بيد واحدة نجحت في مجال قد يفشل فيه من يملك يدين سليمتين

من رحم المرض والمعاناة ولدت موهبتها، فالظروف القاهرة التي مرت بها في حياتها جعلتها تصافح الريشة وتجسد من خلالها حياتها في الخيال الذي لطالما تمنت أن يكون واقعها

نسرين كلش

قامشلو - من رحم المرض والمعاناة ولدت موهبتها، فالظروف القاهرة التي مرت بها في حياتها جعلتها تصافح الريشة وتجسد من خلالها حياتها في الخيال الذي لطالما تمنت أن يكون واقعها، وتنقل أوجاعها على شكل ألوان وخطوط.

فاطمة محمد (36) عاماً فنانة تشكيلية، كبرت وترعرعت في قرية تل منصور التابعة لمقاطعة الحسكة بشمال وشرق سوريا، إلا أن القدر ساقها لتعيش في مدينة قامشلو.

عرفها من حولها بصاحبة الأصابع السحرية، حيث تقوم برسم الأشكال والمناظر الطبيعية على الورق، وبالرغم من صغر سنها وقلة خبرتها آنذاك إلا أن رسوماتها بالنسبة للأشخاص المهتمين بالفن بداية جيدة جداً لفنانة مستقبلية.        

ذكرت لنا أن اهتمامها بالرسم كان منذ نعومة أظافرها، وكانت تذهب للمدرسة كجميع الأطفال، لكن يدها احترقت وهي في الصف الثاني، وهذا الحرق كان من الدرجة الرابعة الأمر الذي جعلها تترك المدرسة، وتفضل الانعزال في المنزل هروبا من التنمر.   

بالسؤال عن نقطة التحول التي جعلت موهبتها تظهر قالت "بقائي في المنزل لمدة خمس سنوات ومراقبة فتيات جيلي وهن ذاهبات إلى المدرسة لتتعلمن خلق لدي شعور بالعجز والقهر، فكنت أردد دائماً أنه كان يجب أن أكون معهن الآن، لكن للقدر له رأي آخر، تلك السنوات من أصعب ما عشته"، مشيرة إلى أن القهر والاكتئاب كانا سببين أساسيين في ممارستها للرسم بيد واحدة، فالتنمر الذي مورس بحقها أعطاها دافع القوة والإبداع في مجال قد يفشل فيه من يملك يدين سليمتين وليس يد واحدة.

وتابعت "الصراعات والآلام النفسية في هذه الفترة جعلتني أجد الرسم منفذاً لي، بل المهرب الوحيد من تزاحم الأفكار في رأسي، فكان اكتشافي لهذه الموهبة نقطة التحول في حياتي".  

يعد الرسم أحد أهم وأرقى أنواع الفنون الجميلة، يساعد الإنسان في التعبير عن الأفكار التي تجول مخيلته ومشاعره، وكل فنان يأخذ إلهامه من شيء معين، وعن هذا الإلهام قالت "تلهمني الطبيعة فمن أكثر الرسومات واللوحات التي أبدعت فيها هي التي أرسمها في أحضان الطبيعة، ففي عمر الـ 16 عاماً كنت أخذ الأغنام لأرعاها في الوادي فألهمني ذلك رسم عدة لوحات، وتعرفت على المرأة من خلال الطبيعة، وفي أحيان أخرى كنت أخذ أفكار رسوماتي من مخيلتي أو حتى المشاعر والحروب الداخلية التي خضتها مع نفسي، والتي كنت أترجمها إلى لوحة".

ويستخدم الفنان في هذا النوع من الفنون الذي ينقسم إلى عدة أنواع كالرسم التشكيلي، الزخرفي، التجريدي، الهندسي والقصصي، الألوان الزيتية، وألوان الفحم، والألوان المائية والرصاص، كما ويطبق الألوان على مسطحات رسم متنوعة منها "القماش، الورق، الجدران، الزجاج".

أكدت لنا فاطمة محمد أنها شجعت نفسها بنفسها ولم يقف أحد إلى جانبها أو يهتم بموهبتها من أهلها، على العكس كانوا يستهينون بالرسم وبأعمالها "الحظ والموهبة وقفا إلى جانبي، أؤمن تماماً أنه إذا وجدت الموهبة فلا ظرف يستطيع أن يقف في وجه من يريد، أنا لم أتلقى تعليماً أكاديمياً أو مساعدة من أي جهة كانت إنما تعلمت بنفسي من خلال متابعة أعمال فنانين مشهورين".  

بعد سنوات من حادثة حرق يدها تحول هذا الحرق لسرطان جلد "بعد أن علمت أن يدي أصيبت بسرطان الجلد بدأت بالبكاء ضعفت جداً، تذكرت كل الذين كانوا يسخرون من يدي وفني، فأعطيت وعداً لنفسي أن أجعل هذه اليد المصابة بالسرطان تفعل ما لا تستطيع أي يد فعله وفعلاً نجحت".

وجدت في الرسم الحياة التي كانت تتمناها كما أنه كان ملجأها من الحزن القلق والاكتئاب الحاد الذي أصابها "وجدت في فن الرسم الحرية والحب والسعادة وملاذي الآمن الذي أستطيع من خلاله البوح بكل الصرخات الصامتة التي أعيشها، المجتمع لا يرحم فنظرات الناس ليدي والسؤال عنها سابقاً كان يضعني بحالة كئيبة جداً، لكن حالياً أواجه النظرات بكل صدر رحب فثقتي هي التي ترد عليهم".

فضلت أن تسلط الضوء من خلال لوحاتها على النساء، فكل لوحة تشير إلى حكاية، وقضية من قضاياهن "كوني امرأة أشعر بقضاياه بنات جنسي ومعاناتهن، والقدرات الحقيقية التي تمتلكها كل امرأة لذلك كانت أكثر لوحاتي تشير للنساء".

بالسؤال عن المعارض التي شاركت بها قالت "عندما علمت أن اتحاد مثقفي روج آفا سيحتضن لوحاتي في المعرض إلى جانب فنانين أكاديميين فرحت كثيراً، وشعرت أن القدر أعطاني فرصة ويجب أن استفيد منها، فشاركت به، ونالت لوحاتي إعجاب الجميع فالتقدير الذي لأعمالي بعد المعرض زاد من ثقتي وأعطاني الدافع للاستمرار".   

كرسالة أخيرة قالت فاطمة محمد "الإرادة القوية والشغف كافيين لتخطي أي شيء لذلك أوجه رسالة للأشخاص الذين يعانون من إعاقة معينة لعدم الخوف من مواجهة المجتمع، إذا كنت معاقاً هذا لا يعني أبداً أنه يحق لهم جرحك وعدم احترامك، فاجتياز الأزمات والثقة بالأعمال أهم من أحكامهم".