دراسة حديثة: تغير المناخ قد يفاقم من حدة العنف المبني على النوع الاجتماعي

كشفت العديد من الدراسات أن الكوارث الطبيعية والأوبئة تزيد من معدل العنف الممارس ضد المرأة.

بيروت ـ كشفت دراسة جديدة أن الأحداث الكارثية المرتبطة بالطقس التي تحدث في كثير من الأحيان بسبب تغير المناخ، تخلق ظروفاً غالباً ما يتفاقم فيها العنف القائم على النوع الاجتماعي، كما حذر الباحثون من أن تصاعد العنف يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى.

استعرضت الدراسة، التي نُشرت في مجلة "اللانسيت" The Lancet Planetary Health، الأبحاث المتعلقة بالعنف المبني على النوع الاجتماعي من خمس قارات، ووجدت زيادة في العنف ضد النساء والفتيات في أعقاب الفيضانات والجفاف والأعاصير وغيرها من الظواهر الجوية، والتي أصبحت أكثر تواتراً مع ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.

وقال معدو الدراسة إن المنظمات الإنسانية التي تستجيب لكوارث الطقس يجب أن تكون على دراية بهذا الاتجاه المقلق عند التخطيط لعملياتها.

وكانت المراجعات والتقارير المنهجية السابقة قد كشفت عن آثار الكوارث الطبيعية على العنف ضد المرأة، وكذلك الارتباط بين العنف القائم على النوع الاجتماعي وغيره من حالات الكوارث وحالات الطوارئ، بما في ذلك كورونا.

وتضيف هذه المراجعة المنهجية تقييماً لتأثير الظواهر المناخية وحوادث الطقس المتطرفة على العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تتعرض له النساء والفتيات والأقليات الجنسية والجنسانية والمرتبطة بالتهميش المتكرر، حيث تهدف هذه المراجعة إلى إثراء جهود البحث والتخطيط والتدخل والسياسات المستقبلية لتقليل عبء وقوع العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى الأضرار المرتبطة به في سياق الزيادات المتوقعة في معدلات وشدة الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة.

وقالت مؤلفة الدراسة والباحثة في مجال الصحة العامة في جامعة سيمون فريزر في كندا، سارة سافيتش كاليسو "عندما نفكر في تأثيرات تغير المناخ، فإننا نفكر في بعض الأشياء الخطيرة جداً والظاهرة للعيان، مثل الفيضانات، واضطرابات المدن، واضطرابات سلسلة التوريد - وكلها مخاطر صحيحة جداً وحقيقية للغاية لتغير المناخ، لكن هناك أيضاً بعض النتائج المستترة التي لا يمكن رؤيتها بسهولة أو دراستها بسهولة. وأحد هذه الأشياء هو العنف القائم على النوع الاجتماعي ولا سيما تلك الموجهة ضد النساء".

وقد تعمق الباحثون في قواعد البيانات على الإنترنت للعثور على دراسات حول الاغتصاب والاعتداء الجنسي وزواج القاصرات وأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي في أعقاب أحداث الطقس القاسية.

وأسفر البحث الأولي، المستند إلى كلمات رئيسية واسعة النطاق مثل "العنف" و"النساء" و"الطقس"، عن أكثر من 20000 نتيجة (26381 ورقة بحثية).

وتم غربلة هذه الدراسات ليتم تضمين 41 دراسة فقط في هذا البحث، لاستكشاف عدة أنواع من الأحداث (مثل العواصف والفيضانات والجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات) والعنف القائم على النوع الاجتماعي (على سبيل المثال، العنف الجنسي والتحرش والعنف الجسدي والزواج المبكر أو القسري والعنف العاطفي). وكانت الدراسات في الغالب تقاطعية.

وقد أظهرت معظم الدراسات زيادة في واحد أو أكثر من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء أو بعد الأحداث المتطرفة، وغالباً ما تتعلق بعدم الاستقرار الاقتصادي، وانعدام الأمن الغذائي، والضغط النفسي، والبنية التحتية المعطلة، وزيادة التعرض للرجال، والتقاليد وتفاقم عدم المساواة بين الجنسين، وخلصت الدراسة إلى أنه يمكن أن يكون لهذه النتائج آثار مهمة على التدخلات والسياسات والتنفيذ الجنسي والجنساني، كما وتعد الأدلة عالية الجودة من مجموعات كبيرة ومتنوعة إثنوغرافياً ضرورية لاستكشاف التأثيرات والعوامل الدافعة للعنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء وبعد الأحداث المتطرفة.

وعلقت سارة سافيتش كاليسو على هذه النتائج بالقول "على الرغم من أن العديد من الأوراق كانت معيبة وبعضها يتناقض مع بعضها البعض، إلا أن معظم الدراسات أفادت عن ارتفاع في العنف القائم على النوع الاجتماعي في أعقاب الطقس القاسي".

