في عيدهن.. نسويات: مجلة الأحوال الشخصية تجاوزها الزمن وحان وقت مراجعة بعض البنود التي تكرس الذكورية

تحتفل تونس بعيد المرأة في الثالث عشر من آب/أغسطس من كل عام، ويصادف التاريخ هذا العام الذكرى 65 لصدور مجلة الأحوال الشخصية، التي تعتبر نصاً تشريعياً يرعى حقوق المرأة وحريتها

زهور المشرقي
تونس- .
هذه الذكرى ترتبط بمسار تحرّر المرأة الذي جاء تتويجاً لحركة التنوير التي خاضتها نسويات ونخبة متنوّرة في فترات متتالية أمثال منوبية الورتاني وحبيبة المنشاري ودرة بوزيد.
يشار إلى أن قانون الأحوال الشخصية هو مجموعة من التشريعات التي أحدثت تغييرات جذرية ومهمّة في مسيرة تحرير المرأة، وقد ساهمت تلك التشريعات في منع تعدد الزوجات، وأرست شكلاً قانونياً للطلاق، وفرضت شرط الحصول على موافقة كلا الطرفين، كما أعطت للمرأة الحق في تمثيل أطفالها في المحاكم، والقدرة على نقل جنسيتها إلى أبنائها.
وترى العديد من النسويات أن بعض ما جاء بمجلة الأحوال الشخصية لم يعد في مستوى آمال المرأة التونسية بالمنظور الحالي، ويطالبن بإدخال مراجعات على المجلة بما يتماشى وما بلغته المرأة اليوم من تطور فكري وانفتاح ووعي.
ونوثق في هذا التقرير آراء نسويات تونسيات فاعلات في الدفاع عن حقوق النساء، من خلال حديثهن لوكالتنا عن أهمية الاحتفاء بعيد المرأة التونسية.
 
 
ترى الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يسرى فراوس أن "مجلة الأحوال الشخصية لم تعد تتماشى وواقع المرأة والمجتمع التونسي اليوم، خاصة مع تطور الفكر النسوي"، مشدّدة على "أهمية مراجعتها لإحداث ثورة نسوية حقيقية".
وتعتبر يسرى فراوس أن "المجلة مهمّة في رمزيتها ولكنها تشهد العديد من القصور"، مشجعة النسويات على "مواصلة النضال من أجل إحداث بعض التغييرات على غرار وقف إسناد رئاسة العائلة للزوج كامتياز ذكوري تسلّطي"، مبينة أن "رئاسة العائلة هي مسؤولية مشتركة بين طرفين ومن غير المعقول أن تُحتكر لطرف دون غيره".
 
 
وبدورها هنأت الفنانة التونسية سلاف الذهيبي المرأة التونسية في عيدها، معتبرة أن "كل ذكرى هي مناسبة للتذكير بحقوق المهمّشات المغيّبات في كل مجال ومن ضمنها المجال الثقافي".
وأكدت سلاف الذهيبي على أن "الدولة المدنية والديمقراطية هي دولة لكل مواطنيها وتعاملهم على قدم المساواة، متعالية على خصوصياتهم واختلافاتهم العرقية والجنسية والدينية وهوياتهم الصغرى"، لافتة إلى أن "من المخجل أن يتم تذكّر المرأة في المناسبات فقط في حين يتم تناسيها والتغاضي عن مشاكلها ومشاغلها في أغلب الأوقات، لا سيما وأنها الأكثر تضرراً من كل الأزمات الاقتصادية والوبائية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد".
وتطرّقت إلى مسألة المساواة التامة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، معتبرة ذلك "أبرز ركائز الديمقراطية، لا سيما وأنها النص المؤسس للعقد الاجتماعي النّابع من ثورة 2011".
وشدّدت الفنانة التونسية على أن مجلّة الأحوال الشخصية "حقّقت مكتسبات قيّمة ونقلة نوعية بالنسبة للمرأة والمجتمع ككل منذ الاستقلال، وبرغم ريادة ما جاء بالمجلة إلا أنها بحاجة إلى التطوير وإدخال مراجعات تتناسب وواقع النساء اليوم"، مشيرة إلى نضال التونسية التي ظلت عبر عقود من الزمن في طليعة المدافعين عن النمط المجتمعي للبلاد وعن مكتسبات الحرية التي راكمها المجتمع بالرغم من سنوات الدكتاتورية.
وأشادت بدور المرأة الريفية التي تساهم في تأمين قوت التونسيين، منتقدة تغييبها عن كل المنابر وعدم إيلائها ما تستحق  من اهتمام.
وبرغم من سياسات التهميش الممنهجة ترى سلاف الذهيبي أن "المرأة هي الحامل للأمل في التغيير والإصلاح"، لافتة إلى "تحدّيها كل التيارات الرجعية في البلد منذ 2011 ووقوفها صفّاً واحداً ضدّ المسّ من كرامتها ومكتسباتها التي جاءت بها مجلة الأحوال الشخصية".
 
