القرى التي تم تسميتها بأسماء النساء لها تاريخ من الشجاعة والمعرفة

"خربة كجي" إحدى القرى القديمة المعروفة في مدينة الحسكة بشمال وشرق سوريا، تروي قصة امرأة واجهت عائلتها ومجتمعها لإجبارهم إياها على التخلي عن أطفالها والزواج ثانية.

دلال رمضان

الحسكة ـ العديد من مناطق شمال وشرق سوريا تضم قرى تعود تاريخها لمئات الأعوام، وتتميز بأسمائها التي يرمز كل منها إلى صفات أو أحداث مرت بها تلك القرية، والبعض منها أطلق عليها أسماء نساء عرفن بشجاعتهن وذكائهن وقدرتهن على مواجهة العادات والتقاليد البالية التي كانت تهمش دورهن في المجتمع والأسرة.

تعود تسمية قرية "خربة كجي" أي بمعنى "قربة شقراء"، الواقعة بين مدينتي الحسكة وعامودا، إلى امرأة كانت تدعى "كجي" التي حطت رحالها مع أطفالها الخمسة في القرية قادمة من قضاء شنكال ما بين عامي (1930 ـ 1935)، هرباً من عائلتها بعدما حاولوا تزوجيها مرة ثانية بعد وفاة زوجها.

تقول حفيدتها سوري إبراهيم البالغة من العمر 70 عاماً، والتي لا تزال تعيش في قرية خربة كجي، أن جدتها هاجرت من قضاء شنكال واستقرت في هذه القرية التي كانت عبارة عن أرض مهجورة كما قيل لها، مشيرةً إلى أن جدتها قامت ببناء منزل لها ولأطفالها اليتامى وعملت في الزراعة وتربية المواشي لإعالتهم.

وأضافت "لقد كانت تتمتع جدتي بإرادة وشخصية قوية تميزت بالكرم والشجاعة، لقد تخلت عن كل شيء في سبيل عدم ترك أطفالها بعد زواجها مرة أخرى، وعملت ليل نهار كي تعيش بكرامة دون طلب المساعدة من أحد".

وأوضحت أنها لم ترى جدتها لأنها توفيت قبل أن يتزوج والدها، مشيرةً إلى أنها كانت تساعد الفقراء وتلبي احتياجات كل من قصدها "سمعت الكثير من القصص عن كرمها وشجاعتها وقوتها، فكما قيل لي أصبحت قدوة لكافة نساء عصرها، كم تمنيت أن أراها".

ولفتت إلى أن والدها وأعمامها قاموا بتسمية القرية بـ "خربة كجي" نسبة إلى اسم جدتها تعبيراً عن امتنانهم لها وتضحيتها وتحديها المجتمع الذي كان آنذاك يقيد حرية النساء نتيجة العادات والتقاليد البالية، فقط لتكون قادرة على البقاء معهم، حيث كان يتم آنذاك تزويج المرأة التي يتوفى زوجها برجل آخر دون موافقتها حتى، وإجبارها على التخلي عن أطفالها.

وقالت سوري إبراهيم أنه بعد هجرة جدتها مع أطفالها من شنكال، واستقرارهم في قرية "خربة كجي"، انتقلت عائلة زوجها المتوفي إلى ذات القرية لتستقر هناك ويعيشوا معاً.

وأشارت إلى أن القرية كانت تضم في السابق حوالي 30 منزلاً وجميعهم من نفس العائلة، بينما اليوم لا يوجد في القرية سوى ستة عوائل، فمعظمهم انتقل للعيش في المدينة، لافتةً إلى أن النساء اللواتي لا زلن تعشن في القرية تعملن في زراعة البساتين والقطن.