حكمت المصري: قوانين العنف مجرد حبر على ورق والمقربين يشكلون الخطر الأكبر

ازدادت معدلات جرائم قتل النساء التي تعد أقسى وأشد أنواع العنف الممارس ضدهن، في الآونة الأخير بفلسطين، وشكل ذلك خطراً كبيراً على النسيج المجتمعي

نغم كراجة
غزة ـ .
يعد العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك العنف الأسري، انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان للنساء والفتيات، ويعكس هذا العنف ويعزز التمييز ضدهن، ويؤدي إلى استمرار حلقة العنف والقتل المفرغة التي تضر بتقدم ونمو النساء والفتيات.
وعن جرائم قتل النساء بينت الباحثة والمستشارة الأسرية حكمت المصري لوكالتنا، أن فلسطين تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في عدد جرائم قتل النساء والعنف ضدهن بالرغم من أن مركز الإحصاء الفلسطيني أعلن مع نهاية عام 2020، أن هناك انخفاض في معدل الجريمة خلال انتشار جائحة كورونا بنسبة 23% مقارنة مع الأعوام السابقة.
ووثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان منذ بداية العام الحالي 2021، مقتل 4 نساء، امرأة في الضفة الغربية و3 نساء في قطاع غزة.
وعن الفئة العمرية الأكثر تعرضاً للعنف قالت حكمت المصري أن منظمة الصحة العالمية أكدت أن النساء الأصغر سناً من أشد من يتعرضن للمخاطر، مشيرةً إلى أن قطاع غزة شهد مقتل أكثر من امرأة خلال شهر حزيران/يونيو الفائت.
وأكدت أن المقربين للمرأة من الدرجة الأولى يشكلون الخطر الأكبر الذي يكمن وراء ازدياد حالات العنف، "من المفترض أن يكون المقربون مصدر الأمن والأمان للنساء". 
وعزت حكمت المصري السبب في عدم الإعلان عن الأرقام الحقيقية لنسب العنف والقتل التي تتعرض لها النساء والتي أصبحت ظاهرة مثيرة للقلق في العالم أجمع، إلى تكتم بعض الدول عن إعطاء كافة البيانات حول أعداد النساء اللواتي يتعرضن للعنف.
وقالت إن "البيانات الجديدة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية وشركائها تشير إلى أن امرأة واحدة من كل ثلاث نساء، أي حوالي 736 مليون امرأة، تتعرض أثناء حياتها للعنف البدني أو الجنسي تقريباً، وهو عدد لم يتغير طوال العقد الماضي".
وأكدت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها نشر في 19 آذار/مارس، أن هذا العنف يبداً مبكراً حيث تكون واحدة من كل 4 نساء شابات تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عاماً، ممن ارتبطن بعلاقة عاطفية، قد تعرضت بالفعل لعنف الشريك ببلوغها منتصف العشرينيات من عمرها.
وعن أسباب انتشار ظاهرة قتل النساء في فلسطين بشكل كبير، قالت "لانتشار هذه الظاهرة عدة عوامل منها غياب الوازع الديني لدى الممارسين للعنف، إضافة إلى غياب التشريعات وعدم تطبيق القوانين التي تحمي المرأة".
مشيرة إلى أن سوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية وانتشار البطالة والفقر خاصة بين الشباب، يساهم أيضاً في حدوث جرائم قتل النساء، "أن الوضع الاقتصادي سبب رئيسي يؤدي إلى حدوث جرائم القتل بحق النساء، وأغلبها بسبب مطالبتهن بحقهن في الميراث".
وتقتل معظم النساء على يد الشريك إثر الخلافات الزوجية، فالشابة استبرق بركة البالغة من العمر (19) عاماً من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، قتلت على يد زوجها محمد أبو عاصي ذا الـ (25) عاماً إثر اعتدائه عليها بالضرب المبرح مما أفقدها حياتها وجنينيها، نتيجة اعتراضها على زواج شقيقتها الوحيدة من شقيقه.
كما أن إهمال عائلات الضحايا وتسترهم على العنف الذي يتعرضن له خوفاً من وسم الطلاق، يساهم في ارتفاع نسب جرائم قتل النساء، فتبين قضية صفاء شكشك التي قتلت على يد زوجها إثر الضرب حتى الموت، وكان والدها قد حاول حل الخلاف بين الطرفين في المرة الأولى ولكنه أعاد ابنته إلى زوجها الذي قتلها فقط لأنها لم تمنحه 20 شيكل. 