 
أما الصحفية درة الرابحي، فترى أنه "من المقلق جدّاً لكل النساء في تونس أن يتم الاحتفاء بهن وتذكّرهن مرتين في السنة في اليوم العالمي للمرأة والعيد الوطني"، مشيرة إلى أن "التهليل والاحتفال الذي يكون مع المناسبات لا تتحقّق مطالبه".
وأشارت إلى "الاقصاء الممنهج للمرأة وعدم تكريس السلطات مبدأ المساواة بين الجنسين خاصة داخل سوق العمل، فضلاً عن تفاقم معدلات البطالة في صفوف النساء لا سيما في المناطق الداخلية الأكثر فقراً".
واستطردت قائلةً "حتى النساء العاملات يعانين من انتهاك صارخ لحقوقهن في الأجور وساعات العمل وهو ما يؤكد أن قوانين العمل في تونس فيها تكريس لمبدأ التمييز، الأمر الذي يجعل كافة القوانين منحازة إلى صفوف الرجال".
وأكدت أنه "بالرغم من الأفكار الظلامية التي سعت إلى التحكم في مصير تقدّم العمل النسوي في تونس وتقزيم تضحياته إلا أن الصمود والعمل على تطوير الذات والنضال من أجل مزيد من المكتسبات زاد من قوة النساء وتلاحمهن".
وقالت إن "المرأة التونسية اقتلعت بمفردها حقوقها وحرياتها منذ الاستقلال بعد أن ساهمت في الصفوف الأمامية في محاربة المستعمر، وهي من ساهمت في بروز مجلة الأحوال الشخصية". 
ولفتت إلى أنه "لا يمكن الاحتفال بعيد المرأة في ظل الارتفاع المفزع لحالات النساء ضحايا العنف"، داعية إلى "الشدّ بيد نساء تونس والتفعيل الحقيقي لقانون مكافحة العنف وتشديد العقوبات على مرتكبيها من خلال القانون عدد 58 المؤرخ في 11 آب/أغسطس 2017 الخاص بالقضاء على العنف ضد المرأة"، مذكّرة بحادثة رفقة الشارني وغيرها من النساء اللواتي قتلن على أيدي أزواجهن وآبائهن وأشقائهن.
وتحدثت درة الرابحي عن "أهمية التنسيق بين مختلف الجمعيات النسوية ووزارة المرأة للقيام بحملات واسعة تندّد بالعنف ضد النساء".
وذكّرت بما ورد في الدستور التونسي الذي ينصّ في فصليه 21 و46 على المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، وبالاتفاقيات الدولية على غرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة وصولاً إلى القوانين.
وأشارت الصحفية التونسية إلى أنه "لا توجد نوايا لدعم المرأة في مراكز القرار، بل هناك مساعي لإضعاف مشاركتها"، مبينة أنه "تمثيلية النساء في الحكومات المتعاقبة تراجعت حيث تقلصت تعيينات النساء في المراكز السياسية من 30 بالمائة من العدد الإجمالي من التعيينات عام 2014 إلى 15 بالمائة فقط عام 2018، وخلال هذه الفترة لم تتعدى تمثيلية النساء في الحكومة 12 بالمائة وفي رئاسة الجمهورية 14 بالمائة من جملة التعيينات، في حين أن نسبة وجود النساء في البرلمان كانت بعد 2011 في حدود 30 بالمائة، ثم تراجعت إلى حدود 27 بالمائة واليوم لا تتجاوز النسبة 23 بالمائة".
 
