يوم الأرض... وحكاية المدافعات وشهيدات البيئة من النساء!

يصادف اليوم 22 نيسان/أبريل يوم الأرض، الذي تحتفل به الشعوب ولا سيما الناشطين البيئيين حول العالم، وهو فرصة للتذكير بنساء يدافعن وكثير منهن لاقين حتفهن في سبيل الحفاظ على الأرض وكائناتها.

سوزان أبو سعيد

بيروت ـ يحتفي محرك البحث غوغل والعالم اليوم بـ "يوم الأرض" Earth Day، كما ويعرف باسم "يوم أمنا الأرض العالمي" International Mother Earth Day والذي يصادف 22 نيسان/أبريل من كل عام.

خص المحرك العالمي هذا اليوم الذي يعود الاحتفال به إلى العام 1970، بعرض لرسومات الشعار "الدودل" Doodle المبتكرة السنوية ليوم الأرض اليوم، وعبر صور جوية من الأرض، تسلط الضوء على بعض المناطق التي تم إحراز تقدم فيها نحو مستقبل أكثر استدامة، وهو فرصة للإضاءة على مساهمة النساء في الحفاظ على الأرض وثرواتها وكائناتها الحية، حيث لقيت عدد من الناشطات حتفهن لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ولا سيما البيئية منها.

ويستمر العنف ضد الناشطات في مجال البيئة بسبب الإفلات الخطير من العقاب، كما وأن هناك طبقات عديدة من الظروف التي تسببت في جرائم القتل هذه، ويتم تهميشها من قبل الجنسين في الإعلام أو في المعلومات الرسمية، لذا فالكثير من البيانات في هذا المقال تقريبية، وقد تكون الأرقام أكبر بكثير.

الكوكب مقابل البلاستيك

أما عنوان يوم الأرض لهذا العام فهو "الكوكب مقابل البلاستيك" بهدف زيادة الوعي بأضرار التلوث البلاستيكي على صحة الإنسان والكوكب، كما شملت الفعاليات السابقة ليوم الأرض مجموعة من القضايا البيئية، من تغير المناخ والطاقة النظيفة إلى حماية الكائنات الحية وفوائد زراعة الأشجار وغيرها.

ويعتبر استهداف البلاستيك بأنواعه بسبب التهديدات والأضرار التي تشكلها المواد البلاستيكية ولا سيما أحادية الاستخدام على الكوكب والكائنات الحية والبشر، والتوعية بأهمية الحد من استخدامها، أو باستخدام بدائل أخرى صديقة للبيئة أو تطوير المواد المستخدمة لتكون صديقة للبيئة، فضلا عن دعم المبادرات البيئية الهادفة في استخدام بدائل المواد البلاستيكية إلى زيادة الوعي بأضرار التلوث البلاستيكي على صحة الإنسان والكوكب، خصوصاً مع تشكل قارة ثامنة من البلاستيك العائم في المحيط الهادئ.

ودعت أكثر من 50 دولة، إلى إنهاء التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040، بالإضافة إلى إقرار معاهدة أممية لإنهاء التلوث البلاستيكي، والمتوقع الاتفاق عليها نهاية العام الجاري، فضلا عن مطالبة منظمي هذه المناسبة خفض إنتاج جميع المواد البلاستيكية بنسبة 60 في المئة بحلول 2040.

ولا يمكن في هذا المجال، إلا الإضاءة على دور الجمعيات البيئية في هذا المجال، وخصوصاً تلك بقيادة نساء في العمل على الحد من استخدام المواد البلاستيكية، فضلاً عن حملات المناصرة العالمية حول أضرار البلاستيك على الصحة الذي أثبت علمياً تأثيره على الهرمونات المختلفة في الجسم وعلى الخصوبة فضلاً عن تواجده في كافة أجزاء جسم الإنسان ومنها الدماغ والمشيمة وحليب الأمهات وحتى في اللويحات التي تتسبب بالجلطات في القلب والدماغ.

