وعي التونسيات بحقوقهن... الطريق نحو التغيير

تكافح المنظمات والجمعيات النسوية في المناطق الداخلية لتحسين واقع النساء هناك ومحاربة العنف الظاهرة التي لا زال مسكوت عنها نتيجة الخوف من النظرة المجتمعية المليئة بالدونية.

زهور المشرقي

تونس ـ برغم وجود تشريعات ثورية منذ عقود لحماية النساء في تونس وحقوقهن التي جاءت نتيجة نضالات نسوية، إلا أن النسويات يعتبرن أن الطريق لازال معقداً وصعباً ويحتاج المزيد من العمل والتضحية لخلق واقع أفضل للنساء خاصة مكافحة العنف ضدهن.

في الجهات الداخلية المهمشة في تونس، تكون معاناة النساء مضاعفة نتيجة قلة الوعي والجهل بالقوانين وعدم السماع بوجودها غالباً وهو ما تعمل من أجله الجمعيات النسوية اليوم لتعريف النساء بالقوانين التي تحميهن.

وأكدت النقابية والناشطة الحقوقية منيرة الحليمي، على أن واقع النساء في المناطق الداخلية المهمشة في تونس لازال صعباً بسبب العقلية الذكورية هناك، علاوة على أنهن لا زلن تخفن من نظرة المجتمع لهن، معتبرةً أنها كنقابية تدافع عن حقوق العاملات في الفلاحة والمصانع، أنها لاحظت تزايد العنف بمختلف أشكاله ضدهن خاصةً الاقتصادي "تعاني الفلاحات من انعدام المساواة في الأجور برغم عملهن الشاق، فرواتبهن زهيد ولا تكفي حاجياتهن اليومية ولا تغطي مصاريفهن علماً أن أغلبهن يعلن عائلاتهن".

ومع تلك المآسي والأجور الزهيدة تكافح النساء وتحاربن التحرش في أماكن عملهن كالمعامل أو الأراضي الفلاحية التي يوفرن منها قوتهن، وتمارس ضدهن جميع أشكال العنف التي تنطلق من النقل غير الآمن عبر شاحنات الموت كما هو معلوم، وتحاولن التضحية من أجل تحقيق تلك الاستقلالية المادية وإعالة الأسرة وسد حاجيات المنزل.

وانتقدت عدم تسهيل ولوج النساء إلى امتلاك أرض لإقامة مشاريعهن الخاصة بهن، ففي تلك المناطق الريفية المهمشة أغلبهن يعرفن كيف يتعاملن مع الأرض ومن حقهن ملك أرض واستثمارها في المشاريع.

وعبرت عن غضبها من تردي وضع النساء اقتصادياً في ولايات الشمال الغربي والوسط على غرار ولاية القصرين، حيث يمارس ضدهن كل أشكال العنف ويخشين التبليغ ومقاضاة المعنف زوجاً كان أو أباً أو أخاً، خوفاً من انتقاد المجتمع المصغر الذي يعشن فيه، والذي قد يصل لمرحلة النبذ، مشيرةً إلى أن النساء تترددن من اقتحام الفضاء العام والعمل السياسي لأنهن يعلمن أن جهاتهن لن تتقبل صورتهن وهن مستقلات ومدافعات عن حقوقهن "يخشين تلك الصورة خوفاً من المجتمع وهرباً من العنف الذي لا تتحمله نفسياتهن الهشة".

وعن القانون 58 لمكافحة العنف ضد النساء الصادر عام 2017، تقول "إنه قانون ثوري، سعدنا كناشطات ونساء عند إقراره، فقد ظننا أن العنف سيتراجع، لكن لاحظنا أن وتيرته ازدادت، لأنه لم يُفعل بشكل كامل وقوي، ولا زلن نختصر العنف في جانبه المادي تناسين الجنسي والاقتصادي والعنف الرمزي، لذلك لا تزال المعاناة مستمرة".

وأفادت منيرة الحليمي بأن آليات محاربة العنف في المناطق الداخلية في تونس لازالت ضعيفة، ودعت إلى توفير الإمكانيات لتسهيل ولوج الضحايا إلى العدالة بداية من المستشفى الذي يستقبل المعنفات إلى مركز أمن أو وحدة مكافحة جرائم العنف ضد النساء "أحياناً في بعض المراكز بولاية القصرين مثلاً، بمعتمدية فريانة تحديداً، يتم التحقيق مع المعنفة في فضاء مفتوح أمام الناس، بسبب نقص الإمكانيات، وهو أمر فيه إهانة للضحية وكشف عن معطيات شخصية قد تحل في الإفصاح عنها، لذلك نطالب دولتنا رصد ميزانية للجهات لمكافحة العنف وهذا أملنا، لأن النسب خطيرة وترعبنا".

وتابعت "هناك نقصٌ في الجهات ويجب العمل بشكل مستعجل على معالجته، لأن النساء هناك لسن بخير، كذلك المعنين المكلفين بالبحث، من المهم تدريبهم على كيفية التعامل مع المعنفات، بدل العمل على إعادتهن إلى أسرهن وبالتالي إلى المعنف، ولم نصل إلى مرحلة الإيمان بأن الحق حق مهما أُغتصب وعُنف".

وأضافت "كمشرفة على خلية إنصات لضحايا العنف في خلايا القصرين ،أقول إنه يجب العمل على تعريف المرأة بأهمبة نفسها قبل كل خطوة ، ونحفيزها علة مشي في طريق مقاضاة دون خوف، وأن هداك قانون جاء ليحميها ،وهو معها ليس ضدها ،وبجب إقناعها أن الصمت نجاه العنف هو تشجيع على استمراره وأن ذلك سيصل لأبنتها وأخنها وصديقتها وجارتها ، ولكسر هذه الدائرة ،يجب كسر كل حاجز يعترضها محاولاُ منعها من السير نحو طريق العدالة "، وخلصت إلى أن "كل من يمنعك ويقف أمامك لعدم مقاضاة معنفك ، أنتي قادرة أيضاٌ على مقاضاته والقانون يحميك ".

 

 

من جانبها قالت المحامية والحقوقية فاتن مهناوي، أن محاربة العنف ليس فيه إشكال قانوني حيث أن تونس بلد التشريعات، وتمتلك قانون كامل ومتكامل لمحاربة العنف بكل أشكاله، لكن الإشكالية وفق رؤيتها في مدى جرأة وتجرأ المرأة في تقديم قضية هضم حقها أو تعنيفها "الإشكال في كيفية تنفيذ المرأة تلك القوانين، في أغلب الأحيان تجد الحرج في تقديم شكوى ضد زوجها أو أحد أفراد عائلتها".

وأشارت إلى أن هناك وجود وهم مجتمعي يضع المرأة دائماً في دائرة الضعف وهو ناتج عن حالة الهشاشة المادية، مؤكدةً أنه حتى في صورة عدم قدرة الضحية على تكليف محامي، رصد القانون 58 الإعانة العدلية من قبل المحكمة.

واعتبرت أن الحرمان من الإرث هو أيضاً عنف اقتصادي بإمكان المعنفة مقاضاة من حرمها منه "القانون التونسي يمنح النساء كل حقوقهن، والمهم هو أن تكن واعيات بوجود هذه التشريعات"، موضحةً أن الإشكالية ليست في وضع قوانين بل في المبادرة "يجب أن تركز الجهود الإعلامية والجمعياتية على توعية النساء بحقوقهن وبوجود هذه القوانين والمسار الذي تتخذه حين تقاضي أي طرف".