البيئة الغير مناسبة تفاقم معاناة مريضات سوء الامتصاص

في إدلب عشرات النساء المصابات بسوء الامتصاص تعانين من أعباء المرض نفسياً ومادياً.

هديل العمر

إدلب ـ تعاني نساء مصابات بأمراض سوء الامتصاص في مدينة إدلب، من صعوبات عديدة أبرزها عدم توفر الأغذية البديلة لهن في المنطقة، بالإضافة لعدم اهتمام المنظمات الإنسانية والجهات المسؤولة بالمصابات اللواتي يحتجن إلى نمط وبيئة غذائية خاصة تمكنهن من مواجهة أعباء المرض.

تحاول رندا زيدان (28عاماً) وهي نازحة في مخيمات بلدة أطمة شمال إدلب، التأقلم مع مرضها بحساسية القمح، الذي اكتشفته الشهر الماضي، والذي يحتاج إلى حمية غذائية خالية من القمح ومشتقاته، وهو ما لا يتوفر في محافظة إدلب.

وتعّرف حساسية القمح بأنها إحدى أمراض سوء الامتصاص الناتجة عن اضطراب في المناعة الذاتية، والتي تحدث عندما يتناول المريض أي صنف غذائي يحتوي على مادة الغلوتين الموجودة في القمح أو الشعير أو الحبوب الأخرى، حيث أن ردة الفعل المناعية غير الطبيعية تجاه الغلوتين تسبب تلف تدريجي في الأمعاء الدقيقة، ويكمن العلاج في حمية صارمة مدى الحياة.

وعانت الشابة من أعراض مرضية صعبة وقاسية، ومنها تطبل وألم في البطن، وفقدان الشهية، غثيان وقيء، آلام المفاصل والعضلات، إضافة إلى بول داكن اللون، لتكتشف من خلال التحاليل الطبية والتنظير الهضمي إصابتها بهذا المرض.

تقول رندا زيدان إن إدلب والمناطق التي تحتلها تركيا ومرتزقتها تفتقر للبيئة المناسبة للمصابين بهذا المرض، خاصةً في ظل ندرة المواد والسلع الغذائية الخاصة بمرضى حساسية القمح أو كما يعرف "بالسيلياك" مما يجعل إمكانية التأقلم مع المرض غاية في الصعوبة.

وبينت أنها تواجه العديد من الصعوبات في نظامها الغذائي نتيجة عدم قدرتها على تناول معظم الأغذية المتعارف عليها في المنطقة، حيث يقتصر نظام غذائها على أنواع وأصناف محددة، مما يجعلها ضمن إطار ضيق نتيجة غياب الأغذية البديلة الخاصة في المولات التجارية والأسواق.

وأشارت إلى أنها باتت تعاني من عدة أمراض نفسية مضطربة وصلت حد الاكتئاب، لعدم قدرتها على إتباع الحمية الغذائية التي حددها الطبيب المختص، إذ أنها تعمل على صناعة خبز الذرة منزلياً لعدم توفره في الأسواق، كما تقوم بالتوصية على الدقيق الخاص به، من تركيا أو مناطق سيطرة النظام السوري، وهو ما جعل شرائه مرهقاً بالنسبة لها، خاصة في ظل الأجور "المعدمة" التي يتقاضاها زوجها العامل في مهنة البناء.

بعد أن رحلتها السلطات التركية إلى محافظة إدلب، تعاني ريما الحسين (34عاماً) وهي مصابة بمرض السيلياك من مصاعب الحمية النادرة، لعدم توافر الأغذية التي كانت تستخدمها في نظامها الغذائي في مكان إقامتها الجديد.

وأصيبت ريما بمرض حساسية القمح منذ أكثر من خمس سنوات، إلا أن تأقلمها مع المرض لم يكن صعباً بسبب وجود أصناف وأنواع متعددة من الأغذية البديلة المسموحة في النمط الغذائي الذي تتبعه في تركيا، " كالحلويات، والمعجنات الخالية من الغلوتين" وغيرها العديد من الأصناف الأخرى، مشيرةً إلى أنه يوجد محلات ومولات متخصصة لبيع الأغذية "الخالية من الغلوتين".

