ليلى ماندي توضح أسباب ندرة المياه في المغرب وتدعو لتطبيق إجراءات صارمة

تعيش البلدان التي تقع في المناطق الجافة وشبه الجافة تغيرات مناخية أدت إلى ندرة المياه، وتعد المغرب واحدة من هذه البلدان.

رجاء خيرات

المغرب ـ دعت الباحثة ومديرة المركز الوطني لبحوث المياه ليلى ماندي إلى ترشيد استعمال المياه من خلال التتبع الصارم وتنفيذ الإجراءات الاستعجالية التي اتخذها المغرب من أجل الحفاظ على الموارد المائية.

منذ التحاق ليلى ماندي بجامعة القاضي عياض بمراكش كأستاذة باحثة في مجال المياه والطاقة والبيئة، وهي تسعى لتطوير هذا المسلك الأكاديمي من خلال تأطير طلبة باحثين يعملون في هذا المجال، ولم تكتف بالبحث الأكاديمي والعلمي، بل عملت على الانفتاح على المحيط السوسيو ـ اقتصادي، من أجل تطوير منظومة مائية قادرة على تلبية حاجات المغرب من المياه خلال السنوات القادمة، سواء عبر التكوين والتدريس أو الأبحاث المخبرية التي تهدف إلى إعادة استعمال المياه العادمة في الزراعة أو إنشاء محطات لتحلية مياه البحر في المدن الساحلية الكبرى.

 

انفتاح على المحيط السوسيو ـ اقتصادي

أنشأ المركز الوطني للدراسات والبحث حول الماء والطاقة بجامعة القاضي عياض بمراكش (جنوب المغرب)، الذي تتولى الباحثة ليلى ماندي تسييره منذ سنوات، في إطار المخطط الخماسي 2000/2004 ومهمته هي تعزيز الصلة بين العاملين بالبحث العلمي والأكاديمي والمحيط السوسيو ـ اقتصادي.

وعن المركز قالت الباحثة ومديرة المركز الوطني ليلى ماندي لوكالتنا، يعمل في المركز عدة أساتذة باحثين وجامعيين يقومون بمشاريع علمية ويؤطرون طلبة باحثين في المجال، هذا المركز يوفر مختبرين هما، مختبر علوم البيئة ويُعنى بكل ما له علاقة بالماء، سواء التلوث أو جودة المياه ومعالجة المياه العادمة، أو تدوير النفايات وغيرها، ثم هناك مختبر النجاعة الطاقية والطاقات المتجددة، الذي يمكن من استعمال هذه الطاقات في عدد من المجالات كالأدوية الطبية وتحلية مياه البحر.

وبالنسبة للنجاعة الطاقية فتستعمل في المواد صديقة البيئة وتدوير نفايات النباتات مثل القصب وأوراق شجر النخيل وغيرها، والتي تستعمل في مواد البناء التي تتميز بنجاعة طاقية عالية، هناك فرق بحث تعمل في الماء والطاقة، كما أن المركز يستقبل الطلبة الباحثين من جميع مؤسسات التعليم العالي على الصعيد الوطني ومن جامعات دولية في إطار الشراكات التي تجمعنا معها.

وأضافت أن المركز يوفر كذلك 4 بارعات اختراع في مجال معالجة المياه العادمة، وقد تم خلق مقاولتيْن ناشئتيْن لمعالجتها، خاصة في العالم القروي، وهو ما دفعنا إلى إبرام اتفاقيات شراكة مع بعض الجماعات القروية لحل مشكلة المياه العادمة بالاعتماد على التقنية التي طورناها والتي أوضحت أنه يمكن الحصول على مياه ذات جودة عالية، بكلفة بسيطة.

 

سياسة مائية استباقية

وأشارت إلى أنه منذ استقلال المغرب عام 1956، و هو يعتبر أن الموارد المائية التي يتوفر عليها رافعة مهمة وأحد الروافد الأساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد، ولتحقيق هذه الغاية فقد طور المغرب استراتيجية طموحة وطويلة المدى ترتكز على تعبئة الموارد المائية، من خلال بناء سدود استباقية ورائدة ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، والتي مكنت من إنعاش قطاعين مهمين هما، توفير الماء الصالح للشرب من جهة وضمان الري (الزراعة) من جهة أخرى، مما جعل المغرب نموذجاً يحتذى به لتعبئة الموارد المائية وتنميتها. وأتاحت هذه السياسة تعبئة كميات ضخمة من الموارد المائية، حيث يفوق عدد السدود اليوم 149 سد بسعة تخزينية تبلغ 18.6 مليار متر مكعب.

وأكدت على أن "بلادنا ستستمر في اتباعها هذه السياسة، نظراً لأهميتها، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد السدود إلى 179 سد بحلول عام 2027 بقدرة على التعبئة ستصل إلى 27 مليار متر مكعب".

وأوضحت أنه "نظراً للأزمة المائية التي نعيشها حالياً، فالمغرب يخطط لمرحلة جديدة تعتمد على استكشاف المياه الجوفية وتنويع مصادر الإمدادات، لأنه لا يمكن الاعتماد على الأمطار فقط، بل هناك تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي من أجل تلبية احتياجات المواطنين".

