أحلك فصول التاريخ... الرق وتجارة الرقيق

تبقى الحرية مطلباً عالمياً لا تحدّه حدود الزمان والمكان، فما زال هذا المشغل الشاغل للبشر كافة على اختلاف أصولهم وأديانهم، ومازال صدى صوت المطالبين بالحرية يتردد على مسامع العالم حتى يومنا هذا بقوة لا يعتريها أي ضعف أو فتور

جاندا عبد القادر
مركز الأخبارـ تبقى الحرية مطلباً عالمياً لا تحدّه حدود الزمان والمكان، فما زال هذا الشغل الشاغل للبشر كافة على اختلاف أصولهم وأديانهم، ومازال صدى صوت المطالبين بالحرية يتردد على مسامع العالم حتى يومنا هذا بقوة لا يعتريها أي ضعف أو فتور.
احياءً لذكرى انتفاضة سانتو دومينغو أو "الثورة الهايتية"، التي اندلعت في 23 آب/أغسطس 1791، يحتفل باليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وإلغائها، الذي أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، بموجب الخطاب الدوري رقم خ د/ 3494 عام 1998.
مثّلت انتفاضة سانتو دومينغو منعطفاً في تاريخ الإنسانية، وكان له أثر عظيم في مسألة تأكيد الطابع العالمي لحقوق الإنسان، حيث تعتبر ثورة هايتي اليوم لحظة فارقة في تاريخ العالم الأطلسي.
ثار الرجال والنساء المُستعبدين آنذاك على مُستعبديهم في الشطر الغربي من جزيرة سانتو دومينغو، والتي تُشكل اليوم دولة هايتي المستقلة، حيث كان التمرد الوحيد الناجح الذي قاده العبيد، الذين أعتقوا أنفسهم ضد الحكم الاستعماري الفرنسي في سان دومينغو، ونالوا مبتغاهم عام 1804 باستقلال المستعمرة، وتأسيس دولة خالية من العبودية.
حددت ثورة سانتو دومينغو عام 1791 مسار حركات الكفاح والنضال من أجل تحرير الشعوب ومسار المساعي المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية منذ أكثر من مائتي عام، ولهذا الغرض أطلقت اليونسكو مشروع "طريق الرقيق" عام 1995، بوصفه أداة عالمية لتوضيح النتائج والتداخلات الناتجة عن تجارة الرقيق وتحديد المواقع والأبنية وأماكن الذاكرة لهذه التجارة، وكذلك للبحث عن سبل تعزيز التقارب بين الشعوب حول الموروثات المشتركة الناجمة عن هذه المأساة.
وسعت من خلال هذا المشروع إلى أن تستمد من الذاكرة العالمية القوة اللازمة لبناء عالم أفضل ولإظهار العرى التاريخية والأخلاقية التي تؤلف بين الشعوب، أن أحد أهداف النضال ضد العبودية وإلغائها هو التعريف والاعتراف بالأثر الكبير الذي تركته الثقافات الإفريقية على ثقافات وحضارات العالم.
وقد كان للمشروع وقع كبير منذ عام 1994، فقد ساعدت الجهات التي قادت هذا المشروع في ضمان الاعتراف الرسمي بالإتجار بالرقيق بوصفه جريمة ضد الإنسانية، وذلك في عام 2001.
 
تاريخ العبودية
تأصلت العبودية في الشعوب القديمة، بدرجاتٍ متفاوتة، ولم تقتصر أسواق النخاسة والرقيق عبر التاريخ على دولة دون غيرها، بل شملت كل الدول والإمبراطوريات التي دخلت الحروب على مرّ التاريخ، ليعرض أسرى تلك الحروب للبيع في أسواق النخاسة والرقيق، وكانت السجلات التاريخية قد دونت الرق في حضاراتٍ قديمة كالسومرية والأكادية وحضارة آشور وبابل، إيران القديمة واليونان القديمة والرومان بما في ذلك مصر القديمة والصين القديمة، وحضارات ما قبل كشوفات كريستوف كولومبوس في الأميركتين.
وكانت العبودية متفشية في الحضارات القديمة لدواعٍ اقتصادية واجتماعية، إلا أنّ الاسترقاق اليوم أمسى في معظم الأحيان مخفياً عن الأنظار، على غرار العمل القسريّ والسخرة، والزواج القسريّ وعمالة الأطفال والاتّجار بالبشر والاستغلال الجنسيّ.
 
