قتل النساء في تونس... جدل لم ينتهي بالرغم من وجود القانون

تضاعفت جرائم قتل النساء في تونس خلال أربعة سنوات أربع مرات، وهو ما أثار مخاوف النساء اللواتي تطالبن بقوانين تحميهن ووضع خطة لمحاربة الظاهرة.

زهور المشرقي

 تونس ـ لم يعد الحديث في تونس عن جرائم عنف تستهدف النساء، بل وصلت إلى حد جرائم قتل بطرق بشعة، فهذه تذبح وأخرى تطعن، صوار تخيف التونسيات اللواتي تطالبن السلطة بحمايتهن وتطبيق القانون 58 الذي تصفه الحركة النسوية بالثوري والشامل.

أعادت جريمة قتل امرأة في محافظة القيروان التي تقع في منطقة الوسط التونسي، على يد زوجها في الشارع وأمام المارة بدم بارد، منذ ما يقارب الشهر الجدل الذي لم ينطفئ منذ سنوات عن دوافع ارتفاع نسبة جرائم قتل النساء في ظل وجود التشريع.

وقالت المحامية والحقوقية آية المدب إن ارتفاع جرائم قتل النساء يعود إلى العنف المسكوت عنه الذي يبدأ لفظياً ومعنوياً وتصمت الضحايا عنه تماشياً مع عقلية "الحفاظ على التماسك الأسري"، والذي يزيد الضغط الممارس من قبل العائلة للتطور مروراً بكل المراحل ويبلغ العنف المادي كالضرب والجرح المنصوص عليهما في القانون 58 لمكافحة العنف ضد النساء أو فصول المجلة الجزائية، مشيرة إلى أن الصمت يطور العنف من لفظي بالشتم إلى نفسي يكون الأخطر وقد يدفعهن أحياناً إلى الانتحار، ويتطور فيما بعد إلى قتل بأشكال بشعة.

ولفتت إلى أن العنف المتطور بمراحله بشكل سريع بات آفة تفتك بالنساء في تونس، معتبرة أن طول مسار التقاضي وتكلفته تعيق تبليغ الضحايا وتقف حاجزاً أمام الشكوى، علاوة على الضغط الكبير من القضايا على المحاكم والمحامين/ات والقضاء الذين يعانون من الكم الهائل من القضايا المنشورة في هذا الإطار، مؤكدة أن ذلك من شأنه أن يدفع إلى ازدياد جرائم قتل النساء حيث أن طول المسار وعدم محاسبة المعنف وتركه أحياناً حراً قد يدفعه إلى الانتقام بالقتل.

وعن أسباب وصول العنف إلى القتل أوضحت أن "التمييز الجنسي أو العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، (اعنفك لأنك امرأة)، وهذا قائم على عقلية أبوية ذكورية منذ القدم، فضلاً عن النص الديني المفسر بشكل خاطئ وذلك بإقحام الدين لتبرير العنف المسلط على النساء "واضربوهن"، لكن الدين الإسلامي حقيقة قائم على نبذ العنف ومحاربته".

واعتبرت أن ما يسمى بجرائم الشرف التي حذفها التشريع التونسي منذ سنوات شرعت إلى قتل النساء في المنطقة ككل "في تونس تم التخلي عن هذه الجريمة وباتت جريمة قتل لا تبنى على أي دافع، كما حذف القانون هذا الادعاء لكن بقي في المجتمع، حيث أن الزوج يقدم على قتل زوجته أحياناً لأنه عرف أنها ارتكبت جريمة مخلة للشرف في نظره".

وأشارت إلى أن جرائم قتل النساء في تونس ما بين 2018 و2023 تضاعفت 4 مرات وهو ما يدق ناقوس الخطر عن الوضع الصعب الذي تكابده النساء في ظل هذا العدد برغم وجود قانون ثوري.

وعن إطار العنف الذي يتربى فيه الطفل ويؤثر على شخصيته مستقبلاً أوضحت أن "الطفل الذي يعيش وسط أسرة من أب معنف سيمارس نفس الفعل على زوجته وأخته وحتى النساء في الشارع كردة فعل انتقامية"، محذرة من انعدام الرغبة في الشكوى ومقاضاة المعنف.

وأكدت أن القانون 58 الصادر عام 2017 لمحاربة العنف ضد النساء، لم يحد من جرائم العنف برغم صرامته، متطرقة إلى الرصد الأولي لوزارة الأسرة والمرأة الذي أوضح إن جرائم قتل النساء تضاعفت أربع مرات، و71% من هذه الفظائع يرتكبها الزوج، وهي نسبة تدق ناقوس الخطر، مشيرة إلى خطورة أن تصبح الجرائم في وضح النهار وأمام العلن دون خوف من المحاسبة.

ووفق محدثتنا يوفر القانون 58 الوقاية والحماية وصولاً إلى التعهد بضحايا العنف لكن يبقى الإشكال في التطبيق وتحديد الميزانية الخاصة به لتنفيذه كما جاء تحديداً.

واعتبرت أن مناهضة العنف وقتل النساء تتطلب حزماً من الحكومة وسياسة مدروسة تقوم على توعية الناشئة وتكوين المربين وفق مقاربة حقوقية، مشيرة إلى أن التوعية هي أساس محاربة أي ظاهرة مجتمعية لاعتبار أن القانون 58 ستبدأ نتائجه تظهر للعلن بعد سنوات لا اليوم "الحل يبدأ من الوقاية التي تنطلق من المدرسة".

وأوضحت أنه هناك نقص فادح في مراكز إيواء النساء ضحايا العنف حيث أن الحكومة مطالبة بتوفير أماكن هامة لهن حتى لا تضفن إلى سجل "القتيلات"، لافتة الى أن الحماية أمر ضروري خاصة للنساء اللواتي لا تملكن دخلاً مادياً وغير مستقلات اقتصادياً حتى لا تجبرن على العودة إلى المعنف أو الأسرة التي ترفضهن وتعيدهن إلى منزلهن تماشياً مع مقولة "هني على روحك والي صبرت دارها عمرت".

وأكدت المحامية آية المدب في ختام حديثها على أن المجتمع المدني دوره مهم، لكن لا يمكن أن يتحمل كل المسؤولية نظراً إلى الإمكانيات البسيطة المتوفرة والتي تكون أحياناً منعدمة.