عشرات جرائم قتل النساء بالجزائر خلال 2021
لم تكن 2021 سنة سهلة بالنسبة للجزائريات، فمنذ مطلع هذه السنة شهدت نسبة العنف ضد المرأة ارتفاعاً ملحُوظاً رغم الجهود الكبيرة لحمايتها والقضاء على كافة أشكال التمييز ضدها من خلال ملائمة التشريعيات الداخلية الجزائرية مع الاتفاقيات القضائية الدولية
رابعة خريص
الجزائر ـ .
جرائم القتل العائلية التي استهدفت النساء، تكفي للتأكد من أن سنة 2021 كانت "الأعنف" و"الأشرس" على الإطلاق.
جرائم مروعة
ومن بين الجرائم المروعة التي أسالت الكثير من الحبر على الورق وأصبحت حديث العام والخاص، حادثة قتل شرطي في الأربعينيات من العمر لزوجته وابنتيه القاصرتين في بلدة "الطاهير" الواقعة بمحافظة جيجل وهي من المدن الساحلية التي تقع شرق العاصمة الجزائرية، ثم وضع حداً لحياته بإطلاق رصاصة على رأسه.
وقبل أشهر من هذه الحادثة المأساوية، أنهى شرطي يعمل في مركز أمني بمحافظة عنابة (شرق العاصمة الجزائرية) حياة زوجته وبعض من أفراد عائلتها كانوا داخل شقتهم بسبب خلافات زوجية.
وفي محافظة وهران (غرب العاصمة الجزائرية) أقدم رجل على ذبح زوجته، ثم سلم نفسه إلى السلطات الأمنية واعترف بجريمته.
وفي تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، استيقظ سكان محافظة سكيكدة (شرقي العاصمة الجزائرية) على وقع جريمة شنيعة راحت ضحيتها امرأة حامل، إذ أقدم زوجها على قتلها بطعنات عديدة قبل أن ينهي حياته شنقاً، وحسبما تداولته الصحافة المحلية فإن الزوجة الراحلة كانت في شهرها الرابع من الحمل وقد تلقت طعنات على مستوى الصدر والقلب، حيث نزفت وتوفيت في مكانها، قبل أن يقدم زوجها على الانتحار شنقاً بمسكنه في ضواحي سكيكدة، وتعود أسباب نشوب الشجار بين الزوجين إلى معاناة اجتماعية بسبب البطالة التي يعاني منها الزوج والذي أصبح عاجزاً عن تلبية متطلبات البيت خاصة وأن زوجته كانت تعاني وضعاً صحياً صعباً بسبب حملها.
وبتاريخ 26 كانون الثاني/يناير 2021، لقيت الإعلامية الجزائرية "تينهنان لاصب" حتفها على يد زوجها، وقبل يومين فقط من هذه الحادثة وبالتحديد في 24 كانون الثاني/يناير، لقيت وردة حافظ في العقد الرابع من عمرها وأم لخمسة أطفال حتفها على يد زوجها بعد أن ضربها على رأسها ثلاث مرات بمطرقة وطعنت خمس مرات في قلبها وقد حدث الاعتداء أمام ابنتها التي تبلغ من العمر 6 سنوات.
وقبل هذه الحادثة وبأشهر فقط تصدّرت العناوين في الصحف والقنوات والمواقع الإلكترونية المحلية والأجنبية قصة شيماء ذات الـ 19 عاماً، التي خُطِفت ومن ثم اغتُصِبت وضُرِبت وحُرِقت وهي حية في بلدة "الثنية" الصغيرة.
54 جريمة قتل في 2021
وتكشفُ الأرقام التي تنشرها بصفة دورية صفحة على فيسبوك مخصصة بحصر جرائم قتل النساء في الجزائر "فيمنيسيدز ألجيري"، أنه ومنذ 2021 تم تسجيل 54 جريمة قتل بحق النساء وسجلت حوالي 60 جريمة أخرى سنة 2020، غير أن هذا الرقم لا يعبر عن الواقع بحسب المجموعة فهناك جرائم مسكوت عليها.
