اليوم الدولي للمهاجرين بين حلم مستحيل وواقع مرير

الهجرة ظاهرة عالمية وتعد الحروب والصراعات والكوارث الطبيعة والتطلع إلى العيش في ظروف وواقع معيشي أفضل، من أبرز الدوافع والأسباب الكامنة ورائها.

مركز الأخبار ـ يلقي اليوم الدولي للمهاجرين الضوء على قضايا اللاجئين والمهاجرين والمخاطر التي تواجههم والأسباب الكامنة وراء الهجرة والتحديات المرتبطة بها، نظراً للمكانة الحرجة التي احتلتها الهجرة بين القضايا التي لها تأثير وأهمية بالغة إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً.

 

المهاجرين وأبرز الأسباب الكامنة وراء الهجرة

يلتقي مصطلح الهجرة مع مصطلحي النزوح واللجوء وجميعها تعني مغادرة مكان الإقامة والاستقرار و تعد جغرافية الشرق الأوسط هي اكثر بقاع الأرض تعرضا للهجرة.  إلا أن تلك المصطلحات  تختلف عن بعضها من حيث الأسباب الكامنة خلف هذه المغادرة والآثار المترتبة عليها، وتضامناً مع المهاجرين الذين أجبروا على الفرار من ديارهم هرباً من الصراعات و الاضطهاد والكوارث الطبيعية وتغيرات المناخ وما يتعرضون له من معاناة، دعت العديد من المنظمات الآسيوية عام 1977 الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتخاذ يوماً رسمياً للاعتراف بمساهمات المهاجرين وتحويل الاهتمام العالمي نحو محنتهم، فما كان من الأخيرة إلا أن أعلنت في عام 2000 أن يوم الثامن عشر من شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام هو اليوم الدولي للمهاجرين الذين تم تعريفهم بأنهم الأشخاص الذين قاموا بتغيير بلد إقامتهم بغض النظر عن وضعهم القانوني أو طبيعة حركتهم أو دوافعهم.

خلال العقدين الماضيين ارتفعت حدة الصراعات والحروب وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع والتغيرات المناخية والكوارث الطبيعية أجبرت ملايين الناس على الفرار، حيث يشكل المهاجرون واللاجئون الفئات الأضعف والأكثر تهميشاً في العالم فهم غالباً يتعرضون للاستغلال وسوء المعاملة والعنصرية وقلة حيلتهم في الحصول على أبسط الخدمات الأساسية كالرعاية الصحية والتعليم وضلوعهم في وظائف مؤقتة أو غير رسمية ذات ظروف وشروط سيئة وغياب الأمن من بيئة العمل.

الحصول على واقع أفضل ووظيفة بأجر جيد هو من الأسباب القوية للهجرة الدولية والنزوح وقد ازداد هذا الدافع مع تزايد الفوارق في الدخل بين الدول.

كما أن الحروب والصراعات تندرج تحت هذه الأسباب فقد أكدت بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في عام 2022 أن عدد النازحين داخلياً 60% من عدد اللاجئين حول العالم ففي سوريا يعادل عدد النازحين داخل البلاد حوالي ثلث عدد السكان وهي النسبة الأكبر في العالم وتأتي كولومبيا في المرتبة الثانية ثم اليمن وأفغانستان، كما أن أغلب المهاجرين الدوليين هم من السوريين وذلك قبل وقوع الصراع بين روسيا وأوكرانيا الذي وصل فيه عدد اللاجئين إلى نحو 8 مليون شخص، وعند الحديث عن الهجرة لا بد من ذكر فنزويلا التي بلغ عدد اللاجئين منها 5.6 مليون شخص على خلفية الفقر والعنف والأزمات السياسية وجلهم قصدوا جزيرة أروبا الواقعة جنوب البحر الكاريبي.

وعلى طرق الهجرة التي تفتقر للشرعية والأمن يعيش المهاجرون ظروف مميتة رحمة المهربين فقد أكدت العديد من التقارير الحديثة أن النساء والأطفال أكثر عرضة للاستغلال والاختطاف والتعذيب والقتل مقارنة بالرجال في ظل إفلات تام من العقاب، ففي ليبيا التي أصبحت منذ عام 2014 نقطة عبور نحو أوروبا تعرضت عدد من المهاجرات الفارات من غينيا للعبودية الجنسية، كما حصل خلال أزمة الهجرة عام 2015 تجنيد قاصرات نيجيريات في شبكات دعارة في فرنسا وهذا ما تعرضت له العديد من اللاجئات الأوكرانيات الوافدات إلى فرنسا  تحولن إلى هدفاً سهل لشبكات الدعارة.

 وفي تركيا تتعرض العديد من المهاجرات السوريات للاغتصاب والعنف الجسدي والعنصرية وكذلك يجبرن على ممارسة الجنس سواء في المخيمات التي بنتها إدارة الطوارئ والحرب التركية أو خارجها، وقد ذكرت تقارير صدرت عام 2016 أنه يتم الاتجار بالمراهقات السوريات وبيعهن لرجال كبار بالسن من السعودية وباقي دول الخليج والعراق.   

وتندرج تغيرات المناخ ضمن الأسباب الكامنة وراء الهجرة فقد أكد تقرير حديث نزوح 23.7 مليون شخص "مهاجرو المناخ" خلال العقد الماضي، وكان جل المتأثرين بهذه الأسباب من شرق آسيا والمحيط الهادئ وجنوب وشرق آسيا وإفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، وأكد ذات التقرير أنه بحلول عام 2050 يتوقع أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار والنصف وأن أبرز دوافع هذه الهجرة ظاهرة الاحتباس الحراري والنمو السكاني العشوائي.

