في الشرق الأوسط... أزمات وحروب ونضال ضد العنف في 25 نوفمبر ـ 1ـ واقع نساء تونس ليس "وردياً"

تخشى الناشطة التونسية رجاء الدهماني من ضياع مكتسبات الثورة وتجزم أن التغيير والنهوض بواقع البلاد يتطلب تظافر الجهود بين السلطة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، معتبرة أن أي تفرد من أي جهة كانت لن يخدم البلاد الغارقة في العديد من المشاكل.

زهور المشرقي

تونس ـ برغم ما حققته النساء في تونس منذ الاستقلال من تشريعات تقدمية كانت مصدر تميّز، إلا أن السنوات الأخيرة بعد الثورة برزت مخاوف جديدة نتيجة رؤى رجعية حكمت البلاد وحاولت السيطرة وضرب حقوق النساء بل سعت إلى إقامة حكم يشجع على الكراهية ضد النساء لولا الأصوات الحرة الديمقراطية والتقدمية التي وقفت أمامها واحبطت مساعيها.

قالت الرئيسة المنتخبة حديثاً للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات رجاء الدهماني، إن الجمعية كررت موعدها الديمقراطي بانتخاب مكتبها الجديد المكون من 9عضوات، بفضل جهودهن وتظافر جهود الشركاء وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي وفّر الفضاء لإجراء المؤتمر في تحدٍ لكل الرهانات، معتبرة أن التحديات المنتظرة كثيرة لخدمة قضايا النساء العديدة.

ولفتت إلى أن الجمعية تسلط الضوء على الأوضاع سواءً في تونس أو المنطقة أو العالم لما لها من تأثيرات على النساء، وتصبو إلى فضاء ديمقراطي متفتح يؤمن بالحريات ويضمن الحقوق، مؤكدة أن ملفات كثيرة تنتظر الجمعية في علاقة بقتل النساء الظاهرة التي تتفاقم بشكل يومي وتعتبر مؤشراً خطيراً في بلد ناضلت فيه النساء منذ الاستقلال من أجل حمايتهن بالتشريعات "لازال أمامنا الكثير للقضاء على آفة قتل النساء، خاصة وأن القانون وحده لم يعد كافياً، ويحتاج استراتيجية محكمة".

وأشارت رجاء الدهماني إلى الملفات السياسية الحارقة في علاقة بسجينات الرأي وحتى السجناء الذين يقبعون في السجون وتم الحكم عليهم أحكاماً قاسية ومجحفة بسبب مواقف وآراء، مؤكدة أن "حرية التعبير يكفلها دستور 25 تموز ونص على هذا الحق لكن الواقع يتنافى مع الأحكام".

وأفادت بأن المحافظة على المبادئ الإنسانية لحقوق الإنسان تتطلب تظافر الجهود واحترام الفصول الدستورية التي تحدثت عن أهمية حماية حرية التعبير والصحافة والنشر والرأي، علاوة على رهانات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية خاصة مع هذه الظروف الصعبة وطنياً وإقليمياً والتي تمس النساء بشكل أولي وتتأثرن بها لاعتبارهن الفئة الهشة المستهدفة دائماً.

وعن العنف المستفحل ضد النساء والذي بلغ مرحلة القتل، تحدثت عن القانون 58 الصادر عام 2017، الذي جاء لحماية النساء من العنف والجريمة، لكن الصادم ارتفاعها "ارتفاع جرائم القتل هو مؤشر خطير في بلد كان سباقاً في إصدار مجلة الأحوال الشخصية التي حفظت حقوقهن وحاربت تعدد الزوجات ومنحتهن الحق في الطلاق ونظمت الأسرة، ما نخشاه أنه في العام السابق سجل قتل 27 امرأة وهذا العام سُجلت 23 امرأة أغلبهن على يد أزواجهن، منذ كانون الثاني حتى تشرين الثاني، وهي نسب مرتفعة ومخيفة".

وانتقدت عدم تطبيق القانون بالشكل الذي كان مرتقباً ليتمكن من مقاومة العنف بمختلف أشكاله وهو من دور الحكومة ووزارة المرأة التي يجب أن ترصد له الإمكانيات اللازمة والميزانية وتفرض تنفيذه بالشكل الذي ورد عليه، لافتة إلى أن توفير الإمكانيات من ضروريات إنجاح إنفاذ أي قانون مهما كان "بداية من الوحدات المختصة في مراكز الأمن التي تستقطب المعنفات وتسمعهن لتوجههن إلى مراكز الإيواء أو المحاكم وصولاً إلى الإعانة العدلية التي يتحدث عنها القانون ولا تتوفر إلا بإجراءات معقدة تعرقل مسار التقاضي وقد تدفع بالضحية للتراجع".