وتقول الباحثة الجزائرية في علم الاجتماع العائلي والاستشارية الأسرية صارة زقاد إن حوالي 35 بالمائة من النساء تعرضن للعنف أي ما يعادل ثلث نساء العالم بمختلف أشكاله من عنف لفظي إلى عنف جسدي ليتعدى ذلك إلى حد القتل وهذا حسب ما صرحت به المنظمات العالمية.
وتكشف صارة زقاد لوكالتنا إن تزايد حالات العنف ضد المرأة المصرح بها خاصة في سنة 2021 راجع إلى أسباب رئيسية من أهمها تدني المستوى المعيشي للأفراد فالفقر يؤدي إلى العنف والقسوة في المعاملة نتيجة المعاناة النفسية والصراع الذي يعيشه الأزواج لتوفير احتياجات البيت واثبتت الدراسات أن الفقر يولد مشاعر القسوة والعدوان لدى بعض الأشخاص.
كما أن التنشئة الاجتماعية القائمة على التساهل واللامبالاة والتدليل الزائد للذكر على حساب الأنثى وعدم العدل بين الجنسين أدى إلى الصراع والفجوة التي نتج عنها العنف المطبق من الطرف الأقوى على الطرف الأضعف.
وتُسلطُ الباحثة الجزائرية في علم الاجتماع العائلي والاستشارية الأسرية صارة زقاد الضوء على الأسباب النفسية كالاضطرابات النفسية والعقلية وجهل الرجل بالتغيرات الهرمونية التي تؤدي إلى اضطراب في الحالة العاطفية والمزاجية للمرأة.
وتؤكد إنه ورغم القوانين التي تجرم فعل العنف ضد المرأة إلا أن النسب المصرح بها في تزايد مستمر دون ذكر ما لم يتم الإفصاح عنه من حالات تعرضت لكل أشكال الأذى ليصل الوضع إلى حالة عنف في كل أسرة، فطبيعة المجتمع القائمة على التماسك الأسري حدت من حرية المرأة بحكم أن عاطفتها تغلب على غضبها فتفضل عدم الإبلاغ عن العنف حتى تحافظ على أسرتها ورابط القرابة بينها وبين الشخص المرتكب للفعل سواء كان زوج أو أخ أو أب، فمعظم حالات العنف المبلغ عنها كانت من شخص غريب أي من خارج المحيط الأسري للمرأة ولا تربطها به أي صلة قرابة .
وتقول رئيسة جمعية نور للمرأة والطفل دليلة حسين، لوكالتنا إن العنف ضد المرأة ظاهرة منهجية لها جذور مغروسة في اختلالات التوازن وغياب التراحم والود بين الأزواج وبين أفراد الأسرة الواحدة.
وحسب ما تقول فقد تفاقمت الظاهر لعدة أسباب من الشخصية والنفسية بينها وجود نسبة عالية من الاضطرابات النفسية مثل اضطراب الشخصية الحدية، أو اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة إضافة إلى الشك والغيرة الزائدة على الزوجة.
وترى دليلة حسين أن الأرقام المعلن عنها لا تعبر عن الواقع المعاش، لأن معظم المعنفات تلجأن للسكوت عن العنف المُمارَس ضدّها والخضوع والاستسلام لأشكال العنف كالسخرية من أجل تجنّب العنف الجسدي الأشدّ، بالإضافة إلى خوف معظم النساء من اللجوء للمحاكم وتقديم شكاوى بسبب قناعتهنّ بعدم وجود قوانين رادعة للعنف، إضافةً للضغط العائلي الذي قد تتعرّض له المرأة في حال تقديم شكوى ضد الرجل، وأحياناً قد يُجبرها الزوج على التنازل عن كامل حقوقها سواءً القانونية أو الشرعية.
وتكشف دليلة حسين إن هناك عدة أسباب اجتماعية أخرى تقف وراء هذه الظاهرة أبرزها الاستناد إلى المعتقدات والعادات والتقاليد والأعراف المُتّفق عليها حول الطريقة المقبولة لتصرّف الناس، لذا تُعدّ المعايير الاجتماعية السلبية من أقوى العوامل التي تؤدّي إلى الممارسات العنيفة بين الأزواج والأكثر تعرضاً للعنف ضد المرأة.
