السودان... الخوف والقلق سيد رحلات النزوح

قارب النزاع الدائر في السودان على إتمام العام، قضاه المدنيون بين النزوح والتشريد والدمار والجوع وتعثر المفاوضات وتقاعس طرفي النزاع عن الالتزام بالهدن المعلنة.

ميساء القاضي

السودان ـ الوصول إلى بر الأمان لا يعني انتهاء رحلة النزوح الشاقة والمريرة، فالقتال مستمر ونقص المساعدات سيد العنوانين والفلتان الأمني لازال يجوب الشوارع، هذا ما يعانيه المدنيين في السودان وعلى رأسهم النساء والأطفال.

العديد من النازحات في السودان أكدن أن القلق والخوف لم يفارقهن على الرغم من وصولهن إلى مناطق آمنة، منهن النازحة (م. م) خاصة بعد نزوحها مرتين منذ خروجها من العاصمة الخرطوم، فالنزاع كان في كل مرة تصل فيها لمنطقة آمنة يطالها لتجبر مرة أخرى على النزوح، وتقول إن "قلة المساعدات الأساسية خاصة الصحية منها وانعدام الأمان والاشتباكات العنيفة هو ما أجبرني على النزوح في المرة الأولى والتوجه إلى ولاية الجزيرة"، لتقيم مع أسرتها في مدينة ود مدني ثم أجبروا على النزوح مرة ثانية إلى ولاية سنار والسبب هذه المرة تردي الأوضاع المعيشية للأسر التي لجأوا لديها.

اضطرت للعودة مرة أخرى إلى ود مدني برفقة أهلها، وعند وصولهم فوجئوا بوصول قوات الدعم السريع إلى المنطقة "فقدنا الإحساس بالأمان وقررنا النزوح مرة أخرى هرباً من النزاع الدائر وما ترتكبه تلك القوات من انتهاكات".

وأضافت "في رحلة النزوح الثانية واجهنا الكثير من المصاعب، كنا مجبرين على قطع مسافات طويلة سيراً على الأقدام تعرضنا خلالها للنهب والسرقة والاعتداء بالضرب، لقد تعرضت للضرب من أحد أفراد قوات الدعم السريع المتواجدة في الطرقات لتفتيش النازحين بحثاً عن الهواتف المحمولة، حيث أمرني أحد الرجال بتسليمه الهاتف في حال كان لدي، وفي هذه الإثناء رأى العقد حول رقبتي ليمسك به ويقطعه وأخرج الهاتف من جيبي، وقال لي لماذا تخفينه يبدو أنك تعملين لصالح الاستخبارات العسكرية، وبعد ذلك انهال عليّ بالضرب على مناطق متفرقة من جسدي باستخدام البندقية التي كان يحملها حتى شعرت بالدوار لأنه ضربني بمؤخرة البندقية على رأسي وعندما وضعت يد لأحمي رأسي ضربني عليها وهي تؤلمني جداً الآن، وما كان لدينا خيار سوى مواصلة المسير فأي تأخير يمكن أن ندفع الثمن مقابله حياتنا".

وأكدت على الرغم من أنها واصلت سيرها إلا أنها عانت صداع شديد وضعف في الرؤية وإصابة بالغة في كف يدها، ونظراً لعدم توفر المرافق الصحية قامت بتناول بعض المسكنات وتنظيف مكان الإصابة "انتابني خوف شديد بأنني لن أنجو من تلك الضربة، كما أنني لم استطع أن أشكو ما أعانيه لعائلتي فيشعروا بالقلق عليّ وليس هنالك من شيء يمكنهم فعله لمساعدتي، لذلك كتمت آلامي على أمل أن نصل لمكان آمن وأحصل على علاج لجراحي".

