الحزام الناري... مرض فيروسي يفتك بمسنات إدلب

لا يمكن الاستهانة بمرض الحزام الناري التي قد تؤدي مضاعفاته لأعراض خطيرة، لكن المصابات في مخيمات إدلب تفتقدن للعلاج والرعاية الكافيتين.

هديل العمر

إدلب ـ تواجه المسنات في إدلب آلام الإصابة بمرض الحزام الناري الذي راح ينتشر بشكل لافت بين أوساطهن في عدد من المخيمات النائية والتي تخلو من أدنى مقومات الحياة والرعاية الطبية.

لم تستطع فطوم المرعي الستينية النوم طوال الليل جراء الألم الشديد الذي صاحب أعراض مرض الحزام الناري الذي أصيبت به مؤخراً، تقول فطوم التي راحت تذرف الدموع من شدة الألم أن "الألم لا يحتمل، وهو أشبه بالحرارة الداخلية وسط لهيب الصيف، ما يزيد ألمي وجودي في هذا المخيم البائس، حيث لا رعاية ولا أدوية مجانية".

وتشير إلى أنها لم تحصل على أي عناية طبية حتى اللحظة رغم أنها تشكو المرض منذ أكثر من أسبوعين، باستثناء حصولها على بعض الأدوية المسكنة من ممرضة المستوصف القريب من مخيمها الواقع في بلدة كللي شمال غرب إدلب، والذي يخلو من الأطباء والأخصائيين.

وعن الأعراض المصاحبة للمرض تقول إنها تتمحور حول الشعور بالحرقة، والطفح الجلدي، وألماً في الجلد عند اللمس، إضافةً للصداع، والحمى، والقشعريرة، والشعور بالضعف العام، وألم المفاصل، وألم العضلات وضعفها.

فيما تقول السبعينية صبحية العمر التي تشكو من أعراض مرض الحزام الناري منذ شهرين دون أن تتمكن من الشفاء التام منه حتى الآن "وكأن أمراض القلب والضغط والسكري لم تكن تكفي ليضاف إليها هذا المرض".

وبينت أنها اكتشفت المرض بعد ظهور الطفح على جسمها وبدء الإحساس بالألم، والذي بدأ على شكل بقع حمراء ناعمة تطورت إلى بثور مملوءة بسائل يشبه طفح جدري الماء، وبدا وكأنه حروق من حيث الشكل وشدة الألم.

قصدت صبحية العمر الطبيب أكثر من مرة بمساعدة ابنها، حيث شخص لها المرض ومنحها بعض الأدوية المخففة لأعراضه، ورغم تكرار الأدوية لأكثر من مرة لم تستطع المسنة الشفاء التام منه بعد.

وترجع سبب تأخرها في الشفاء إلى كبر سنها وضعف مناعتها والأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها داخل مخيمات تل الكرامة شمال إدلب بعد نزوحها الأخير من بلدتها معيشورين جنوب إدلب منذ أكثر من ثلاث سنوات.

وتنصح صبحية العمر المسنات المصابات بالمرض بعدم إهمال أنفسهن والسعي للحصول على الرعاية الطبية والأدوية المخففة من آلام المرض التي وصفتها بأنها "لا تحتمل على الإطلاق".

ومرض الزنار الناري، أو الحزام الناري، أو داء المنطقة، أو الزونا، أو الحلأ النطاقي أو العصبي، كلها مسميات لنفس المرض، وهو مرض جلدي نتيجة التهاب فيروسي في عصب حسي معين وسطح الجلد الذي يغذيه هذا العصب، ويتميز بظهور طفح جلدي شديد الاحمرار على مسار العصب المصاب، مع ألم شديد، وشعور بالحرقان، وهذا سبب تسميته بالحزام الناري وفق ما قالته الطبيبة ياسمين الأحمد الأخصائية بالأمراض الجلدية.

وتبين الطبيبة أن مرض الحزام الناري ينجم عن الفيروس نفسه المسبب لمرض جدري الماء (الحماق)، وهو الفيروس النطاقي الحماقي، فبعد الإصابة بجدري الماء لأول مرة يبقى الفيروس مختبئاً في العقد العصبية لمدة قد تصل إلى سنوات عديدة، وإذا ما تم تنشيطه من جديد فإنه يتخذ الأعصاب كخط له حتى يبلغ الجلد على شكل الحلق النطاقي.

وتؤكد أن هذا المرض لا يحدث دون الإصابة الأولية بجدري الماء، وعادة ما يصاب الشخص بهذا المرض مرة واحدة في حياته، ومن النادر أن تتكرر الإصابة به لمرتين أو أكثر، ويصيب المرض جميع الأعمار لكنه ينتشر بشكل رئيسي بين البالغين وخاصةً من هم فوق الخمسين من العمر، ولا يعرف غالباً سبب تنشيط الفيروس، لكن يعتقد أن التقدم بالسن هو أحد الأسباب، إضافة لأسباب أخرى كضعف المناعة والتوتر والانفعال الشديد.

وتشير الدراسات إلى أن نسبة الإصابة بهذا المرض مرتفعة نسبياً، إذ يصاب شخص من بين كل ثلاثة أشخاص بهذا المرض على مستوى العالم.

ومع أن المريض يشفى بشكل تلقائي في معظم الأحيان، إلا أنه لا يمكن الاستهانة بأعراض هذا المرض ولا بمضاعفاته، فرغم ندرتها إلا أنها "شديدة الخطورة"، ويمكن أن تترك أضراراً دائمة كفقدان البصر، ويكمن الحل لمواجهتها بتشخيص الإصابة في مراحلها المبكرة ومعالجتها بالطريقة المناسبة كما تقول الطبيبة ياسمين الأحمد.

وعن طرق العلاج من المرض توضح الطبيبة أن الراحة التامة في المنزل ضرورية عند الإصابة بالفيروس، ويعتبر الغذاء الجيد أساسياً لمكافحة المرض، وغالباً ما يتم الشفاء تلقائياً دون علاج محدد للمرض نفسه، ويكون العلاج لتخفيف حدة الأعراض، وللتقليل قدر الإمكان من احتمالية تطور المضاعفات، وتشمل هذه العلاجات، المسكنات ومضادات الفيروسات، وخاصةً إذا كان المريض يعاني من نقص المناعة، أو كان كبير السن، أو كانت هناك إصابة في الوجه.

ويواجه القطاع الطبي في إدلب عجز عن تقديم الخدمات الصحية الأولية لعدد كبير من المحتاجين إليها لا سيما مناطق المخيمات، وكانت منظمة الصحة العالمية قد وجهت في الخامس من كانون الثاني/يناير 2022 "نداءً طارئاً" لتوفير 257.6 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الحرجة في سوريا، والحفاظ على الرعاية الصحية الأساسية، بما يشمل الاستجابة لكوفيد-19، وتقديم الخدمات المنقذة للحياة وبناء نظام صحي مرن.

وأشارت المنظمة في بيان إلى أنه في عام 2022 "سيكون 12.2 مليون شخص بحاجة للمساعدة الصحية. من بين هؤلاء أربعة ملايين نازح، و1.33 مليون طفل دون سن الخامسة، و3.38 مليون امرأة في عمر الإنجاب".