 

ترسانة قانونية لتدبير معقلان

بالنسبة للتشريعات والقوانين التي أقرها المغرب في مجال تدبير الموارد المائية، قالت الباحثة ليلى ماندي، هناك ترسانة قوانين من أهمها قانون رقم 10ـ95 الذي يعتبر إصلاحاً مؤسساتياً رئيسياً في قطاع الماء، من أجل حماية الموارد المائية والحفاظ عليها وتصريف المياه العادمة وإعادة استخدامها بعد معالجتها، وهذا القانون تم تطبيقه في عام 2015، حيث أصبح لدى للمغرب قانون ماء جديد رقم 36/15، وهو قانون جاء بسياسات وآليات تنظيمية وإجراءات ذات صلة بالإدارة المتكاملة للموارد المائية وإنشاء الأدوات اللازمة للتنفيذ، وفي عام 2019ـ2020، أطلق المغرب خطة وطنية جديدة للمياه، تغطي احتياجات المواطنين من عام 2020 إلى عام 2050.

ولمعالجة ندرة المياه التي تعيشها بالمغرب منذ سنوات، أوضحت ليلى ماندي "من أهم ما جاء به المخطط هو مواصلة بناء السدود وربط الأحواض المائية (جلب المياه من أحواض غنية  إلى أخرى فقيرة)، وتطوير مشاريع تحلية المياه ودمج جميع القرى الريفية في أنظمة إمدادات مياه الشرب، وكذلك توفير المياه لتطوير الزراعة المستدامة والحفاظ على النظم البيئية، وقد تم التأكيد في هذه الخطة المائية على الموارد المائية غير التقليدية، خاصة تحلية مياه البحر التي ستوفر المياه للمناطق الساحلية الأكثر جفافاً كجهة سوس ماسة (جنوب المغرب)، هذه المحطة حلت مشكل مياه الشرب والسقي في المجال الفلاحي، كما يتم حالياً إنشاء أضخم محطة تحلية مياه بجهة الدار البيضاء الكبرى".

 

أزمة مائية بالمدن الكبرى

أما عن الأزمة المائية التي تعيشها المدن الكبرى، أكدت أن ذلك راجع للنمو الديموغرافي أولاً والذي جعل الطلب على الماء يتزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى كون المدن تعتمد أساساً في التزود بالماء الصالح للشرب على السدود، وللأسف أصبح منسوب المياه فيها ينخفض بشكل ملفت حيث أصبحت لا تتجاوز نسبة 30% بحسب الوزارة الوصية على القطاع، وبالتالي إذا لم تمتلئ السدود فإن التزود بالماء يصبح أمراً بعيد المنال، ونفس الشيء بالنسبة للمياه الجوفية التي أصيبت هي الأخرى بالاستنزاف، مما أدى إلى ندرة المياه.

وعن أسباب التغيرات المناخية تقول ليلى ماندي، أن درجات الحرارة في ارتفاع وستستمر في الارتفاع، ثم هناك تقلص الأمطار، وبحسب الخبراء فإنها ستستمر في الانخفاض خلال السنوات المقبلة، حيث يعد المغرب من الدول المهددة بالجفاف خلال السنوات القادمة، بالإضافة إلى الأسباب البشرية، حيث يعتمد المجال الزراعي على نسبة 80 إلى 90% من الموارد المائية التي تعتمد على الاستعمال المفرط للماء، ثم هناك مشكلة التلوث الناتج عن الاستعمالات العشوائية التي لا تراعي البعد البيئي، مثل النفايات الصناعية التي تلوث المياه، وعدم وعي المواطنين بكيفية استعمال الماء وتبذيره بشكل ملفت.

 

نقطة ضوء

ونوهت ليلى ماندي إلى الحملات التحسيسية التي تنظمها وكالات الحوض المائي، وكذلك منظمات المجتمع المدني التي تهتم بالمجال البيئي، معتبرة أنها نقطة ضوء إيجابية في ظل الأزمة التي باتت ترخي بظلالها.

وطالبت بتربية الناشئة على حسن تدبير الموارد المائية، وإدخال هذه الثقافة إلى مناهج التعليم منذ المرحلة الابتدائية، إلى غاية التعليم الجامعي "نحتاج لتربية أجيال تعي أهمية المحافظة على المياه وتعتبر أن الماء هو ذهب أزرق ينبغي المحافظة عليه".

وعن التدابير الاستعجالية المناسبة لتدبير المعقلان للموارد المائية التي اتخذها المغرب، أوضحت أن وزارة الداخلية أصدرت وثيقة موجهة لولاة وعمال المدن والأقاليم بجميع جهات المغرب، تعتمد أساساً على خفض استعمال المياه داخل البيوت، ومنع سقي المساحات الخضراء وملاعب "الغولف" بالمياه الصالحة للشرب سواء السطحية أو الجوفية، والاعتماد على المياه العادمة المعالَجة، ونفس الشيء بالنسبة للاستعمالات المتعددة (تنظيف الشوارع والأزقة والسيارات)، وكذلك إعادة استعمال مياه المسابح ومعالجتها بدل استبدالها بمياه جديدة.

وشددت الباحثة ليلى ماندي على ضرورة التتبع الصارم وتنفيذ هذه الإجراءات الاستعجالية من قبل الجهات المختصة، خاصة وأن الماء الصالحة للشرب ذو تكلفة مرتفعة جداً ولا يعقل تبديده في هذه الاستعمالات اليومية المتكررة، مؤكدة على ضرورة إعادة استعمال المياه العادمة في الزراعة بعد معالجتها، لأن المغرب يوفر على أكثر من 900 مليون متر مكعب سنوياً من هذه المياه (مياه الصرف الصحي)، حيث لا تتم معالجة إلا 45% فقط منها، مما سيمكنهم من تعويض الخصاص في المياه.