أفريقيا مهد تجارة الرقيق
منذ آلاف السنين يعد العبيد الأفارقة جزءاً من تجارة الرقيق عبر الأطلسي، إذ أن إفريقيا كانت مرتبطة بتجارة الرقيق وخاصة بعد عصر الاستكشاف، وعلى مدى ثلاثة قرون نقل أكثر من 12 مليون إفريقي بواسطة سفن الرقيق الأطلسية، وتمكن أكثر من 11 مليون منهم من الوصول إلى اليابسة في الأميركيتين فقد استمرت التجارة لفترة طويلة حتى القرن التاسع عشر.
وقدّر المؤرخين أن هناك ما يتراوح بين 11إلى 18 مليون من الرقيق الأفارقة السود قد عبروا البحر الأحمر، المحيط الهندي والصحراء الكبرى منذ عام 650 بعد الميلاد، وحتى عام 1900 من الميلاد، أو بما يتراوح بين 9.4 إلى 14 مليون أفريقي إلى الأميركتين بغرض تجارة الرقيق الأطلسية.
لا تزال العبودية بلاء في العصر الحديث، فعلى الرغم من أن العبودية ألغيت بالفعل في جميع البلدان على مدى القرنين الماضيين، إلا أن التشريعات الجزائية لم تكن على وتيرة واحدة في تجريمها للرق، فبحسب تقارير الأمم المتحدة وفقا للسجلات الدولية، أن نصف دول العالم تقريباً تفتقر لوجود قانون جنائي يعاقب على ممارسة العبودية أو التجارة بالعبيد، كما أن تجارة العبيد الأفارقة لازالت منتشرة في أمريكا الشمالية.
حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 40 مليون إنسان مرغمون على العمل بالسخرة أو على الزواج القسري أو أشكال أخرى من الاستغلال الجنسي. 
وأوضح تقرير أعدته منظمة walk free"" الحقوقية ومكتب العمل الدولي في عام 2018، أن أعلى نسبة لانتشار العبودية توجد في أفريقيا، ويشير التقرير إلى أنه يوجد أكثر من سبعة ضحايا بين كل ألف نسمة عبيد، وعرّف هذا التقرير العبودية بأنها "أوضاع استغلال لا يمكن للفرد رفضها أو الفكاك منها بسبب التهديدات أو العنف أو القهر أو الخداع أو استغلال السلطة، وأن من أوسع أشكال العبودية انتشارا في العصر الحديث الاتجار بالبشر من أجل الاستغلال الجنسي، حيث يتعرض كثيرون للخداع ويحسبون أنهم سيحصلون على عمل آخر".
وسعياً إلى اجتثاث جميع أشكال الظلم الاجتماعي، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الفترة ما بين 2015 إلى 2024، عقداً دولياً للمنحدرين من أصول أفريقية، مشيرةً إلى الحاجة إلى تعزيز العمل والتعاون وطنياً وإقليمياً ودولياً، فيما يتعلق بتمتع المنحدرين من أصل أفريقي بكامل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، ومشاركتهم الكاملة وعلى قدم المساواة في جميع جوانب المجتمع.
 