وهناك العديد من المساهمات البيئية لنساء عبر التاريخ، نذكر منها:

كتب ومؤلفات

أوائل هذه المساهمات الثقافية البيئية كتاب The Everglades: River of Grass للكاتبة والصحفية النسوية الأميركية مارجوري ستونمان دوغلاس Marjory Stoneman Douglas في العام 1947، والذي دافعت عن مستنقعات ولاية فلوريدا الإيفرغليدز، كتاب للكاتبة الدنماركية إستر بوزراب Ester Boserup "النساء والتنمية الاقتصادية" في العام 1960، وكذلك العالمة البيئية راشيل كارسون Rachel Carson في كتابها "الربيع الصامت" Silent Spring، والهجوم عليها وتوصيفها بالكثير من الصفات التي كانت تعتبر من التهم آنذاك ومنها الشيوعية، ولكن صلابتها وموقفها الذي لم تتزحزح عنه، تم على إثره وبمنظمات ساهمت بإنشائها بوقف مبيد DDT السام من الأسواق بصورة دائمة، كما وتساهم مئات الأكاديميات والباحثات منذ ذلك الوقت بأبحاث في مجالات متعددة من المواد والتشعبات البيئية التي ساهمت في هذا النشاط النسوي البيئي اللافت.

الكينية وانغاري ماثاي

أما وانغاري ماثاي، أسست حركة الحزام الأخضر لمعالجة حقوق المرأة وغيرها من القضايا الاجتماعية والسياسية والبيئية في كينيا، وكانت وانغاري ماثاي أول أفريقية تحصل على جائزة نوبل للسلام، وقد وفر عملها فرص عمل للنساء العاطلات عن العمل لزراعة الأشجار واستعادة الموائل المتدهورة، ومنذ تأسيس الحركة في عام 1977، تمت زراعة أكثر من 51 مليون شجرة وتدريب 30 ألف امرأة على الحرف التي تساعدهن على كسب لقمة العيش مع حماية أراضيهن، وقد أدى عمل وانغاري ماثاي في كينيا إلى زيارات ممثلي 15 دولة أفريقية الذين أرادوا إنشاء برامج مماثلة في بلدانهم. لقد نجت من قمع الدولة والتهديدات الجسدية في عملها، وأضاءت منارة الأمل والتقدم للقارة بأكملها.

البرازيلية مارينا سيلفا، المدافعة عن الغابات المطيرة

ساهمت تجارب الطفولة التي مرت بها مارينا سيلفا في صناعة المطاط والزراعة في منطقة الأمازون البرازيلية في دعم أسرتها وكذلك جعلت منها مدافعة شرسة عن البيئة، وكانت مارينا سيلفا أمية حتى سن 16 عاماً، وثابرت للحصول على شهادة جامعية، وأصبحت أصغر عضو في مجلس الشيوخ في البلاد في عام 1995 عن عمر يناهز 35 عاماً.

وخلال فترة عملها كوزيرة للبيئة في البرازيل كانت المدافعة الصريحة التي لا تعرف الكلل عن الغابات المطيرة، وتحدت المساعي التي تستهدف إزالة الغابات بشكل غير قانوني مما أدى إلى خفض معدلات إزالة الغابات بشكل كبير. وعندما كانت مرشحة للرئاسة، جعلت من البيئة قضية رئيسية.

وقالت مارينا سيلفا، وهي مؤسسة الحزب السياسي لشبكة الاستدامة في البرازيل "ربما تكون الاستدامة هي الفرصة الوحيدة المتاحة لنا لبدء دورة جديدة من الرخاء للبشرية".