وحذرت من ظاهرة الافلات من العقاب وهي خطوة تشجع المعنف على ارتكاب المزيد من الجرائم، فضلاً عن مأساة التأخر في إصدار الأحكام ضد القاتل أو المعنف لسنوات برغم أنها مؤكدة "جريمة رفقة الشارني مثلاً برغم أنها كانت أمام العامة وبسلاح زوجها الأمني صدر الحكم بعد ثلاث سنوات، وهناك جرائم بقيت 10 سنوات كلها تساهم في ارتفاع جرائم القتل".

وقالت رجاء الدهماني إن جرائم قتل النساء في تونس تضاعفت 4 مرات منذ عام 2018 حتى حزيران/يونيو 2023، مشيرة إلى أن التقارير قد أكدت أنه 52.17% من النساء ضحايا القتل هن من المتزوجات.

وعن استراتيجية الجمعيات للعام المقبل لمكافحة العنف، أوضحت أن الجمعية أنشأت منذ التسعينات مركز التوجيه والانصات لضحايا العنف وتستقبل المعنفات ولديها عمل متكامل من الإحاطة والترافع عليهن ومرافقتهن ودعمهن لتجاوز صدماتهن من العنف وإعادة إدماجهن في الحياة العامة "لكن اليوم نجابه ملف أخطر وهو قتل النساء ونحاول العمل من أجل حقهن في الحياة والتحرك في فضاء مجتمعي آمن وحر".

وعن واقع النساء بعد الانتخابات الأخيرة البرلمانية والرئاسية في تونس ومدى تمثيليتهن، أوردت "حين نعود بالتاريخ إلى عام 2011 زمن الثورة كانت نسبة تمثيليتهن في مجلس نواب الشعب 29% وفي 2014 ارتفعت إلى 31%، وفي عام 2019 بدأت في التراجع ووصلت 24%، أما عام 2024 لم تتجاوز تمثيليتهن 10%، وهو تراجع حاد لم نتصوره من ناحية التموقع في مراكز القرار، علاوة على تراجع نسب وجودهن في التشكيلية الحكومية بعد أن كن ممثلات برئاسة حكومة وتسعة وزيرات".

ولفتت إلى ضرب مسألة التناصف الذي كان مكسباً حقيقياً حققته الحركة النسوية بنضالاتها، والذي مكن النساء من المشاركة في الحياة العامة والسياسية بقوة والهياكل الانتخابية ونجح في ترفيع النسب ليكن صوتاً قوياً في الهياكل المختلفة، لكن دستور 2022، برغم محافظته على التناصف ربطها بالتزكيات التي ساهمت في ضياع حق التناصف وهي ترتبط بالعقلية الذكورية ولازالت تثق بتمثيلية الرجل على حساب المرأة"، مشيرة إلى أن من ناحية مبدأ تكافؤ الفرص لا تزال تونس متراجعة مقارنة بالدول التي تؤمن بالديمقراطية والمساواة.

وعن واقع حرية التعبير اليوم في تونس، بينت رجاء الدهماني أنه "في الجمعية نرفض كل المراسيم والقوانين التي تحدُّ من حرية التعبير والحريات الفردية والعامة، للأسف ورد المرسوم 54 الذي نعتبره ضرباً لأبرز مكاسب الثورة وهي حرية التعبير ونتائجه أمامنا جميعاً حيث بات السجن مفتوحاً أمام الناشطين والصحفيين والمواطنين ومختلف الفئات، وأصبح هؤلاء عرضةً للمحاكمة والاعتقال، نتيجة رأي قد يكون مخالف للسلطة أو هياكلها، إضافة إلى أهمية التنصيص أن العقوبات مجحفة وغير مقبولة، سيما وأن أربع سنوات بسبب تدوينة على الفيسبوك أمر لا يقبل وغير منطقي".

وعن موجة إيقاف مجموعة من صانعي وصانعات المحتوى الأيام الأخيرة، أكدت رجاء الدهماني، أن المحاكمة تتم على أساس قانون قديم صدر منذ عام 2004 يتعلق بالأخلاق الحميدة (الفصل226مكرر، حيث يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وغرامة مالية قدرها ألف دينار حوالي 320 دولار كل من يعتدي علناً على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علناً إلى مضايقة الغير بوجه يخل بالحياء).