ومن تلك المعايير تذكر المتحدثة قبول المفاهيم الذكورية المرتبطة بهيمنة الرجال ومنحهم حق السيطرة على تصرّفات النساء، واللجوء إلى العنف كوسيلة لحلّ النزاعات وقبوله في المجتمع وقد تمّ تحديد الدور الواضح الذي تؤدّيه الأعراف الاجتماعية في تعزيز العنف ضد المرأة، هناك وجود قبول للعقاب الجسديّ للزوجات عند البعض، بل إنّ البعض اعتبره شيئاً ضرورياً.
وترى دليلة حسين إن هناك مجموعة من الأسباب السياسية التي تقف وراء العنف ضد المرأة وتكمن في القوانين والسياسات والممارسات المنبثقة عنها، فتلك القوانين والممارسات قد يكون لها دور مباشر في العنف ضد المرأة من خلال خلق بيئة تسمح بالعنف أو تتسامح معه وتُبرّره وذلك بسبب محدوديّة أُطُرها التشريعية والسياسية المتخصصة للوقاية من العنف والتصدّي له، إضافةً إلى عدم وجود أيّة عقوبات لمن يُمارس العنف ضد المرأة، أو سهولة الإفلات من العقاب في حال وجوده.
ومن العوامل الأخرى، تشير رئيس جمعية نور للمرأة والطفل إلى تدنّي الفرص الاقتصادية والتي تتمثّل في نقص العمالة وانتشار العاطلين على العمل، فذلك العامل مرتبط بشكلٍ مباشرٍ بالعنف ويزيد من خطره على النساء والفتيات، ويظهر على عدّة أشكال؛ كالعنف الأسري، والزواج القسري، وتزويج الفتيات قبل بلوغهن.
إضافة إلى الفقر المنتشر على نطاقٍ واسعٍ، إذ يُمكن اعتبار كلٍّ من الفقر والبطالة من الأسباب الاقتصادية الأكثر شيوعاً للعنف، فالنساء والفتيات اللواتي يعشن ضمن ظروف معيشية تتميّز بالفقر يتعرّضن لأشكالٍ متعددةٍ من التمييز، وبالتالي قد يواجهن مخاطر متزايدة من العنف، فقد بيّنت الدراسات أنّ النساء والفتيات اللواتي يعشن في فقر هنّ أكثر عرضةً للاستغلال، كما أنّهنّ يُجبرن على الزواج المبكّر بنسبة أكبر من الفتيات اللواتي يعشن في مستويات أغنى.
ومن بين الحلول المقترحة، تقترح المتحدثة الاستفادة من جميع مجالات القانون المدنية الشرعي، والدستوري، والجنائي، والإداري، من أجل معالجة قضية العنف ضد المرأة من الأصل، وحماية النساء اللواتي تعرّضن للعنف والاهتمام بتقديم الدعم لهن، وذلك من خلال وضع أحكام تتضمّن نشر الوعي من أجل الوقاية من العنف، وتحديد حقوق للمتضرّرات من العنف، وتقديم الحماية القانونية لهنّ، إضافةً إلى إنشاء مؤسسات متخصّصة ومجالس وسيطة لنشر الوعي وتقديم برامج أسرية متخصصة لحماية المرأة من العنف، كما يُمكن وضع تشريعات تتضمّن نهجاً متعدد التخصّصات (اجتماعي، نفسي، شرعي، قانوني، أسري) لمعالجة العنف ضدّ المرأة، وذلك من خلال تحقيق التعاون بين عدّة مؤسسات ذات العلاقة؛ كالتعاون بين الشرطة والمحاكم والخدمات الاجتماعية ومُقدّمي الرعاية الصحية.
وتصفُ فاطمة سعيدان الأمينة الوطنية للمرأة وشؤون الأسرة في حركة مجتمع السلم الجزائرية، العنف ضد المرأة بالموضوع الحساس والشائك فهو يُمثل قضية مجتمع.
