"زاغروس"... حملة بيئية لحماية الأرض والهوية

حملة "زاغروس" التي انطلقت عام 2018، تهدف إلى إعادة تشجير جبال كردستان وحمايتها من الاعتداءات، وقد تحولت إلى ثقافة جماعية لحماية الأرض والهوية، وضمان مستقبل أكثر خضرة وصحة للأجيال القادمة.

هيلين أحمد

السليمانية ـ في شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر من عام 2018، وبعد فقدان عدد من المدافعين عن البيئة في جبال زاغروس حياتهم وتصاعد اعتداءات المستغلين للطبيعة، انطلقت مبادرة جماعية تهدف إلى ترسيخ روح المسؤولية تجاه الأرض والبيئة، ومنها بدأت حملة "زاغروس".

خلال سبع سنوات من نشاطها، توسعت حملة "زاغروس"، لتشمل أكثر من 120 منظمة في شرق كردستان وإيران، ثم امتدت إلى شمال كردستان بمشاركة واسعة من نشطاء البيئة والوطنيين، حيث أعيد تشجير الجبال، وفي 5 كانون الثاني/يناير الماضي، وصلت الحملة إلى إقليم كردستان، حيث شاركت منظمات عديدة في مدن السليمانية وهولير وقلادزة وبنجوين وغيرها في التحضيرات.

اليوم، ومع دخول الحملة أسبوعها الثالث، يشارك المواطنون بحماس كبير في إعادة تشجير الجبال وحماية الأرض من المعتدين، ليحوّلوا فعل الزرع إلى رمز للمقاومة والأمل في مستقبل أكثر خضرة وأماناً.

كوفار عثمان أبوبكر، المتخصصة في أمراض الدم في مستشفى هيوا، شاركت في حملة "زاغروس"، وأكدت أن هذه المبادرة تهدف إلى إعادة تشجير جبال كردستان وحمايتها "الكرد لا يستطيعون العيش بلا جبال، بينما الجبال قادرة على الاستمرار من دوننا، لذلك فإن زراعة الأشجار تمثل مسؤولية أساسية لكل مواطن"، موضحةً أنها انضمت إلى الحملة بصفتها طبيبة من أجل تعزيز الصحة العامة لها وللمجتمع.

وأوضحت أن الحملة، التي انطلقت قبل سبع سنوات، تركز هذا العام على نشر ثقافة التشجير عبر فرق تطوعية وبناء روابط بين مختلف المناطق. وتمتد أنشطتها في جبال شرق كردستان وشمالها وجنوبها، بهدف جعل جميع أجزاء كردستان أكثر خضرة.

وأكدت أنه من المهم تحويل هذه الحملة إلى تقليد ثقافي راسخ، بحيث يقوم المواطنون والأسر سنوياً، على غرار الأعياد الكردية، بزراعة الأشجار في جبال كردستان لمواجهة المعتدين، وصولاً إلى بيئة صحية ومستقبل أكثر إشراقاً.

وأوضحت أن "المواطنون يستقبلون الحملة بحماس كبير، حيث تشارك فيها مختلف الفئات الاجتماعية، وتلعب النساء دوراً بارزاً في إعادة تشجير جبال كردستان، هذا التفاعل الشعبي يبعث على الفخر، إذ يوفّر سكان المناطق التي تُقام فيها الأنشطة احتياجات المتطوعين من طعام وشراب، ثم ينضمون إليهم بثقة في غرس الأشجار".

وقالت "يزرع المشاركون الأشجار بمحبة عميقة للأرض والبيئة، فيما يحرص أعضاء الحملة على العودة لاحقاً لزيارة تلك المناطق والتأكد من استمرار نمو الأشجار وخضرة الجبال، بهذه الروح الجماعية، تتحول الحملة إلى فعل مقاومة بيئية وثقافية، يعكس ارتباط الناس بأرضهم ورغبتهم في بناء مستقبل أكثر خضرة وصحة".

ولفتت كوفار عثمان أبو بكر إلى أن بيئة كردستان الكبرى تواجه منذ قرون تهديدات خطيرة، أبرزها محاولات القضاء على الأرض ومحو هوية الكرد "الدول المحتلة تستهدف جبال وأشجار كردستان بشكل مباشر، حيث تُقطع الأشجار وتُحوَّل إلى أدوات منزلية أو تُباع، وأحياناً تُحرق بالكامل، كما حدث مع أشجار الزيتون في المناطق المحتلة من إقليم شمال وشرق سوريا التي أقتلعها المرتزقة".

وأشارت إلى أن حملة "زاغروس" جاءت لتكون مشروعاً لإعادة بناء الطبيعة في كردستان وحمايتها من هذه السياسات التدميرية، ولتشكّل سداً أمام محاولات الأعداء "الاعتداءات التركية على البيئة في المنطقة أدت إلى تغييرات مناخية خطيرة، مما يجعل من الحملة ضرورة ملحّة لإحياء جبال زاغروس التي تمثل قلب كردستان"، مؤكدةً أن الهدف لا يقتصر على التشجير فحسب، بل يشمل أيضاً حماية الأراضي الحدودية وصونها من التهديدات، لتبقى كردستان خضراء وقادرة على مواجهة التحديات.

وشدّدت كوفار عثمان أبو بكر على أن حماية البيئة مسؤولية فردية وجماعية، داعيةً كل مواطن إلى المشاركة الفاعلة في صون طبيعة وطنه، لما تحمله من فوائد لا تقتصر على الأرض فحسب، بل تمتد لتشمل صحة الإنسان والمجتمع بأسره "كطبيبة أنصح مرضاي دائماً بعد شفائهم بزيارة الطبيعة والاندماج معها لتعزيز صحتهم الجسدية والنفسية"، معربةً عن أملها في نجاح الحملة، مؤكدةً أن مشاركة المواطنين يجب أن تتوسع أكثر، وأن تقوم الأسر بتربية أطفالها على هذه الثقافة البيئية، ليكبروا وهم يحملون مسؤولية حماية أرضهم "بغرس الأشجار اليوم، نصنع غداً أكثر خضرة وصحة، ونضمن استمرار الحياة في كردستان للأجيال القادمة".