العقد الاجتماعي تجربة فريدة لبناء إدارة ديمقراطية تشاركية

دعت عضوة منسقية مجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا عبير حصاف، كافة المناطق السورية لكتابة عقد اجتماعي يتناسب مع المرحلة، لأن تهميش أي منطقة لا يخدم سوريا، والمرأة يجب أن تكون جزء أساسي من صياغة العقد وتطبيقه.

شيرين محمد

قامشلو ـ أقر العقد الاجتماعي في إقليم شمال وشرق سوريا بتاريخ 12 كانون الأول/ديسمبر 2023 بعد عملية تشاركية استمرت لعامين، شملت منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والحركات النسائية، بهدف بناء مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان ويعزز دور المرأة في مختلف المجالات.

في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي شهدتها سوريا منذ عام 2011، برزت تجربة الإدارة الذاتية كنموذج مختلف في إدارة مناطق إقليم شمال وشرق سوريا وليشكل العقد الاجتماعي إحدى الركائز الأساسية التي بنيت عليها الإدارة الذاتية في هذه المناطق.

 

مفهوم العقد الاجتماعي والحاجة إليه بعد الأزمة

تحدثت عضوة منسقية مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا عبير حصاف، عن تفاصيل نشوء العقد الاجتماعي وأسباب تطويره وآليات صياغته مركزة على التمثيل العادل، ودور المرأة كمكون رئيسي في بناء هذه التجربة، كما تطرقت إلى الموقف المحلي والدولي منه.

وقالت في تعريف العقد الاجتماعي أنه "اتفاق ضمني بين الشعب أو الأفراد والفئة الحاكمة، يتنازل بموجبه الأفراد عن جزء من صلاحياتهم مقابل إدارة المنطقة وشؤون الأفراد وحمايتهم"، مبينة "أن الفراغ الذي حدث بعد عام 2012، بسبب الأزمة السورية التي بدأت في عام 2011 وما زالت مستمرة حتى الآن، خلق حاجة ملحة للتعايش المشترك، خصوصاً أن المنطقة غنية بالمكونات المختلفة، ففي مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وتحديداً في مقاطعة الجزيرة وكوباني وعفرين، كان من الضروري التوافق على شكل ومعايير تضبط الحياة والأمن، ومن هنا ظهر العقد الاجتماعي الأول عام 2014، الذي تمت صياغته بمشاركة كافة مكونات المنطقة، وبموجبه تم إعلان الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة، ثم لاحقا في كوباني وعفرين".

 

تطور العقود الاجتماعية وصياغة عقد جديد

ولأن القوانين تخدم احتياجات الناس كان لابد من إجراء العديد من التغييرات وهي كما تقول عبير حصاف "عقد 2023 لم يكن العقد الوحيد الذي عملنا عليه، بل كان هناك عدد من الوثائق والعقود السابقة، منها العقد الفيدرالي، ومذكرة تفاهم لإدارة إقليم شمال وشرق سوريا. رأينا حينها حاجة لإعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يتناسب مع المرحلة الحالية، خاصة في ظل انضمام مناطق محررة حديثاً، وشكل الحياة المتنوعة في إقليم شمال وشرق سوريا بكل مكوناته، كما كانت هناك ضرورة لتوحيد كافة الإدارات المدنية والذاتية، فتمت صياغة عقد ينظم المنطقة بالشكل الأمثل".

وعن تمثيل المرأة وحقوقها في العقد بينت أنه "بالنسبة لبنود العقد، خاصة بند التمثيل العادل، فقد تم اختيارها بعناية تامة، مع مراعاة كافة المعايير الجغرافية، القانونية، الأثنية، الدينية والطائفية، أما بالنسبة للمرأة فكان تمثيلها بالمناصفة أي بنسبة متساوية تماماً مع الرجال كما شكلت لجنة مصغرة من 30 شخصاً وفق نفس المعايير، وشارك فيها ممثلون عن المجتمع المدني والأحزاب السياسية، ما فتح الباب أو أعطى الفرصة لأكبر عدد من أفراد المجتمع للمساهمة في صياغة العقد الاجتماعي".

 

التركيز على حقوق المرأة في الديباجة والبنود

وأكدت عبير حصاف أن حقوق المرأة شكلت الأساس في صياغة العقد الاجتماعي "منذ الديباجة وحتى آخر مادة تم التركيز على حقوق المرأة، فمن أول كلمة في العقد "نحن بنات وأبناء شمال وشرق سوريا"، يظهر مبدأ المناصفة بين المرأة والرجل، وقد سلطت الديباجة الضوء على ثورة روج آفا التي قادتها المرأة وأكدت أن الإدارة الذاتية تحترم حقوق المرأة وتعتبر حريتها مبدأ أساسياً"، موضحةً أنه "في المبادئ الأساسية، هناك عدة بنود تؤكد على حرية المرأة، والمساواة، والرئاسة المشتركة، وبناء العائلة الديمقراطية، والكونفدرالية الديمقراطية وكونفدرالية المرأة، جميعها تصب في خانة ترسيخ وحماية حقوق المرأة".

