'السودانيات تدفعن ضريبة النزاع في الداخل والخارج'

النزاع في السودان أثر بدرجة كبيرة على تطلعات وأفكار النساء سواء في الداخل أو من نزحن لبلدان أخرى حتى انتهاؤها، وهو الأمر الذي جعل حسابات وأفكار وخطط الكثير من الأسر تتغير في ظل عدم استقرار الأوضاع.

أسماء فتحي

القاهرة ـ عادة ما تدفع النساء ضريبة الكوارث الكبرى باعتبارهن المسؤولات عن تدبير أوضاع الأسر، وتعد الحروب واحدة من النكبات التي تقلب الحياة رأساً على عقب، فحالات الفقد بفعلها كبيرة والخسائر قد تفوق قدرتهم على التحمل، خاصة النساء اللواتي تسعين لتلبية احتياجات عائلاتهن.

فقدت الكثيرات عائل أسرهن والبعض تعرضن للعنف بمختلف أشكاله فيما تركت أخريات البلاد وسافرن لوجهةً لا تعلمن عن الحياة بها شيء، لتصارعن وتقاتلن من أجل توفير قوت أسرهن وحياة أكثر أماناً واستقراراً لأطفالهن، ولا يمكن إغفال أن العدد الأكبر من الوافدين إلى مصر نساء تعلن أسرهن وغالبيتهن تركن أزواجهن في الداخل السوداني وربما فقدوهم في النزاع وهو الأمر الذي يأخذ بعين الاعتبار عند النظر لحال المرأة السودانية في الداخل المحلي.

وللتعرف أكثر على تلك الأوضاع وحجم تأثر السودانيات بواقع النزاع الدائر منذ أشهر كان لوكالتنا مع الأستاذة الجامعية ندى مصطفى وهي من السودان، التي تطرقت إلى تجربة نجاحها والعقبات التي تواجه السودانيات وسبل العمل على تجاوزها من أجل مستقبل أكثر استقراراً، فضلاً عن رؤيتها للأوضاع بعد انتهاء النزاع وما يتم تقديمه من دعم ومساعدات للسودانيات في مصر خلال الوقت الراهن، الحوار التالي:

 

ما العقبات التي واجهتيها خلال رحلة انتقالك إلى مصر على خلفية النزاع الدائرة في السودان؟

مسألة تغيير مجال العمل أمر طبيعي ومتوقع حال ترك المواطن لدولته والانتقال لأخرى، فعليه القبول بالمتاح والبحث عن الفرص القريبة منه قدر الإمكان، خاصة أن السودان تعاني من حرب وهو أمر يجعل العودة إليها في ظل الوقت الراهن تضحية بالنفس والأسرة.

أنا أستاذة جامعية ولكنني لم أفكر في تقديم طلب لنفس الوظيفة، وأعرف الكثيرات لم تستطعن إيجاد عمل مناسب لما كنّ تقمن به في السودان، واتجه القطاع الأكبر منهن للأعمال الخاصة حسب خبرتهن وقدرتهن على الإنتاج.

وقد اتجهت حينما أتيت لمصر للبحث عن عمل يتناسب مع خبرتي في مجال المشاريع التنموية والمساعدات الإنسانية لأني عملت على مدار أربع سنوات كخبير وطني "لليونيسف" بالسودان بجانب وظيفتي الجامعية ولدي معرفة جيدة في هذا الملف، ووجدت أن فرص العمل بها في مصر أكبر وهو ما جعلني أتجه نحوه وتمكنت بالفعل من إيجاد عمل.

لدي زميلات كثيرات اتجهن للعمل الإنساني لكون مصر بها عدد كبير من الوافدين، وأيضاً الكثير من الممولين الراغبين في تقديم الدعم لهن، لقد أصبح هناك احتياج للخبرات ودراية بكيفية التعامل مع الوافدين وهو الأمر الذي فتح مجال عمل لعدد ليس بالقليل، إلا أنه مؤقت.

