قانون مكافحة العنف ضد النساء... زاد من النسب ولم يحدّ منها... أين المشكلة؟
جاء قانون مكافحة العنف ضد النساء رقم 58 الصادر عام2017، نتيجة نضالات نسوية وحقوقية منذ عقود من الزمن، وقد اعتبر خطوة مفصلية لمجابهة العنف بمختلف أشكاله
زهور المشرقي
تونس ـ ، في وقت تشكو نسويات من ضعف الدعم السياسي والإرادة الحقيقية والتمويل لوضع القانون على طريقه السليم للقضاء على التمييز ضدّ النساء والمضي نحو تنفيذه وإيجاد الآليات الواقعية لذلك.
تنتقد النسويات سبل تطبيق القانون خاصة مع تضاعف نسب العنف بنحو سبع مرات في ظرف سنة بحسب إحصائيات رسمية، حيث زادت ظاهرة العنف الزوجي بنسبة تقارب 75 في المائة من حالات العنف المبلغ عنها على الخط الأخضر 1899 منذ كانون الثاني/يناير الماضي، وهي أعلى النسب المسجّلة منذ سنوات، فيما كشفت دراسة لمؤسسة "أمرود كنسلتنغ" عن أن 90 بالمائة من الناشطات السياسيات أكدن تعرضهن للعنف خلال السنوات الأخيرة.
كما لم تسلم المرأة التونسية من العنف الاقتصادي وهي الأكثر تضرّراً خلال جائحة كوفيد ـ 19، بعد فقدانها موارد رزقها بسبب إغلاق بعض المؤسسات وضعف الدعم الحكومي للمشاريع الخاصة بالنساء، وقد حرمت النساء من المنحة التي أقرّتها الدولة خلال الأزمة، وقد اتضح ذلك بعد تسجيل تونس تراجعاً ملحوظاً في ترتيبها ضمن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بخصوص الفجوة المبنية على النوع الاجتماعي؛ بسبب استمرار هيمنة الأعراف المجتمعية والأفكار النمطية، التي تحد من المساواة بين الجنسين.
لماذا لم يحدّ قانون مكافحة العنف من مختلف هذه الأشكال التي مسّت النساء في تونس؟
تقول الناشطة الحقوقية أسرار بن جويرة، لوكالتنا إنّ القانون الذي اعتبر مكسباً للنساء والذي تضمّن عدة أنواع من العنف كالعنف النفسي والعنف الاقتصادي والسياسي والتحرش الجنسي، كان بمثابة الثورة لحماية النساء حيث من المفترض أن يقضي على العنف عبر التعاون بين مختلف الهياكل والوزارات (المرأة والعدل والتربية والداخلية) للعمل على حسن التطبيق عبر آليات حقيقية وواقعية وضمان حُسن التنفيذ عبر مختلف الإجراءات من الحماية والتعليم وصولاً إلى المتابعة القانونية وخاصة إجراء الإحاطة النفسية والاجتماعية بالنساء ضحايا العنف.
وبينت بأن "المشكلة تتجلّى في آليات التنفيذ فضلاً عن تنصّل الدولة من مسؤولياتها وعدم توفير الدعم الكافي منذ تمرير القانون عام2017، حيث لم يتم رصد الميزانية الكافية التي من شأنها أن تتمكن من حسن تطبيقه على أرض الواقع".
وأفادت أسرار بن جويرة بأن التقصير من الدولة وراء ارتفاع نسب العنف بشكل مرعب بلغ درجة الإجرام، مشددة على أن تطبيق أي قانون يتطلّب إرادة ووعياً سياسياً بخطورة ما يتسبّب فيه العنف بمختلف أشكاله.
وتطرّقت الناشطة الحقوقية إلى غياب وجود مراكز لإيواء النساء ضحايا العنف، ليتم إبعادهن عن معنِّفهن حتى لا تتطوّر الأمور إلى درجة القتل والإجرام، والوقائع في هذا المقام كثيرة ومن ضمنها حادثة مقتل رحمة الشارني على يد زوجها الأمني بالرصاص، وغيرها من الضحايا اللواتي قد لا نسمع عنهن، مشيرة إلى أن من الخطر أن تظل المعنّفة في نفس مكان وجود معنّفها بسبب عدم وجود أماكن للإيواء باستثناء جمعية "بيتي" وهي غير قادرة على إيواء كل الضحايا.
مشكلة مراكز إيواء المعنّفات
لفتت محدثتنا النظر إلى أهمية توفير ميزانية لفتح مراكز للإيواء واعتبار ذلك أولوية قصوى للضغط على ارتفاع النسب والتصدّي لقتل النساء في تونس التي باتت غير آمنة لهن، حيث إن المجابهة تتطلّب أيضاً توعية الجميع بمن في ذلك الأطفال عبر آليات متنوعة للتحسيس بخطورة ما تعيشه المرأة بسبب العنف.