وأشارت إلى دور مجلس المرأة السورية في العقد الاجتماعي "العقد الاجتماعي أقر وجود باب خاص لمجلس المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، كمظلة جامعة لكل التنظيمات النسائية في المنطقة، وأصبحت هذه المظلة جزء من هيكلية النظام المجتمعي في الإدارة الذاتية، كما أن هناك عدد من المؤسسات العاملة ضمن هذا الإطار، مثل عدالة المرأة، ديوان العدالة، دار المرأة، المجالس المحلية والتنفيذية، مجالس الشعوب، وغيرها من المؤسسات، وجميعها تعتمد على مبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة ما يثبت الوجود القوي والفعال للمرأة داخل كل مؤسسات الإدارة، وهذه الأمور تم تثبيتها منذ تشكيل محكمة العقد الاجتماعي وتطبيق البنود فيها، حيث يتم تطبيق مبدأ المناصفة في كل المؤسسات".

 

تنفيذ العقد الاجتماعي وتأثير الهجمات على الانتخابات

وبينت عبير حصاف أن مجالس الشعوب هي الجهة المعنية بتطبيق العقد الاجتماعي والإشراف على تنفيذ بنوده على أرض الواقع "منذ قرابة عام ونصف، بدأت حملة لإعادة هيكلة مؤسسات الإدارة الذاتية، وفي عام 2024، كان هناك استعداد قوي لإجراء انتخابات للبلدية ولكن الهجمات التي استهدفت المنطقة حالت دون إكمال هذه الانتخابات، خاصة وأنها لم تكن تصب في مصلحة الدول المجاورة والنظام البعثي، آنذاك، ولكن حالياً يتم العمل تدريجياً على إعادة تشكيل المؤسسات بما يتوافق مع العقد الاجتماعي، ولكن التدخلات الخارجية منعت استكمال المسار الانتخابي".

 

الموقف المحلي والدولي من العقد الاجتماعي

وعن الموقف الدولي من العقد الاجتماعي قالت "على المستوى الدولي هناك ترحيب واسع بالعقد الاجتماعي، وتمت رؤيته كتجربة فريدة في الشرق الأوسط، أما على المستوى المحلي، فلم يكن هناك قبول واسع وخاصة في غرب سوريا، حيث اعتبر البعض أن العقد يشكل خطراً عليهم، لكن بعد استلام الحكومة السورية المؤقتة زمام الأمور، بدأت تعقد اجتماعات ومفاوضات. فالعقد الاجتماعي ينص على إمكانية تعديله في حال تم التوافق مع الدولة السورية أو تغيرت الخارطة السياسية"، مؤكدة أن "البند 133 من العقد ينص بوضوح على أن العقد قابل للتعديل في حال تم التوافق على دستور ديمقراطي سوري ما فتح المجال أمام المجتمع المدني ولاقى قبولاً واسع، وهذا دليل على أن العقد لا يعني الانفصال عن سوريا، بل بالعكس هو جزء من الحل السوري الشامل".

 

دعوة لحوار وطني شامل من إقليم شمال وشرق سوريا

وشددت على ضرورة إقامة نظام ديمقراطي في سوريا "نطالب بسوريا تعددية لا مركزية، ونحن مستعدون للتفاوض والانخراط في الحل السياسي السلمي، والحكومة المؤقتة التي كانت سابقاً ترفض الفكرة، بدأت الآن تغير موقفها، واتفاقية 10 آذار واضحة بخصوص مكونات المنطقة، وما زالت المفاوضات مستمرة بهدف الوصول لحل يبنى عليه دستور ديمقراطي وعادل".

وترى أنه لا سبيل إلا بالحوار الديمقراطي وبناء سوريا تعددية لا مركزية "كتابة العقد الاجتماعي تعد فرصة حقيقية لكل مكونات مناطقنا لتعيش كما تريد، ومن هنا علينا الحفاظ على هذا العقد وبنوده وتطبيقها، فبمقارنتنا بباقي الجغرافيا السورية، فإن المنطقة تشهد نوع من الازدهار والأمان، وكانت ولا تزال ملاذ لعشرات الآلاف من السوريين، لذلك من واجبنا الحفاظ عليها من أجل حقوقنا، وإدارة شؤوننا بأنفسنا".

واختتمت عضوة منسقية مجلس المرأة في شمال وشرق سوريا عبير حصاف حديثها بدعوة كافة المناطق السورية لكتابة عقد اجتماعي يتناسب مع المرحلة، لأن "تهميش أي منطقة لا يخدم سوريا، والمرأة يجب أن تكون جزء أساسي لأنه كان لها دور كبير في الثورة السورية وثورة روج آفا. وجود المرأة في المرحلة القادمة سيحقق الكثير، ولذلك علينا توحيد آرائنا لبناء سوريا تحتضن جميع المكونات والطوائف، ونعيش فيها بديمقراطية حقيقية".