السويدية غريتا ثونبرغ، ملهمة جيل من الناشطين البيئيين حول العالم

الناشطون الشباب في مجال المناخ مثل غريتا ثونبرغ قدموا طاقة ومنظوراً جديداً وزخماً متفرداً للحركة البيئية، وعندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، رفعت لافتة خارج البرلمان السويدي تطالب باتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ، و"إضراب مدرسي من أجل المناخ" من قبل فتاة واحدة تطور إلى حركة طلابية عالمية بثت الحياة في الناشطين من جميع الأعمار.

وبينما تحدت غريتا ثونبرغ زعماء العالم علناً ومنهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ إجراءات فورية بشأن تغير المناخ، أثبتت أن الجيل القادم لن يقبل أنصاف الحلول أو الأعذار فيما يتعلق بقضايا تغير المناخ التي تتابعها عن كثب.

النسوية البيئية

ومن الجدير ذكره أن "النسوية البيئية" Ecofeminism وهي فكرة تجمع جمعيات نسوية عدة حول العالم وتشمل النسوية والبيئة، وتشمل نشاطاً سياسي ونقداً فكرياً، وتشير إلى أن الهيمنة على المرأة وتدهور البيئة هما من نتائج النظام الأبوي والرأسمالية، والتي أثارتها أكاديميات ومهنيات من النساء في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وعبر ورش عمل ومؤتمرات لتتطور الفكرة ولتصل إلى يومنا هذا.

الهند وأولى شهيدات البيئة

في كانون الأول/ديسمبر من سنة 1730، شهدت قرية "خجرلي" Khejarli في الهند، أول وأكبر حركة لحماية البيئة في التاريخ، عندما قدمت امرأة تدعى "أمريتا ديفي" Amrita Devi وبناتها الثلاث الصغيرات "أسو" "راتني" و"بهجو"، أرواحهن، وكذلك 363 من مجموعة البينشواي بهدف حماية أشجار "الغاف" من قرار المهراجا "أبهاي سينج" الذي أمر بقطع تلك الأشجار لاستعمال حطبها في حرق الجير الذي كان سيخصص لبناء قصره الجديد في القرية.

وأكدت أمريتا ديفي أنها تفضل ازهاق روحها على قطع هذه الاشجار، ثم رفعت صوتها في وجه حطابي الملك قائلةً "أن أحافظ على هذه الأشجار مقابل رأسي، فالأمر يستحق" ثم اندفعت لتعانق الشجرة التي وصل اليها منشار الحطابين، فتم حصد رأسها وفصله عن جسدها، وتبعتها بعد ذلك بناتها الثلاث اللواتي لقيت نفس المصير، وتحولت كلمات امريتا في بعد إلى أغنية، وصارت أيضا شعاراً لحركة "عناق الاشجار" Chipko التي تشكلت في الهند بعد قرنين و43 سنة، فضلاً عن تأسيس جائزة باسمها لحماية الطبيعة.

وقد ألهمت ماريتا وبناتها وتضحياتهن في العام 1973 امرأة قروية اسمها "غورا ديفي" بإعادة إحياء هذا التقليد النسوي لحماية الاشجار في قرية ماندال الهندية، ولجأت هي ومجموعة من النساء المحليات إلى معانقة الأشجار وتشكيل حزام من أجسادهن لمنع قطعها، ونجحن فعلاً في إرغام الحكومة على التراجع عن قرار اجتثاث الاشجار،  وهو النجاح الذي اضحى ملهما للكثير من المبادرات النضالية دفاعاً عن البيئة، وتشكلت على إثرها حركة Chipko Andolan الهندية،  وفي عام 1974، تجمع آلاف الأشخاص من هذه الحركة في "شامولي أوتاراخاند" بالهند تحت سفوح جبال الهمالايا للمشاركة في مظاهرة كبيرة ضد سياسات الحكومة في قطع 2500 شجرة وإزالة الغابات. كان التجمع عنوانا للوحدة والتضامن بين المجتمعات المحلية ومنحها صيتاً عالمياً، وتشكلت الحركة من اساتذة وعلماء اجتماع كبار وناشطات نسويات من قبيل: سندرلال باهوجونا، تشاندي براساد بهات، باتشني ديفي... كما نالوا جوائز دولية، وصار للحركة فروع في العديد من دول العالم.

