراستي كنت أحلم أن أكون موظفة في بنك أو معيدة في الجامعة، لم أكن أتخيل يوماً أن أكون صاحبة حرفة وأحضر منتجات فلاحية كهذه، لكن البطالة جعل ذلك واقعاً لذلك قررت ألا أقف في مكان معين لذلك تلقيت تدريبات أخرى في مجال آخر وعندما وجدت عرضاً على صفحة جمعية نبض الحياة بإمكانيات توفر تدريب ومساعدات على إطلاق مشروع انخرطت فيه، يعتمد على تجفيف المنتجات الفلاحية التي تشتهر بها منطقتي".

وأوضحت أن ذلك لم يكن سهل كونها أم لطفلين وزوجها يعمل خارج البلاد، وكانت طيلة فترة التدريب تتركهما في المدرسة وتتجه نحو مدينة سيدي بوزيد لتلقي التدريبات للحصول على شهادة الكفاءة المهنية في تثمين وتحويل المنتجات الفلاحية، مضيفة "قمت بتحويل نبات إكليل الجبل وتحضير مربى التين الشوكي الأحمر وتجفيف البصل والثوم والبرتقال"، مشيرةً إلى أنها تمكنت مع شريكتها في المشروع انتصار عكروتي من افتتاح محلين لبيع المنتجات وتطمح إلى العالمية خاصة وأن زوجها يعمل بالكوت ديفوار حيث يوجد طلب كبير على منتجاتها.

 

 

كما قالت نهى عكروتي رئيسة جمعية نبض الحياة "الجمعية تهدف إلى تعزيز وعي المرأة وتأصيل هويتها ودعمها في جميع المجالات، ومن هذا المنطلق كنا طرفاً شريكاً في المشروع ورافقت عشر نساء تم توفير فرص عمل لهن، كما كان لنا دور في دعم فكرة أو ثقافة الريادة النسوية بالمناطق الداخلية منها الرقاب كمنطقة فلاحية بامتياز تشتهر بمنتجات متنوعة والنساء فيها تتصفن بالعزيمة والحرفية ولديهن عادات وتقاليد يمكن تثمينها، ومن هنا جاءت فكرة تثمين المنتجات الفلاحية بإيادي حرائر الرقاب وصناعة منتجات طبيعية".

وحول التحديات التي واجهتها الجمعية قالت "كأعضاء يجب أن نتحلى بالصبر وحب العطاء ثم العطاء فليس من السهل أن تنخرط في مشروع وتلتزم بتنفيذه، لقد وصل بنا الحد إلى العمل حتى الساعة الثالثة صباحاً لمساعدة المنتفعات على تنفيذ مخطط العمل، حيث حاولنا تذليل الصعوبات وحل مشاكلهن لنكون لهن خير وسيط مع شركائنا".

ولفتت نهى عكروتي إلى أنه من الصعب إخراج النساء اللواتي تعشن في المناطق الداخلية من القوقعة التي تقبعن فيها، حيث تخنعن دائماً للسلطة الأبوية وسلطة الزوج "نحن نسعى لتعزيز مكانة المرأة وتشجيعها على تخطي ذلك الواقع وتحقيق طموحاتها واستقلالها المادي"، مؤكدةً على أن المرأة في هذه المناطق تعاني صعوبات في تخطي الحيز الذي وضع فيه ومواجهة أسرتها من زوج وأبناء وأب وأخ، بالإضافة لصعوبات التنقل للوصول إلى مراكز التدريب وعدم وجود دور تتكفل بأطفالها لحين انتهاء عملها أو دراستها، إلى جانب هشاشة العمل وتعرضها للعنف والاضطهاد.