في سن الخامسة شهدت مجزرة راح ضحيتها 5 آلاف شخص
حدثت مجزرة حلبجة في فترة الحرب بين إيران والعراق عندما وصلت حالة الحرب إلى مرحلة تدهور فيها الوضع في العراق
ذكرت رنكين سلام محمود والتي كانت تبلغ من العمر 5 سنوات عندما نجت من الإبادة الجماعية في حلبجة، أن حقيقة مجزرة حلبجة تُظهر تاريخ سياسات الإبادة ضد الشعب الكردي بوضوح.
بيريتان زنار
حلبجة - حدثت مجزرة حلبجة في فترة الحرب بين إيران والعراق عندما وصلت حالة الحرب إلى مرحلة تدهور فيها الوضع في العراق. وكالعادة، كانت أرض كردستان هي ساحة المعركة بين الدول القومية في المنطقة. وفي تاريخ 16 آذار/مارس عام 1988 وبأمر من الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين قُصفت حلبجة بالغازات السامة ووقعت المجزرة. ونتيجة لهذه المجزرة فقد أكثر من 5 آلاف كردي حياتهم، وأصيب عشرات الآلاف، وظهرت أمراض مختلفة بسبب الغازات السامة. مجزرة حلبجة المعروفة باسم "هيروشيما الشرق الأوسط" ألم وجرح كبير في تاريخ الشعب الكردي، وما زال ألم هذه المجزرة حياً حتى بعد 33 عاماً. رنكين سلام محمود أحد الشهود على مجزرة حلبجة وكانت تبلغ من العمر 5 سنوات أثناء الإبادة الجماعية، تحدثت لوكالتنا وسردت اللحظات التي شهدتها بعيون طفولتها.
"لم أكن أعرف ما هو الكيماوي حتى كبرت"
وصفت رنكين سلام محمود تلك الفترة بالقول "كنت في الخامسة من عمري عندما قُصفت حلبجة. بقيت الكثير من الأحداث السيئة التي وقعت ذلك اليوم في ذاكرتي. فعندما تقرر خروج الجميع ومغادرتهم لحلبجة كان منزلنا في مجمع عنب، توجهت عائلتنا إلى قرية حاور ووصلنا إليها سيراً على الأقدام. بقيت معظم الأشياء السيئة في ذهني. مثل؛ طفلة لا تستطيع المشي ولا يأتي أحد لمساعدتها، والشيء الأكثر سوءً هو أنها لا تعرف حتى لماذا تغادر، ولا تعرف ما هي هذه الحالة التي تعيش فيها. أخبرتني والدتي أنه 'عندما ولدتي حديثاً تعرضت حلبجة للقصف'، ذهبت العائلة إلى قرية إبابيل. قرية إبابيل هي إحدى تلك القرى التي يتوجه الجميع إليها في كل مرة يتم فيها قصف حلبجة. قالت والدتي 'ذات مرة تركتك في تلك القرية على أحد القبور، وبعد فترة تذكرت أنني نسيتك هناك'. كان هذا يوم من حياتنا في حلبجة. كان الناس جميعاً منشغلون بإنقاذ أرواحهم. وفي أحد الأماكن كان يوجد جدول ماء، ولكي يعبر كبار السن والأطفال، تم حملنا على الظهور والأكتاف وإنقاذنا. من أنقذنا كانوا بضعة أشخاص. في ذلك الوقت، تم إيلاء الكثير من الاهتمام لقطع القماش المبللة واللبن. كانت هذه المنتجات وسيلة للخلاص من تأثير الكيماوي. لم أكن أعرف ما هو الكيماوي حتى كبرت".