واستغرقت رحلة النزوح التي قطعتها (م، م) ومن معها ثلاثة أيام سيراً على الأقدام، كون المسافة طويلة بين ولاية الجزيرة وولاية سنار، وقالت "كانت قوات الدعم السريع تعترض طريقنا في كل مرة وتأمرنا بالرجوع إلى بيوتنا، إلا أنهم كانوا يغيرون الاتجاه ويواصلون المسير يقابلوننا في الطريق يسألوننا إلى أين تذهب ويأمروننا بالرجوع إلى منازلنا ولكن كيف نعود ونحن لا نشعر بالأمان، لقد عنفونا في بيوتنا وسرقوا أموالنا وممتلكاتنا، لم يكن لدينا خيار سوى النزوح حتى لو كان سيراً على الأقدام خاصة بعد أن استولت هذه القوات على وسائل النقل، فكنا حين نصل إلى أي قرية نقضي فيها ليلتنا ثم نعود لمواصلة المسير مع بزوغ الشمس، وصلنا بعد معاناة إلى الجزيرة وقام الصيادون بإيصالنا إليها، كانت تلك الجزيرة خالية من أي حياة أشبه بالغابة خالية من البشر لا يوجد فيها سوى أشجار الموز، وحذرنا الصيادون من وجود حيوانات الأصلة التي يمكنها أن تبتلعنا، وعندما قررنا العبور إلى الضفة الشرقية كونها المنطقة الأكثر أماناً، رفضت السلطات الأمنية ذلك، لكن بعد محاولات عديدة والتأكد من بطاقاتنا الشخصية أصحبونا معهم إلى الضفة الأخرى".

وعن مغادرتها ولاية سنار التي بقيت فيها لمدة أسبوعين قالت "شعرنا أننا لسنا في أمان، لقد كانت قوات الدعم السريع تتوعد الأهالي هناك بأنها ستصل لتلك الولاية، لذلك قررنا الذهاب إلى الولاية الشمالية، استغرقت الرحلة ثلاثة أيام على متن شاحنة، تعرضنا خلالها لعملية نهب فقدنا فيها كل ما تبقى لنا من مال وملابس كما فقدت أوراقي الثبوتية ورقمي الوطني وشهاداتي الجامعية، أنا الآن لا أملك أي مستند رسمي يثبت من أكون".

 

 

حال (م، م) هو حال مئات أو آلاف النساء اللواتي أجبرهن النزاع وانتهاكاته على النزوح مرتين وثلاث خلال ما يقارب العام منذ اندلاعه، فقد قالت آمنة محمد إنها غادرت الخرطوم قبل وصول الاشتباكات إلى المنطقة التي تقطنها خوفاً على سلامة أطفالها الذين انتابهم شعور الخوف عند سماعهم أصوات الرصاص والدمار.

وقالت "لم أرى قوات الدعم السريع في الخرطوم لكنني قابلتهم في الطريق، كان أطفالي يرتجفون خوفاً، الأمر الذي دفعني لمغادرة المنزل، ركبنا الباص على الطريق الشرقي الذي يربط الخرطوم بولاية الجزيرة واعترضت طريقنا قوات الدعم التي طلبت منا المال مقابل العبور، وصلنا بعدها إلى مدينة ود مدني ومنها سافرنا إلى سنار لنقيم في منزل أختي".

ونظراً لتردي الأوضاع الاقتصادية في السودان قررت آمنة محمد العمل لتخطي المحنة المادية التي تسبب بها النزاع عليها وعلى غيرها من المدنيين، فحصلت على قطعة أرض من أقاربها لتقوم بزراعتها ببعض الخضراوات والدخن، لكن بسبب قلة الأمطار في تلك المنطقة لم تحصل على أي ربح.

وأوضحت "بناتي بقين في ود مدني، لقد عانيت كثيراً بسبب بعدهن عني خاصة بعد أن سمعنا أن قوات الدعم السريع وصلت إلى هناك والاتصالات مقطوعة ولا توجد أخبار عنهن، لقد أصابتني حمى لمدة ثلاثة أيام لم آكل فيها ولم أشرب قلقاً وخوفاً عليهن، وأنا مصابة بالسكري ولم أذق طعم الراحة حتى وصلوني إلى سنار".