وتقول لوكالتنا إن الأسباب المُؤدية إلى العنف تختلف وقد تكون نفسية واجتماعية واقتصادية وهي تحتاج إلى دراسة معمقة بسبب تغير الظروف والسلوكيات.
ومن بين أهم أسباب العنف ضد المرأة، تذكر فطيمة سعيدان ارتفاع نسبة الفقر التي أصبحت تمس قطاع عريض من الأسر نتيجة الأزمات التي مرت بها البلاد.
وبحسب الناشطة السياسية والحقوقية فإن البيوت ومنذ بداية جائحة كورونا تحولت إلى مكان خطير جداً بالنسبة للمرأة بسبب ارتفاع نسبة العنف الممارس ضدها، وهو ما أدى إلى تصاعد التحذيرات الطبية مؤخراً من اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية حادة، وتُرجعُ المتحدثة أيضاً أسباب اتساع رقعة هذه الظاهرة إلى غياب دور المجتمع المدني وحتى الأسرة في التوعية.
وفي مستهل حوارها مع وكالتنا، قالت نبيلة بن سالم وهي ناشطة في المجتمع المدني ومهتمة بشؤون المرأة والطفل، إن العنف ظاهرة عالمية ليست محصورة في مجتمع معين أو بيئة معينة أو بلد معين، لكن الشيء المميز أنه ولكل مجتمع عوامل وأسباب سمحت بتفشي الظاهرة خاصة ضد الأطفال والنساء لأنهم الأكثر عرضة للعنف.
ففي الجزائر تقول نبيلة بن سالم إن أغلب الأسباب التي تقف وراء تفشي هذه الظاهرة تعود للضغوطات الاقتصادية والمادية التي يعيشها الفرد الجزائري كعدم قدرته على تلبية حاجياته وحاجيات عائلته، فهذا الوضع يدفعه لممارسة العنف سواء كان عنف جسدي أو حتى عنف لفظي وغالباً ما يكون داخل الأسرة الواحدة.
ومن بين الأسباب الأخرى المتداخلة مع العوامل الاقتصادية، تُشير المتحدثة إلى التنشئة التي ينشأ عليها الفرد الجزائري في المجتمع فهو يرى العنف داخل أسرته ويراه خارجاً في الشارع ويراه حتى في المدرسة منذ صغره فيتبرمج عليه.
وللحد من هذه الظاهرة، تقترحُ الناشطة الجزائرية نبيلة بن سالم استحداث قوانين جديدة تتماشى مع نوع القضايا التي يعيشها الفرد في المجتمع، والتطبيق الصارم لها، وهذا ما يردع كل من تسول له نفسه إيذاء أي طرف سواء نفسياً، لفظياً، وحتى جسدياً.
بعد القانون، تقول المتحدثة إنه يجب على جميع هيئات والمؤسسات والمنظمات سواء الحكومية أو غير الحكومية أن تسلط الضوء على الظاهرة بطريقة معمقة، ليس من خلال ندوات وملتقيات فقط، وإنما بدراسة ميدانية معمقة يتم الاستعانة فيها بخبراء في علم الاجتماع وأخصائيين في علم النفس وباحثين في شؤون الأسرة والفرد والمجتمع لدراسة الأسباب الحقيقية وفق كلٌ مجتمع، فالمجتمع الواحد تتعدد فيه الأسباب وتختلف فيه المشاكل والذهنيات، وعن طريق هذه الدراسات والأبحاث يمكن أن يستشف الباحث الحلول والإجراءات التي تساعد في تقليل هذه الظاهرة.
وتشدد نبيلة بن سالم في ختام حديثها على ضرورة التركيز على دور المجتمع المدني من خلال نشر الوعي وإرساء الثقافة القانونية التي تكون غالباً غائبة عن ذهن الفرد، لأنه ببساطة لا يعرف إن كان من حقه مثلاً أن يرفع قضية أو أن يلتزم الصمت أو يدافع عن نفسه.