وأضافت أنها تفاجأت من غياب هذه الأصناف عن أسواق ومحلات إدلب، مما سبب لها مشاكل عديدة تتعلق بتغيير أغذية الحمية، حيث تعتمد الآن في حميتها على الأرز والخضروات فقط، مما جعل الحمية تسبب لها العديد من المشاكل الصحية أبرزها "فقر الدم" نتيجة افتقارها للعديد من الفيتامينات الغير متواجدة في الأطعمة المسموحة.

ومنذ حوالي الشهرين، عمدت السلطات التركية على ترحيل ريما الحسين برفقة زوجها وأطفالها الأربعة أثناء توجههم إلى مدينة أنطاكية، بحجة عدم حيازتهم على إذن سفر، ليستقر بهم الحال في المخيمات النائية على الحدود السورية التركية.

لم تكن ردينة السليم (26عاماً) وهي نازحة في مخيمات بلدة كللي شمال إدلب أفضل حالاً من سابقاتها حين أصيب طفليها بمرض "حساسية القمح"، لتواجه صعوبات مضاعفة في تنظيم طعامهما ومراقبة حميتهما التي تحتاج إلى تعب جسدي وفكري معاً.

تقول إن معظم عائلة زوجها مصابة بمرض "حساسية القمح" الذي انتقل لطفليها بالوراثة، لتبدأ رحلة بحثها عن المسموح والممنوع في ظل عدم إدراك طفليها لخطورة مرضهما الذي يحتاج للحمية الدائمة.

وأضافت أنها تحتاج لمبلغ 350 ليرة تركية شهرياً لتأمين مادة دقيق الذرة لصناعة الخبز المخصص لولديها، وهو مبلغ تصفه بالكبير إذا ما قارنته مع مدخول زوجها الذي يعمل في ورشات الأراضي الزراعية.

وأشارت إلى أنها وبالرغم من إتباعها حمية صارمة لطفليها، إلا أن ذهابهما إلى المدرسة يزيد من خطورة كسر الحمية كونهما بعيدين عن أنظارها، حيث أنها بدأت تلاحظ عودة الأعراض المرضية على طفلها الأصغر منذ فترة، وبالتحاليل اكتشفت تناوله لمواد غنية بالغلوتين "كالبسكويت، والأغذية الجاهزة والمعلبة".

من جهتها لا تخفي الطبيبة أسماء الرحمون صعوبة التأقلم مع مرض حساسية القمح في مدينة إدلب، نتيجة انعدام البيئة المخصصة للمصابين بهذا المرض، خاصةً في ظل عدم اكتراث الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية بمعاناتهم المتمثلة بفقد أغذيتهم المخصصة من الأسواق، خاصةً وأن عملية الشفاء منه تكمن في إتباع حمية دائمة غنية بالمكملات الغذائية.

وأضافت أن غياب الأغذية الملائمة لمريضات السيلياك خصوصاً والمريضات المصابات بأمراض سوء الامتصاص عموماً، من شأنه أن يسبب أمراض صحية أخرى أبرزها فقر الدم، وهشاشة والتهاب العظام، بالإضافة لمشكلات نفسية تسببها أعباء المرض كالاكتئاب والعزلة التي قد تدفع المصابة لكسر الحمية التي تعد بمثابة الانتحار.

وأشارت إلى أنه يوجد عشرات النساء المصابات بسوء الامتصاص في إدلب، وتعاني معظم هؤلاء النساء من أعباء المرض نفسياً ومادياً، مؤكدة أهمية تسليط الضوء على هذه الفئة من خلال توفير الأغذية البديلة بأسعار مقبولة بالتزامن مع أوضاعهن المعيشية.