في كلا الحالتين لم يردع القانون مرتكبي الجريمة بذريعة أن القانون لا علاقة له بجرائم الشرف والأسرة، بالرغم من اعتماد قوانين كثيرة لحماية المرأة من العنف وتجرم القتل، حيث أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عام 2018 قرار قانون رقم 5 بشأن تعديل قانون العقوبات رقم 16 لعام 1960 وتعديلاته، كما أقر بتعديل المادة 99 من القانون الأصلي بإضافة نص جديد يحمل الرقم 5، على أن يستثنى من أحكام الفقرات السابقة الجنايات الواقعة على النساء والأطفال، كما ألغى القرار بقانون المادة 308 من القانون الأصلي.
تلك القوانين ما زالت غير مفعلة ولا يتم تطبيقها رغم مطالبة العديد من المؤسسات الحقوقية والنسوية بتطبيقها وسن قوانين جديدة لحماية المرأة من القتل والعنف بشتى أشكاله وأنواعه.
تقول حكمت المصري حول القوانين التي سنت للحد من جرائم قتل النساء أنها مجرد حبر على الورق "القوانين لا تحمي المرأة الفلسطينية وتنصفها، بدليل أن موضوع الشرف أصبح ذريعة القاتل الوحيدة حتى لا يعاقب".
وتساهم الأعذار المخففة والتي يمنحها القانون للقتلة في زيادة نسبة جرائم قتل النساء بفلسطين، تحت ذريعة الشرف، وغيرها التي تنص على إعطاء الإذن لولي الأمر الذكر في العائلة لقتل المرأة ذات صلة القرابة من الدرجة الأولى في بعض الحالات التي تشير لها المواد 340 و98 من قانون العقوبات الفلسطيني.
وعبرت حكمت المصري عن أسفها من عدم تفعيل القوانين التي وضعتها البلاد لحماية المرأة الفلسطينية إضافة إلى القوانين التي تجرم القتل على أرض الواقع، "رغم مطالبة العديد من المؤسسات الحقوقية والنسوية بسن قوانين جديدة لحماية المرأة وتطبيقها، ما زالت القوانين غير سارية المفعول ولا يتم تطبيقها".
ونوهت إلى أن فلسطين ما زالت تعتمد العديد من قوانين الدول المجاورة وخصوصاً قانون العقوبات، فالضفة الغربية ما زالت تعمل بالقانون الأردني لعام 1961، أما قطاع غزة فيعمل بالقوانين المصرية لعام 1956.
وحول كيفية حماية المرأة الفلسطينية من الاضطهاد والتعنيف ورفع صوتها المكلوم، طرحت حكمت المصري عدة طرق منها "تعزيز دور المؤسسات الحقوقية والنسوية في المجتمع، إضافة إلى تكثيف الدور التوعوي عبر وسائل التنشئة الاجتماعية المختلفة التي تشمل الأسرة والمدرسة والمسجد والنوادي والمؤسسات الاجتماعية ووسائل الإعلام بأنواعها للوقوف بجانب المرأة ودعمها ومساندتها للحصول على حقوقها، والتعاون مع وزارة المرأة لتأمين بيوت الأمان للمعنفات، وإعداد برامج تأهيل تمكنهن من بناء شخصياتهن".
وفي ختام حديثها أكدت الباحثة والمستشارة الأسرية حكمت المصري أن لتطبيق القوانين دور كبير في حماية النساء "تطبيق القوانين والتشريعات خصوصاً قانون العقوبات وعدم التساهل مع المجرمين خاصة في قضايا الشرف والأخلاق التي يستخدمونها كقناع خفي لجريمتهم، ودعم المؤسسات النسوية وضرورة حماية النساء اللواتي يتعرضن للعنف من خلال توفير أماكن آمنة لهن والتشديد على وزارة الصحة بالتدقيق على الحالات المعنفة والبحث في أسباب العنف في جرائم القتل حتى لا ينجو القاتل بفعلته، وذلك سيحد من انتشار جرائم قتل النساء".
وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في فضح العديد من قصص العنف وجرائم قتل النساء، وأوصلت العديد من القضايا إلى الرأي العام العالمي، إلى أنها تبقى غير كافية.