شهيدات بيئيات من حول العالم

الاستشهاد البيئيEco-martyrdom  هو توصيف لكثير من الناشطين/ات البيئيين الذين لقوا حتفهم في سبيل الدفاع عن البيئة والموائل الطبيعية حول العالم، وأكثر من ألفي ناشط/ـة لقوا حتفهم قتلاً وتنكيلاً بين الأعوام 2012 و2022، أي بمعدل 200 سنوياً تقريباً، منهم 170 في العام 2023 وفقاً لتقرير في موقع "الشاهد العالمي" غلوبال ويتنس، حيث احتلت كولومبيا المركز الأول بـ 60 مدافعاً عن البيئة في هذا المجال، و382 ناشطاً منذ بدأ الموقع جمع المعلومات في العام 2012، وقد تم توثيق 523 حالة اعتداء ضد النساء، ووفقاً لتحليل دولي لأطلس العدالة البيئية، قتلت ما لا يقل عن 81 امرأة حول العالم في العام 2023 نتيجة لعملهن في الدفاع عن البيئة، وقد نظر فريق الباحثين في الموقع في البيانات المتوفرة لديهم حول حالات العنف ضد الناشطات في مجال البيئة والتي يقولون إنها غالباً ما تكون غير موثقة بشكل جيد، ويقول الباحثون إن 81 من حالات العنف هذه شملت مقتل امرأة، بما في ذلك 19 جريمة قتل في الفلبين التي احتلت المرتبة الأولى لجهة عدد الشهيدات المدافعات عن البيئة ومن بين هؤلاء شيريل أنانايو، وهي امرأة عارضت إنشاء منجم للذهب والنحاس في الفلبين - وهي الدولة التي تشهد أكبر أعمال عنف موثقة ضد المدافعات عن البيئة - والتي قيل إنها قُتلت على يد "مسلحين مجهولين" في عام 2012، كما واستُهدفت نساء مثل Berta Caceres من هندوراس لوقوفها بوجه بناء سد.

وتواجه المدافعات عن البيئة الانتقام بسبب التعبئة ضد المشاريع الاستخراجية والملوثة، التي ترتكب العنف ضد المجتمعات الأصلية والأقليات والفقراء والريفيين. وتسلط هذه القضية الضوء على الطبيعة الجنسانية للعنف الاستخراجي والحاجة الملحة لمعالجة أنماط العنف المنهجية التي تؤثر على المدافعات، اللاتي غالباً ما يتم تجاهلهن وعدم الإبلاغ عنهن، وتشير النتائج الإحصائية التي اعتمدتها مراكز بحث مثل أطلس العدالة وغيره إلى أن العنف ضد المدافعات يتركز في مناطق التعدين والأعمال التجارية الزراعية والنزاعات الصناعية في الجنوب الجغرافي. ويرتبط بالقمع والتجريم والاستهداف العنيف ارتباطاً وثيقاً، كما ويبدو النزوح والاغتيال بمثابة نتائج متطرفة عندما يتفاقم العنف في النزاع، وتتعرض المدافعات لمعدلات عالية من العنف بغض النظر عن مساءلة حكم البلدان والمساواة بين الجنسين.

وختاماً، فالكثير من الناشطات النسويات يعتبرن على رأس قائمة المدافعين على البيئة، وباعتقادهن أن النساء والبيئة هما ضحيتي عنجهية النظام الأبوي الذكوري والنظام الرأسمالي والذي هو نظام أبوي صرف مسؤول عن اضطهاد النساء وعن تدمير البيئة أيضاً، وعليه فالنضال من أجل مطالب النساء هو أيضاً نضال من أجل الدفاع عن البيئة.