إشراق المقطري صوت نسائي في وجه التمييز القضائي
في اليمن، حيث يتقاطع النزاع مع التمييز، تبرز القاضية إشراق المقطري كواحدة من أبرز الأصوات النسائية المدافعة عن حقوق المرأة حاملةً همّ الإنصاف في زمن الانكسار.
فاطمة رشاد
عدن ـ عبر مسيرة قانونية حافلة امتدت لأكثر من عقد، جمعت القاضية إشراق المقطري بين العمل الميداني، الإصلاح القضائي، والدفاع عن الضحايا، لتترك بصمة لا تُمحى في سجل العدالة اليمنية.
في بلدٍ أنهكه النزاع وأثقلته التقاليد، تتقدم القاضية إشراق المقطري بخطى ثابتة في سلك القضاء، حاملةً راية الدفاع عن حقوق النساء في وجه منظومة اجتماعية وقانونية لا تزال تقصي المرأة وتنتقص من دورها.
ساهمت إشراق المقطري الحاصلة على شهادة القانون من جامعة صنعاء، ومن ثم الماجستير من جامعة أسيوط، في كسر الحواجز، وتوثيق الانتهاكات، وتمكين النساء قانونياً، لتصبح مثالاً على أن العدالة لا تُبنى إلا حين يُسمع صوت النساء ويُعترف بكرامتهن، تواصل اليوم إعداد أطروحة دكتوراه حول النساء في سياق النزاعات المسلحة، مؤكدةً أن العدالة لا تكتمل دون إنصاف النساء.
مسيرة قانونية مشبعة بالالتزام
بدأت رحلتها القانونية مبكراً من نقابة المحامين، ثم قادت الدائرة القانونية في اتحاد نساء اليمن، قبل أن تدير برنامج الحماية القانونية والمناصرة في منظمة أوكسفام بين عامي (2005 ـ 2015)، حيث لم تكن مجرد موظفة بل صوتاً للنساء المعنفات والمحتجزات، تقدم لهن الدعم في قضايا الأحوال الشخصية، وتدافع عن حقوقهن داخل السجون، حيث امتد عملها إلى عشرة سجون في مختلف المحافظات اليمنية.
ووفقاً لإحصاءاتها، فقد ساهمت في تقديم الدعم لأكثر من 3000 امرأة سجينة، و4000 امرأة في قضايا الإرث والنفقة والحضانة، إلى جانب تدريب آلاف العاملين في الأمن والتحقيقات.
تحديات مضاعفة في بيئة ذكورية
عشر سنوات من العمل المكثف جعلتها شاهدة ومناصرة لقضايا النساء في كل أنحاء البلاد، لم تكتف بتقديم الدعم القانوني بل سعت إلى إصلاح الممارسات القضائية، وتدريب رجال الأمن والمحامين على مناهضة العنف ضد المرأة، وإنشاء لجان مجتمعية مناصرة لقضايا النساء، وتقول "عملنا على رفع مقترحات إلى مجلس النواب وخلال هذه الفترة كنت أعمل استشارية وقمت بتدريب كل من يعمل في مجال مناهضة العنف ضد المرأة".
لكن الطريق لم يكن سهلاً، كغيرها من النساء العاملات في المجال القانوني واجهت تحديات مركبة بين مسؤولياتها الأسرية والمهنية، وبين التعامل اليومي مع الجناة والضحايا.
وتحدثت عن صعوبة إثبات الكفاءة في بيئة تفتقر إلى الإيمان بحقوق الإنسان وعن القيود المجتمعية التي تحاصر المرأة القاضية، من السفر المتأخر إلى مواجهة الإشاعات والتهديدات "التحدي الأكبر هو إثبات الذات ووجودي كامرأة في مجال لا يؤمن كثيرون بوجودنا فيه كونه الأصعب".
كسر الصور النمطية
على الرغم من النظرة المجتمعية السائدة في اليمن التي ترى القضاء مهنة ذكورية، فرضت النساء وجودهن وقدمن نماذج ناجحة، مما ساهم في تغيير بعض المفاهيم، ومع ذلك لا يزال بعض القادة الأمنيين يظهرون امتعاضاً عند التعامل مع القاضيات كما أوضحت إشراق المقطري، رغم تفوقهن في النزاهة والابتعاد عن ملفات الفساد.
وأوضحت "رغم التحديات الجسيمة التي تواجهها القاضية، عليها أن تبذل جهوداً مضاعفة إذ لا تزال العوائق التي تعترض طريق المرأة في سلك القضاء قائمة وتتعمق، رغم محاولات القاضيات الرائدات تفكيكها وتغيير النظرة المجتمعية السائدة، وما يزيد الأمر تعقيداً هو استمرار بعض الممارسات التي تعرف بالتقنين الديني، والتي تستخدم بشكل مشوه لا يعكس جوهر الدين، بل تُوظف لتبرير إقصاء النساء عن مواقع القيادة وصنع القرار، مما يرسخ التمييز بدل أن يزيله".
وأشارت إلى أن بعض التصورات التقليدية لا تزال تحصر دور المرأة في مجالات محددة كالتعليم، التمريض أو الوظائف الإدارية، بينما تعتبر مهن القضاء والنيابة والمحاماة حكراً على الرجال، وكأنها لا تليق بالنساء، هذا الفهم لا يعكس سوى بقايا منظومة تمييزية متجذرة، تضع المرأة القاضية في صراع دائم مع مجتمع يرفض الاعتراف بكفاءتها ويقاوم تمكينها من تولي المناصب القضائية والقيادية.
وأكدت على أن تمكين المرأة في المجال القضائي لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود إرادة سياسية جادة من صناع القرار، تتكامل مع وعي المجتمع واستعداد النساء لخوض هذه المهنة بكل مسؤولية، فقد نجحت العديد من النساء في فرض حضورهن وتقديم نماذج مهنية متميزة، مما ساهم تدريجياً في تعديل النظرة الذكورية تجاه وجود المرأة في القضاء، وإن كان هذا التغيير لا يزال جزئياً ولم يبلغ بعد مستوى القبول الكامل أو الشامل.
ملفات حقوقية حساسة
ضمن لجنة التحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان، تعمل إشراق المقطري على ملفات الاعتقال التعسفي، الإخفاء القسري، والتعذيب، دون تمييز بين المحافظات، حيث تؤمن أن العدالة الانتقالية لا تتحقق إلا بإنصاف الضحايا وجبر الضرر "نحن نعمل في كل المحافظات دون استثناء، لأن الهدف هو الإنصاف، ورد الاعتبار، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب".
ورغم بصمتها الواضحة في سلك القضاء، تعترف إشراق المقطري بأن هناك ملفات نسوية لم تصل بعد إلى المحاكم، بسبب التمييز المجتمعي الذي ينتقص من حقوق المرأة، لكنها تواصل العمل، واضعةً قضايا النساء في مقدمة أولوياتها، مؤمنةً بأن التغيير يبدأ بالاعتراف ويستمر بالإصرار والمثابرة.
بهذا الإصرار، تشق القاضية إشراق المقطري طريقاً مليئاً بالتحديات، وتترك أثراً لا يُنسى في سجل القضاء اليمني، مدفوعة بإيمان راسخ بأن المرأة تستحق العدالة، وأن صوتها يجب أن يسمع مهما كثرت العوائق.