 

برأيك كيف دفعت النساء ضريبة النزاع في السودان؟

من رأى ليس كمن سمع، النساء عانين كثيراً في الداخل من النزاع فقد تعرضت الكثيرات لانتهاكات عديدة وعنف بمختلف أشكاله منها الاغتصاب والتحرش، فضلاً عن تحملهن مسؤولية عائلاتهن بالكامل بسبب الأسر أو القتل أو الاعتقال، كما قد تعرض للعنف خلال نزوحهن لأماكن أكثر أماناً وبالتبعية البحث عن سبل توفير احتياجات أطفالهن.

ولا يقتصر ذلك على العنف داخل السودان، فحتى خارج البلاد عددٌ كبير منهن نزحن دون أزواجهن وبالتالي أصبح عليهن تغطية احتياجات الأسرة، وهو أمر صعب جعل الكثيرات تمتهن الأعمال الخاصة كالمخبوزات والعطور السودانية كل حسب معرفته لتتمكن من إعالة ذويهن، وحتى من أتين ومعهن أزواجهن لم يغير ذلك من واقع تحمل المرأة العبء الأكبر، حيث تعملن بأقصى جهدهن للبحث عن عمل لضمان استقرار أسرهن، حتى أن الكثيرات تعملن لساعات طويلة وتبذلن كل جهدهن من أجل توفير احتياجات أطفالهن في الداخل السوداني وفي مصر كذلك.

 

برأيك ما المستقبل الذي ينتظر السودان وشعبه في ظل ما يشهده من نزاع مستمر؟

حينما جئنا إلى مصر كنا نظن أننا لن نتجاوز مدة الشهر وسنعود لبلادنا، ولكن النزاع امتد وطالت آثاره الجميع، فقدنا أعمالنا ومنازلنا وأصبحنا لا نعلم إلى متى سنبقى خارج بلادنا وهو أمر يحتاج لإعادة تخطيط.

وبات التفكير اليومي يتطلب الإجابة على سؤال ماذا لو استمر النزاع؟، وماذا علينا أن نفعل؟، وهو ما جعل أغلب الخطط المستقبلية غير مستقرة وترتبك من حين لآخر، والبعض بالفعل بات يتواصل مع المفوضية لتقنين وجودهم في مصر للتمكن من الحصول على المساعدة والأمان.

وأنا وضعي صعب لأني لم أكن أتخيل العيش خارج السودان أو اللجوء للمفوضية كي يتم توطيني في أي دولة أوروبية كانت أو عربية، لأني أجد ذاتي هناك، ولكن اضطررت لتغيير مهنتي لإيجاد عمل فلدي أطفال لأعيلهم وآمل أن يصبح مستقبلهم أكثر استقراراً.

وأنا شخصياً أتساءل عما قد يحدث بعد النزاع الدائر، فالبلاد في حاجة لإعادة إعمار ووظائفنا لن تبقى والمستقبل غير واضح ولا أستطيع الجزم الآن بما قد يحدث ولكنه قطعاً واقع سيحتاج للكثير من التفكير بالاستناد على ما سيستجد من معطيات.

 

المعاناة تخلق التشاركية... فهل ترين أن هناك دعم وتضامن وتعاون بين أهالي السودان في ظل النزاع الدائر؟

هناك شعور بالمعاناة خاصة وأن الجميع يمر بنفس الظروف وأنا على سبيل المثال منذ دخولي مصر بدأت في البحث عن الجهات التي تقدم الدعم للسودانيين للتطوع في العمل معهم، والآن أنا عضوة بجمعية الأحلام الأفرو آسيوية، وحالياً نقدم عدد من الأنشطة الخاصة بالوافدين في محاولة لتقديم الدعم بأنواعه ومناقشة قضاياهم ومنها فرص الأطفال في التعليم سواء في المدارس المصرية أو السودانية أو الأجنبية منها.