ولعل من أبرز الأمثلة على التهميش الذي يعاني منه مهاجرو المناخ ما حصل عام 2013  عندما رُفضت طلبات لجوء مرتبطة بأزمة المناخ من كيريباتي إلى نيوزيلندا لعدم ارفاق الهجرة الناجمة عن تغير المناخ في اتفاقية جنيف، كما أن السلطات التركية تحججت بكارثة الزلزال التي وقعت في أوائل العام الجاري عندما أعادت قسراً نحو 18 ألف لاجئ سوري، وفي سياق آخر حول معاناة اللاجئين في البلد المضيف أعادت قسراً آلاف اللاجئين السوريين الذين فروا على إثر الصراع الدائر فيها منذ أكثر من عقد من الزمن، ويقدر عدد النازحين السوريين في تركيا بنحو ثلاث ملايين و 500 ألف شخص، كما أفادت منظمات دولية نزوح  ما يزيد عن 42 ألف شخص بسبب الفيضانات التي حدثت بشمال شرق ليبيا في أيلول/سبتمبر الماضي كما تم الإبلاغ عن فقدان 500 عامل مهاجر ومصرع 429 آخرين حياتهم.

 

اليوم الدولي للمهاجرين يجب أن يكون منصة تذكير بمعاناة المهاجرين وليس للاتجار بآلامهم

وفي عام 2014 لقى ما يزيد عن 50 ألف مهاجر حتفهم على مسارات الهجرة التي تفتقر للأمن وعدم شرعيتها اذ  أكثر من نصفهم غرقوا في البحر المتوسط، وبنهاية عام 2021 كان هناك ما يزيد عن 280 مليون مهاجر دولي أي نحو 3.5% وتشكل الهجرة  48% من المهاجرين الدوليين بالإضافة لـ 59 مليون نازح داخلياً مقارنة بـ 2.8% في عام 2000، حيث أن 31% من المهاجرين الدوليين يقيمون في آسيا وأوروبا لكل منهما وتليهما أمريكيا الشمالية 21% واللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 5% فقط و3% في أوقيانوسيا، بينما كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أكدت أنه في عام 2022 بلغ عدد اللاجئين 35 مليون بما في ذلك 5.9 مليون لاجئ من فلسطين.

هناك انتهاك لحقوق المهاجرين على الحدود الدولية وفي بلدان المهجر في ظل غياب إدارة للهجرة قائمة على حقوق الإنسان سواء على المستوى العالمي أو الوطني، فهم أكثر عرضة للتمييز والاستغلال والتهميش كما يحرمون من حقوقهم المدنية والسياسية ويقعون في براثن الاحتجاز التعسفي والتعذيب بالإضافة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كحقهم في الرعاية الصحية والسكن والتعليم، كل ذلك الحرمان مرتبط بقوانين تمييزية وبمواقف راسخة من التحيز أو الكراهية.

والهجرة ليست حلاً بحد ذاتها كما ذكرت بعض التقارير التي  روجت لها وادعت أنها قادرة على توفير فرص عمل لائقة وانتشال ملايين الناس من الفقر المدقع وبالتالي الاستفادة من الآثار الإيجابية للهجرة في تحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال تبني نهج قائم على سياسات عادلة وفعالة لهجرة اليد العاملة تحمي حقوقهم وأسرهم لتكون الهجرة خياراً وليست ضرورة، كل ذلك كان مجرد كلام ذهب في مهب الريح , فعلى سبيل المثال على الرغم من مساهمة اللاجئون السوريين في تحقيق النمو الاقتصادي المستقبلي ومنع انكماشه في العديد من الدول الأوروبية خاصة ألمانيا، إلا أن الاقتصاد السوري تراجع بشكل كبير مما تسبب بحدوث أزمة اقتصادية عمت البلاد بالإضافة سببها هجرة نسبة كبيرة اليد العاملة ذات الخبرة والكفاءة العالية وكذلك نهب موارد ومعامل الصناعات المختلفة في سوريا و تهريبها إلى تركيا خاصة من مدينة حلب كونها تعد من اهم المدن الصناعية في سوريا في انتاجها الصناعي المتنوع على مستوى سوريا و الشرق الأوسط .

يتم في هذا اليوم من كل عام تنظيم مجموعة من الأنشطة في عدد من الدول حول العالم للتعريف بحقوق الإنسان وتبادل المعلومات عن أبرز الحقوق والحريات المتاحة للمهاجرين واللاجئين وكذلك العمل على وضع خطط واستراتيجيات لحمايتهم والتصدي للتحديات التي تواجههم بالإضافة لتنظيم ندوات ومحاضرات عن المهاجرين وتسليط الضوء على معاناتهم والمشاكل التي يتعرضون لها كالعنصرية والاتجار بهم، وكذلك المطالبة بعدم الترويج للهجرة والتشجيع لها كونها سياسة ممنهجة ومقصودة قائمة على تقديم اغراءات من بعض دول الغرب لجذب الفئة الشابة واليد العاملة والمثقفة وأصحاب الخبرات إلى تلك الدول.

لذلك يجب ان يكون هذا اليوم هو يوم العمل وتذكير الجهات المعنية بالمطالبة بحلول جذرية للأسباب الكامنة وراء الهجرة وعلى رأسها البطالة والفقر الذي يعيشه ملايين الناس حول العالم. وكذلك الحروب والصراعات التي دمرت البشر والحجر وأجبرت الناس على الفرار إلى بلدان أخرى تعرضوا فيها للاستغلال والقتل والإتجار، هذا اليوم ليس مناسبة للاحتفال بآلام المهاجرين بل يجب أن يكون منصة للتذكير بمعاناتهم والمناداة بحقوقهم كغيرهم من الأشخاص والمطالبة بتعزيز الأليات والاتفاقيات التي تحث على إحلال السلام والأمن الدوليين.