وأشارت إلى تجديد العمل به، متسائلة "ما معنى الأخلاق الحميدة التي يحاكم من أجلها النشطاء، هل أن الأخلاق الحميدة نفسها الموجودة في العاصمة والجهات الداخلية أو الجنوب التونسي؟، هل نحتكم لنفس الأخلاق؟، نعلم أنه حتى على مستوى المصطلحات نختلف في التفسير، لذلك هذا التقييم فيه خلل، وبأي حق نصدر أحكاماً على آليات تكنولوجية خاصة لمجرد نشرها محتوى ما؟، وإن حدث الخطأ هناك عقوبات بديلة ومن واجب الحكومة وضع صمامات أمان لحماية الأسرة وحماية ذائقتها العامة، أما السجن لن يكون الحل، وحتى الشباب قدم مقترحات للقيام بالإصلاح، وأجزم أن الأحكام لا تليق بمستوى المخالفة".

وقالت إن الحراك النسائي والنسوي في تونس مستمر بالنضال، برغم تدهور وضع الحقوق والحريات "النضال من أجل تحقيق المساواة التامة والفعلية وطرح العديد من الإشكاليات المتعلقة بوضعهن ومواصلة لطرح القضايا العميقة من أجل تقوية قدراتهن".

وأضافت أنه برغم أن التشريعات التي وضعتها الحكومة منذ فترة الراحل الحبيب بورقيبة قد حققت العديد من المكاسب أبرزها مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 التي منعت تعدد الزوجات والزواج العرفي وفرضت الطلاق في المحاكم المدنية وحق النساء في طلب الطلاق وغيرها من الحقوق، وصولاً إلى سن تشريعات كانت ثورية في وقتها على غرار قانون يسمح بالإجهاض الآمن في التسعينات وآخرها قانون كان الأول على مستوى شمال أفريقيا والمنطقة وهو القانون 58 لمكافحة كل أشكال العنف ضد النساء، غير أن الواقع وفق قولها لا يبدو "وردياً"، حيث بانت أزمة حقيقية تراجعت عبرها بعض المكاسب.

وأوضحت أنه "مع الثورة كنا نطمح إلى تطوير التشريعات وخلق أخرى، لكن طلت علينا رؤى جديدة كانت ضاربة في الرجعية تجاه حقوق النساء وبلغ الوضع التفكير في المس من حق الاجهاض، وأصبحنا نتحدث عن النساء المكملات عوض النساء المساويات، وكان هنا ارتباكاً، لكن بوقفة المناضلين والمناضلات حاولنا محاربة هذا التفكير وكان دستور 2014 محفزاً لهن وحامي لحقوقهن".

وذكرت رجاء الدهماني أن "اليوم يتملكنا الخوف من التراجع على بعض هذه المكاسب والخشية من فقدانها خاصة مع المناخ السياسي العام الذي يبرز في تعامل مع القضايا العادلة عكس تطلعاتنا، ولا ينبئ الوضع بخير، وقد لاحظنا نتائج ضرب الحق في التناصف الذي خلق مشهداً سياسياً ذكورياً، فضلاً عن المس من الحريات ونتائجها المقبلة".

وعبرت عن خشيتها من أن يحد التراجع من حرية التعبير في المطالبة من قوانين جديدة للنساء أو تطوير المكتسبات الموجودة "حتى المراسيم التي تصدر تباعاً، لا يوجد مرسوماً يتناول وضع التونسيات الصعبة إلا المرسوم 4 الذي أصدر عام 2024 والذي يحمي حقوق النساء الفلاحات، وفي قراءتنا الأولى لاحظنا العديد من الهنات التي يجب تجاوزها".

وعن الحلول التي تقترحها رجاء الدهماني لتجاوز كل هذا الوضع، أوضحت "أولاً نحن بحاجة إلى التهدئة السياسية ومناخ سياسي ديمقراطي يؤمن بالحريات لنمر إلى ما هو أهم، نحن ننتظر فتح باب الحوار بيننا وبين السلطة، ويجب أن يقع التشاور بين مكونات المجتمع المدني والأحزاب السياسية مع السلطة للنهوض بتونس معاً".

وتابعت "إذا نتطلع إلى البناء والتشييد يجب أن نتشارك معاً دون إقصاء وتفرد، ونؤكد على حرية عمل الجمعيات والابقاء على المرسوم 88 لعام 2011، وأهمية تفعيل أحكام الدستور فيما يتعلق بالحريات والحقوق ونطالب بالحفاظ على مكتسباتنا وتطويرها".