"على الرغم من هذا الوضع الصعب أشعل المواطنون نار نوروز"
بينت رنكين سلام محمود إنه في تلك الفترة وعلى الرغم من الآلام الكبيرة، أشعل الناس نار نوروز "أتذكر ذات مرة ذهبنا إلى شيخان في الجانب الإيراني. وعلى الرغم من هذا الوضع الصعب، أشعل الناس نار نوروز. هربنا إلى بلد آخر، ولكن أشعلت نار نوروز كرمز للحياة الجديدة هناك. كان هناك نار نوروز، لكني لا أتذكر ما إذا كنا قد أعددنا أنفسنا لنوروز أم لا. ذهبنا إلى إيران واستقرت عائلتي في مخيم سونخور. عندما ذهبنا إلى مجمع سونخور رحب بنا الناس وقدموا لنا الطعام والشاي. تم نصب خيمة لكل أسرة واستقرينا تحتها. الكيماوي قد ترك تأثيراً كبيراً على جدي، فكان يطلب دائماً المساعدة ويريد أشياء باردة. في عام 1989 ذهبنا إلى السليمانية بسبب القصف وتوفي جدي هناك. كان هناك شيء آخر مثير للاهتمام هو أننا نحن الأطفال لم نكن قد تعودنا على الاستحمام جميعنا معاً في مكان واحد، لذا كانت والدتي تحممنا دائماً على عجل للعودة إلى المخيم بسرعة. كانوا يعملون دائماً من أجل تأمين الطعام لنا. لم نكن نستطيع تلبية احتياجاتنا. في عام 1989 ذهبنا إلى السليمانية لفترة قصيرة من أجل الانتقال إلى مخيم جديد. مكثنا فترة في مدينة أربط، ثم استقرينا في حلبجة الجديدة، وفي التسعينيات عدنا وعاد جميع الناس إلى حلبجة المكان الذي فررنا منه. بدأنا الحياة من الصفر حتى عام 1991".
حدثت هجمات أخرى في سنوات مختلفة
أوضحت رنكين سلام محمود أن الهجمات على المنطقة استمرت في سنوات مختلفة، "لا أتذكر أنني لعبت في تلك الفترة، وحتى التسعينيات لم نتمكن من اللعب كأطفال. في الواقع لم يكن لدينا ألعاب. الآن أنظر كشخص بالغ إلى هذه الجريمة ومستواها الهائل وأفهمها، فقد كانت تلك فترة قصف قُتل فيها الكثير من الناس ومضت بالنسبة لنا نحن الأطفال؛ ولكن الآن أفهم الكارثة والوضع بشكل أفضل. فروح شخص واحد ثمينة للغاية، فكيف إذا كانت روح 5 آلاف و10 آلاف شخص. كما أن نسبة كبيرة من الجرحى لم يشفوا بعد. فألم حلبجة لا يمكن مقارنته بأي ألم آخر. لقد ارتكبت إبادة جماعية ضد حلبجة، تم ارتكاب أكبر جريمة في عام 1988. تعرضت حلبجة للقصف عام 1974، ومرة أخرى في عام 1987، كما وقع انفجار كبير في حي كانيشكان أدى إلى مقتل العديد من الأشخاص. وفي عام 1988 أيضاً وبنفس الطريقة ارتكبت جريمة ضد الإنسانية. لم نتمكن من تعريف هذه الجرائم، وحتى في البرامج التعليمية نادراً ما يتم تناول هذه المسألة. لم نتمكن مثل البلدان الأخرى من إظهار هذا الوضع والتعلم منه. على العكس من ذلك، تعرضنا إلى أحداث أخرى مختلفة".
"هناك 63 مقبرة جماعية، لكن لم تظهر سوى 39 مقبرة فقط"
أشارت رنكين سلام محمود إلى أنه على الرغم من الآلام التي عانى منها الأهالي، إلا أن الحكومة المحلية لم تلتفت ولم تعطي أي أهمية إلى هذه القضية، "على الرغم من الأحداث الكثيرة التي جرت لهذه المدينة وأهلها، فإننا نرى اليوم أنه لم يتم القيام بما هو ضروري وما تستحقه هذه المدينة. فلا يوجد حتى الآن قاعة لإحياء الذكرى الرابعة والثلاثين لشهداء قصف حلبجة. هناك قدر كبير من الظلم. وحتى الآن لم يتم إيجاد حل للجرحى الذين مازالوا بحاجة إلى العلاج، لذا يهاجر الناس من المدينة. الآلاف من الشابات والشباب الحاصلين على تعليم جامعي في هذه المدينة عاطلون عن العمل. كان بإمكان الحكومة أثناء مدة 34 عاماً أن تفي كل عام في ذكرى مجزرة حلبجة بوعد واحد من الوعود التي قطعتها. بالنسبة لي كطفلة شاهدة على تلك الحادثة وعانيت منها، لو قدمت خدمة جيدة كنت سأنسى ألم ومعاناة الكيماوي، ولكن لأنه لم يتم تقديم أي شيء، مازالت المعاناة والألم مستمران. لم ينفذ أي عمل ولم تقدم أي خدمة لتهدئة الناس وإسعادهم. وبحسب آخر المعلومات هناك 63 مقبرة جماعية في حلبجة. لكن وزارة الشهداء سجلت ووثقت وجود 39 مقبرة جماعية. يجب إنشاء نظام يعرف كل شخص في حلبجة وحولها بمكان المقابر الجماعية. بالنسبة للكثير من الناس قد لا تكون هناك قيمة للمقابر الجماعية، لكن هذا تاريخ، ولا يجوز تجاهله. إذا لم تهتم السلطات بهذا الموضوع، فعلى أهالي حلبجة وجميع الضحايا الكرد الاهتمام بهذه القضية".