وأضافت "أرى أن الدولة لا تدرج ضمن أولوياتها حماية النساء وتطبيق القانون وخلق آليات حقيقية لفرض تنفيذه والتخفيض من النسب التي باتت تهدد حياة النساء، صحيح أن القانون قد أنصف النساء من جهةٍ ما، لكنه يتطلّب جهوداً أكبر للتنفيذ الحقيقي عبر معاينة كل ما يتطلّبه حتى يكون مثالاً نتصدّى به للعنف".
وبدورها تعتبر الناشطة الحقوقية هزار الفرشيشي، أن الحجر الصحي الشامل الذي عاشته تونس السنة الماضية زاد من نسب العنف ضدّ النساء داخل الأسرة والمجتمع على حد سواء، مرجعة ذلك إلى الضغط النفسي والأزمة الاقتصادية التي سبّبتها جائحة كوفيد ـ 19.
وقالت هزار الفرشيشي إنّ القانون رقم 58 الصادر عام2017، لن ينجح وحده في الحدّ من نسب العنف ضد النساء خاصة مع التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي والأعمال السينمائية والدرامية التي تشرّع بطرق ما للعنف، والتي يتابع من خلالها المتلقّي كل أشكال العنف المادي والمعنوي وحتى الجنسي في تشريع له عبر التطبيع معه وكأنه أمر عادي وجب التعامل معه وقبوله.
وتطرّقت الحقوقية التونسية إلى اطمئنان بعض الرجال في أغلب الحالات لكون المرأة لن تتقدّم بشكوى إلى الجهات الأمنية حفاظاً على عائلتها وخوفاً من تلك النظرة الدونية التي تلاحق ضحايا العنف وكأنهن مذنبات.
وشدّدت هزار الفرشيشي على أهمية وضع آليات لتنفيذ القانون، مشيرة إلى أن الإشكال يتمثّل في كيفية التنفيذ وفهم القانون، محذّرة في ذات الوقت من عدم تطبيقه ما ينجرّ عنه عنف لا يعرف حدوداً بلغ حدّ القتل والتنكيل وقطع الأذنين.
جهل بالقانون
تحدّثت هزار الفرشيشي عن عدم معرفة بعض النساء من ضحايا العنف إجراءات القانون حين يتعرضّن للعنف حيث لا يتسنّى لهن النّفاذ إلى المعلومات اللّازمة من قبل الهياكل المختصة فيلجأن إلى مركز الشرطة القريب من مقر سكنهن والذي غالباً ما يكون غير مؤهّل للتعهّد بهن، مذكّرة بأن الفصل 24 من القانون سالف الذكر قد نصّ على إحداث "وحدات مختصة بالبحث في جرائم العنف ضد المرأة" تقتصر مهمتها على استقبال ضحايا العنف من النساء وتوجيههن، علماً أن عدد الوحدات المختصّة بلغ 128 وحدة تتوزّع في جميع أنحاء البلاد، إلا أنها ظلّت غير كافية لاعتبار عدم قدرة النساء في الأرياف والمناطق المهمّشة الولوج إليها، وفق تعبيرها.
وتتفق محدثتنا مع بقية الحقوقيات على أن المشكلة ليست في القانون في حد ذاته بل في عدم فرض آليات عملية لتنفيذه وعدم تعميم الفرق المختصة في الأرياف والمناطق النائية كما هو الحال في المدن والعاصمة حتى لا تتعرّض حياة الضحية إلى الخطر من قبل معنّفها أباً كان أو أخاً أو زوجاً.
مشكلة القانون
إنّ إجبار الضحية أحياناً بعد أن تتوجّه إلى مركز الشرطة التوجّه بمفردها إلى مكان الوحدة المختصة بسبب ضعف الإمكانيات لوزارة الداخلية كافتقار الوحدات لسيارات، أمر يقلق الحقوقيات لاعتبار ذلك قد يعرّض الضحية للخطر مع إمكانية ملاحقة معنّفها لها.
وتنتقد الحقوقية اتّباع الوحدات المختصة والمراكز توقيت العمل الحكومي الذي لا يتعدى ثماني ساعات فقط من يوم الاثنين إلى الجمعة لتغلق أبوابها خلال عطلة آخر أيام الأسبوع والتي تتزامن مع ذروة الاعتداءات، وتدعو إلى السعي لجعل عملها دائماً ضمن فرق يومية وأخرى ليلية.