مزادات علنية في ليبيا
خلال الحرب الأهلية الليبية الثانية عام 2014، استولى الليبيون على بعض المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الذين كانت وجهتهم أوروبا عبر ليبيا، وتم بيعهم في أسواق العبيد، وكثيراً ما يتم تحرير العبيد إعادتهم إلى عائلاتهم بعد دفع الفدية، وقد يتعرضون للتعذيب ويجبرون على العمل حتى الموت، وفي نهاية المطاف قد يتم إعدامهم أو تركهم للتضور جوعاً إذا لم يتم السداد بعد فترة من الزمن، بينما يتم اغتصاب النساء واستخدامهن كعبيد جنس وبيعهن لبيوت الدعارة.
أصدرت المنظمة الدولية للهجرة بياناً عام 2017، كشفت فيه عن وجود أسواق عبيد حقيقية في ليبيا يتم فيها بيع مئات الرجال والنساء في ساحات عامة أو مستودعات، حيث أن ثمن بيع المهاجر الإفريقي يتراوح بما بين 200 و500 دولار، هذا وذكرت في بيانها أن أغلب المهاجرين يستخدمون عاملين يوميين في البناء والزراعة وبعضهم يتقاضى أجوراً زهيدة والبعض الآخر يجبر على العمل دون أجر.
وثّقت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان حالات متكررة للاحتجاز والبيع التعسفي في مراكز الاحتجاز الليبية، وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن المهاجرين الذين يسافرون عبر ليبيا قد تعرّضوا للاعتقال والتعذيب في ظروف مكتظة وغير صحية.
كما صرّحت وزارة الخارجية الأمريكية أيضًا في تقريرها لعام 2010 حول الاتجار بالبشر "كما في السنوات السابقة، كانت هناك تقارير متفرقة عن إجبار النساء من أفريقيا جنوب الصحراء على ممارسة الدعارة في ليبيا. كانت هناك أيضاً تقارير تفيد بأن المهاجرين من جورجيا تعرضوا للعمل القسري في ليبيا".
 
أسواق النخاسة في سوريا والعراق
تعرضت النساء والأطفال عام 2014 خلال النزاع المسلح لتنظيم داعش على مناطق من سوريا والعراق، لأشكالٍ متعددة من العنف كالاغتصاب والاستعباد الجنسي والعنف الجسدي والإتجار بهم، الذي قام بسبي النساء الإيزيديات وأخذهن كجواري وبيعهن بأسواق النخاسة في الموصل والرقة والمناطق الأخرى التي كانت تحت سيطرته.
 
لابد من تذكير العالم بأرواح ضحايا تجارة الرقيق
يشكل إحياء هذه الذكرى جزءاً أساسياً من مكافحة التمييز العنصري، ونقل تاريخ الاتجار بالرقيق، ويعزز أسس بناء السلام، ويرسخ احترام حقوق الإنسان.
جرى الاحتفال الأول باليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق الأسود وإلغائه، في جمهورية هايتي في 23 آب/أغسطس من العام 1998، ثم في جزيرة غوريه في السنغال في التاريخ نفسه من العام 1999، وتلته بعد ذلك جملة من الفعاليات والتظاهرات الثقافية للتعريف بمساهمات الرقيق من خلال نضالاتهم من أجل الحرية والكرامة.
وتكملة لليوم الدولي لإحياء ذكرى تجارة الرقيق وإلغائها، أعلنت الأمم المتحدة 25 آب/أغسطس من كل عام، يوماً دولياً لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، بموجب قرار صادر عن الجمعية العامة في 17 كانون الأول/ديسمبر عام 2007.
 في حين أن الاحتفال باليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لعام 2010، كان حمل شعار "تعبيراً عن حريتنا من خلال ثقافتنا"، مركزاً على دور التراث الثقافي، لأن ما يصنعه الإنسان مهما عظم ليس إلا لبنة في بناء حضارة الإنسان التي تنمو وتتطور وتنتقل من جيل إلى جيل عبر المكان والزمان، وللاحتفال بالاعتناق من العبودية بعد 400 سنة من الكفاح المستمر.
كما أن الاحتفال لعام 2011 كان مغايراً لما سبقه من الاحتفالات التذكارية في السنوات السابقة، إذ أنه حمل جملة من الأسئلة لتوقظ وميض التساؤلات في أذهان العالم برمته، وكان من بينها "من كان أولئك الناس؟"، "ما هي قصصهم؟"، "ما هي اسهاماتهم في المجتمعات التي استعبدتهم؟"، "ما هو التراث الذي تركوه وما هي الدروس التي استفاد منها العالم الحديث من تلك المرحلة المظلمة من تاريخ البشرية؟".
وتحت شعار "معاً في مواجهة إرث العبودية من العنصرية"، أحيت منظمة اليونسكو ذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه لعام 2020.