"يجب خلق شعور بالهوية الوطنية لدى كل كردي"
لفتت رنكين سلام محمود إلى أن هناك حاجة لشعور وطني للتغلب على الآلام التي عانوا منها، "عدم تقدير كل شيء أدى إلى إضعاف واختفاء الشعور بالقومية الكردية والوحدة بين الكرد. في التسعينيات، عندما كانت تقام مراسم تأبين لضحايا حلبجة في إحدى السهول، يتجمع حشد كبير من الناس حول النصب التذكاري ويشاركون في المراسم. كان هناك شعور خاص بحلبجة في ذلك الوقت. كان المواطنون يبقون من الصباح حتى المساء في مقبرة شهداء حلبجة. لكن الآن وللأسف لم يبقى هناك من يأتي ويجتمع حول الشهداء ولم يبقى هناك أمل للاحتفاظ بذكرى هؤلاء الشهداء. فأهالي حلبجة أنفسهم لا يمكثون في المدينة في يوم 16 آذار/مارس ويقولون لا نستطيع الاستماع إلى حديث مسؤولين يذهبون ولا يفون بوعودهم. لقد وعدونا بأشياء كثيرة ولم يتم الوفاء بواحد منها، الأمر الذي لم يترك أملاً أو ثقة لدى الناس. معظم الناس في حلبجة لا يذهبون للمشاركة في أنشطة وفعاليات 16 آذار/مارس. هذا الأمر أيضاً مدبر ويتم القيام به عمداً من قبل البعض. حيث تعمل الحكومة على عدم تقدير وعدم الاهتمام بهذه الذكرى. استذكار حلبجة مستمر في شنكال وروج آفا بشمال وشرق سوريا. لكن الحكومة هنا لم تترك أي أمل لإحياء الذكرى ولم تعطها أي قيمة أو تقدير. أما أولئك الذين يشاركون بمراسم الاستذكار هم فقط السكان المحليين الأصليين وأقاربهم، ويقومون بالمراسم بأنفسهم. الآن هناك جيل يائس. جميع القضايا الوطنية متروكة للحكومة والمشاريع الحكومية. ولم نتمكن من أخذ هذه الجرائم كنقطة انطلاق للمجتمع الكردي للاستفادة منها والتعلم منها. ليس هناك فقط أنفال حلبجة، ولكن هناك كرميان وبرزان أيضاً. ماذا يمكننا أن نفعل حيال هذه الجرائم بحق الشعب الكردي؟ يجب علينا غرس الشعور بالهوية الوطنية في كل فرد كردي. يجب أن نبدأ هذه الخطوة من التعليم الأول للأطفال. هذا أيضاً عمل مهم جداً يجب القيام به معاً وجنباً إلى جنب. يجب خلق شعور وطني بين الأطفال".
"يجب أن يكون هناك دعم لإعادة إعمار حلبجة"
وأكدت رنكين سلام محمود في ختام حديثها أنه "مثلما اتحدت كل القوى العالمية وأعداء الكرد من أجل تنفيذ المجزرة في حلبجة يجب علينا التضامن وتقديم دعم مشترك من أجل إعادة إعمار حلبجة، هناك مقولة تقول؛ 'حلبجة قدمت الأكراد للعالم' لكن ما يجعلني أشعر بالحزن هو ماذا فعل العالم بحلبجة؟ كيف حاولوا تدمير حلبجة. يجب أن يكون هناك دعم لإعادة بناءها".