امرأة سودانية كسرت صمت العنف لتكتب حريتها

في السودان، تواجه نساء كثيرات أشكالاً متعددة من العنف الأسري، حيث تُجبر بعضهن على الصمت تحت ضغط الأعراف والقوانين، لتصبح قصصهن شاهدة على معاناة ممتدة وصراع من أجل الحرية والكرامة.

ميرفت عبد القادر

السودان ـ يعد العنف ضد المرأة في السودان واحداً من أكبر وأبرز المشاكل التي واجهت المنظمات التي تهتم بالمرأة وقضاياها في سبيل القضاء عليه، إذ تحكم السودان عادات وتقاليد وأعراف لا يسمح بتجاوزها حتى للأديان والقوانين.

تعاني كثير من النساء في بعض المجتمعات السودانية من العنف المنزلي على يد الأزواج أو الإخوة، حيث يُنظر إليه، وفقاً لبعض الأعراف والقوانين، كحق للرجل داخل البيت، مما يؤدي إلى تجاهل معاناة المرأة من قبل الأسرة والمجتمع.

لم تكن تتوقع دينا أمير ذات الأربعين ربيعاً أن ينتهي زواجها بفقدانها ساقها، فبعد عقد من الزمان مرّ على زواجها تحملت فيه كل أشكال العنف الممارس ضدها من قبل زوجها، استجمعت قواها وطالبت بالطلاق واستطاعت أن تخرج من صمتها الطويل واختارت وكالتنا منبراً ومنصة لعكس تجربتها وإيصال صوتها وقصتها للعالم أجمع.

تقول دينا أمير، إنها تزوجت قبل عشرة أعوام، وتستقر الآن في إحدى دول الخليج، إلا أن الحياة لم تمضي كما توقعت وتمنت.

وأوضحت "وجدت نفسي أمام شخصية نرجسية لا تهتم إلا بنفسها، باردة المشاعر تحملتها من أجل أطفالي، مارس ضدي كل أشكال العنف غير المرئي من هجراني واعتزالي وعدم تلبية رغباتي وحرماني من زيارة معارفي وأهلي".

 

عنف اقتصادي ونفسي

وذكرت دينا أمير أن زوجها كان عاطلاً عن العمل، ومع ذلك أجبرها على الإنفاق عليه وتلبية جميع احتياجاته المادية، وعندما حاولت رفض استغلاله لها، استولى على أموالها وممتلكاتها، بل وصل الأمر إلى حرمانها من أولادها.

هذا الوضع الصعب انعكس على صحتها، فأصيبت بأمراض جسدية ونفسية خطيرة، منها جلطة متكررة أدت إلى بتر ساقها، إضافة إلى أمراض أخرى. ورغم معاناتها، لم تجد الدعم من أسرتها إلا بعد أن فقدت صحتها وممتلكاتها حينها فقط وقفت والدتها وأخواتها بجانبها وشجعوها على طلب الطلاق والتحرر، وبعد سلسلة من الجلسات القضائية، حصلت أخيراً على الطلاق، لكنها خرجت منه وقد خسرت كل شيء.

وتقول إنها تعرضت لأقسى أشكال العنف اللفظي والإساءات والتجريح فعندما طالبت بالطلاق لوضع حد لما تتعرض له قام زوجها بالإساءة لها وأسرتها وشكك في شرفها وتصرفاتها وأخلاقها أمام الجميع مما تسبب في تدهور حالتها النفسية والصحية.

 

القانون لا ينصف النساء

كثيراً ما يُنظر في قوانين الأحوال الشخصية إلى المرأة على أنها الطرف الأضعف وغير القادر على تربية الأبناء، مما يؤدي في العديد من القضايا إلى منح الحضانة للأب. وتروي دينا أمير أن زوجها استغل إصابتها ببتر في ساقها، ورفع دعوى قضائية للحصول على حضانة الأطفال بحجة أنها غير قادرة على رعايتهم أو القيام بمهامها المنزلية. وقد حكمت المحكمة بالفعل لصالحه، فانتُزعت منها حضانة أبنائها.

في الماضي، كانت معدلات العنف ضد النساء في السودان أعلى بكثير، حيث كان تجاهل المرأة والانتقاص من حقوقها وتعنيفها يُعد جزءاً من الموروثات الاجتماعية والعادات السائدة، وكان بعض الرجال يتفاخرون بإخضاع زوجاتهم وإجبارهن على الطاعة، حتى وإن كان ذلك مصحوباً بالعنف الجسدي والضرب.

تروي دينا أمير أن والدها كان يعتدي بالضرب على والدتها أمامها وأمام إخوتها، وهو ما ترك في داخلها خوفاً عميقاً من فكرة الزواج، وعندما تزوجت وجدت نفسها تواجه نفس التجربة مع زوج يمارس عليها أشكالاً مشابهة من العنف. ومع ذلك، كانت والدتها تنصحها بالصبر والمحافظة على بيتها وأبنائها، معتبرة أن ما تتعرض له من عنف نفسي أمر طبيعي في الحياة الزوجية ما دام لا يصل إلى الضرب الجسدي.

وفي رسالة وجهتها دينا أمير إلى النساء في السودان والعالم العربي، شددت على ضرورة عدم الصمت أمام العنف الذي يُمارس ضدهن، مؤكدة أن الحرية أثمن من أي شيء آخر.

تُعد دينا أمير مثالاً لآلاف النساء في السودان اللواتي يواجهن صوراً متعددة من العنف، لكنهن يجدن أنفسهن مجبرات على الصمت وعدم الإفصاح عمّا يتعرضن له.