 
وتقول العداءة التونسية نجاة سليمان "إن ذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية عزيزة على كل تونسية سعت إلى التحرّر وإثبات ذاتها والعمل من أجل إعلاء راية بلدها"، مشيرة إلى أن "الاحتفال بهذا العيد واجب وطني لدعم مكانة المرأة والتذكير بالنواقص والوقوف عليها لتجاوزها".
وتطرّقت نجاة سليمان إلى دور المرأة التونسية منذ 2011 لإرساء مبادئ الديمقراطية وتحقيق الحريات والحفاظ على كل المكاسب والتجنّد للدفاع عن الثورة والتصدّي للفكر الظلامي الذي يسعى إلى تهميش النساء وتغييبهن، إلا أنه "بالرغم من المكاسب التي حققتها المرأة هناك مخاوف حقيقية بدأت تتعاظم من تراجع مكانتها في خضم الأزمات التي تمر بها البلاد وتراجع تمثيلها في مراكز القرار، والذي أدى إلى تراجع في التطرق إلى قضايا المرأة".
وتساءلت "هل يوجد قانون واحد تم تقديمه إلى البرلمان والمصادقة عليه بعد عشر سنوات من الثورة التونسية، باستثناء قانون مكافحة العنف الذي يعتبر نتيجة عمل نسويات تقدميات مؤمنات بحق المرأة في الحياة الآمنة؟".
وقالت "لا يوجد غير الاتفاقيات التي أضرّت بالبلد ورهنته إلى الخارج". وأشارت إلى ما تشعر به من ألم حين ترى الإشكاليات الكبيرة التي تعانيها الرياضيات في تونس بمختلف الاختصاصات "تعمل الدولة على تهميشهن وتقزيمهن فقط لأنهن نساء، برغم الألقاب الكبيرة التي حصّلن عليها وتشريفهن الراية الوطنية خارج حدود البلاد".
وأعربت عن أملها في أن تولي القيادة الحالية الاهتمام بالرياضيات وبكل النساء المهمشات في مختلف المجالات، وضمان تكافؤ الفرص وإقرار المساواة الحقيقية بعيداً عن ضوضاء التسويق لمساواة مزيّفة. 
 
 
وبدورها هنأت الكاتبة العامة لجمعية "وشم" النسوية، يسرى الشيخاوي، المرأةَ التونسية في عيدها، معبرة عن أملها في أن تنال مكانتها الحقيقية في الحياة السياسية وأن تكون ممثلة بالقدر الذي تستحقه في مراكز القرار وأن ترتفع تمثيليتها بعد أن تراجعت في السنوات الأخيرة برغم العمل النسوي.
وأشارت يسرى الشيخاوي إلى أن "النساء يجب أن يفتخرن بأصغر إنجازاتهن ويتخلصن من العقد المجتمعية المتسلطة ومن استبطان العقلية الذكورية التي تضع قيوداً أمام تقدمهن وتحررهن بعيداً عن تلك المخاوف التي تسعى المجتمعات الذكورية إلى ترسيخها".
وأشارت إلى أن "الحرية تليق بالتونسية التي ترعرعت في بلد التشريعات المدافع بشراسة عن حقوق وحريات النساء"، لافتة إلى أن "تونس تزخر بالعديد من التشريعات التي انتصرت للمرأة والتي من الواجب المحافظة عليها والعمل على تطويرها".