 

أمثلة

وقد ألقت الدراسة الضوء على ما حدث إثر إعصار كاترينا الذي ضرب شاطئ الخليج في الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2005، فقد وجدت إحدى الدراسات، أن الأمهات الجدد كن أكثر عرضة للضرب من قبل شركائهن بأكثر من ثمانية أضعاف بعد التعرض لأضرار بسبب العاصفة مقارنة بما قبل أن تضرب العاصفة.

وكانت هناك أيضاً خمس دراسات ذات نوعية جيدة أو عادلة مرتبطة بالجفاف في جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، والتي أشارت إلى ارتفاع معدلات الاعتداء الجنسي والجسدي من قبل الشركاء، وزواج القاصرات، والعنف القائم على المهر، وقتل الإناث.

كما كشفت المقابلات مع الناجيات أن السعي للحصول على مساعدات في حالات الكوارث يمكن أن يجعل النساء أكثر عرضة للخطر.

وقالت ليندسي ستارك، عالمة الأوبئة الاجتماعية في مدرسة براون بجامعة واشنطن في سانت لويس، إن هذا النمط "هو شيء يعرفه من يعمل منا في المجال الإنساني بشكل جوهري، لأننا نراه طوال الوقت. لذلك، من الجيد جداً رؤية هذا الاستنتاج للأدلة".

وأكدت سارة سافيتش كاليسو أن "تغير المناخ في حد ذاته لا يتسبب بشكل مباشر في العنف القائم على النوع الاجتماعي، ووجدت أن "العنف القائم على النوع الاجتماعي يتفاقم بسبب الظواهر الجوية الشديدة لأنه نوع من استراتيجية المواجهة على حساب النساء والفتيات والأقليات الجنسية والجندرية".

ويدرك الباحثون على نطاق واسع أن الأزمات الإنسانية، مثل الصراع أو الهجرة القسرية، تميل إلى تعريض النساء والفتيات للعنف. قالت لوري هايز، الخبيرة في المساواة بين الجنسين في كلية جونز هوبكنز بلومبيرغ للصحة العامة، أن "حدوث عواقب مماثلة لكوارث المناخ ليس مفاجئاً".

ومع ذلك، فإن الطرق الدقيقة التي تؤدي بها الكوارث المناخية إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي لا تزال غير واضحة من البيانات، يتوفر عدد قليل من الدراسات عالية الجودة - ولم يتم جمع أي بيانات تقريباً حول التحديات التي تواجهها الأنواع الاجتماعية الأخرى في أعقاب أحداث الطقس القاسية، وقالت سارة سافيتش كاليسوي إن "الدراسة الجديدة تسلط الضوء على الحاجة إلى المزيد من الأبحاث الأفضل وأن تشارك المنظمات الإنسانية مع النساء والفتيات في المناطق التي تعاني من ضغوط مناخية حول أفضل السبل لحمايتهن عند وقوع الكوارث".

وقالت ليندسي ستارك "العنف القائم على النوع الاجتماعي يحدث طوال الوقت وفي كل مكان، نحن بحاجة إلى منع العنف القائم على النوع الاجتماعي الآن، وأن نفهم أنه إذا لم نتحرك الآن، فإن الوضع سيزداد أضعافاً مضاعفة مع أزمة المناخ الوشيكة التي نعلم جميعاً أنها تقع علينا".

 

عواقب بعيدة المدى

وحذرت الدراسة من عواقب بعيدة المدى على الضحايا الذين يتعرضون للعنف القائم على النوع الاجتماعي والذي يشمل الإصابة الجسدية، والحمل غير المرغوب به، والتعرض لفيروس نقص المناعة البشرية أو غيره من الأمراض المنقولة جنسياً، ومشاكل الخصوبة، والوصمة المجتمعية، وحالات الصحة العقلية، والتداعيات على الأطفال.

وفقاً للباحثين، يمكن أن يؤدي العنف أيضاً إلى زيادة الضعف والعطب، حيث تختار بعض النساء البقاء في المنزل، مما يعرضهن لخطر إضافي.

في حين يأمل الباحثون أن تؤدي الأحداث المناخية المتطرفة إلى زيادة الإبلاغ عن العنف المنزلي، إلا أنهم لاحظوا أن الإبلاغ لا يزال يعاني من عدد من العوامل بما في ذلك إسكات الضحايا، وأضافوا أن هذا صحيح بشكل خاص في البلدان التي يكون فيها الحفاظ على شرف الفتاة والأسرة وقابلية الزواج أمراً مهماً.

 

تغير المناخ

بين عامي 2000 ـ 2019، تغيرت شدة وتواتر ومدة وتوقيت ومدى انتشار الظواهر المناخية المتطرفة، نتيجة لتغير المناخ، وقد أثرت الفيضانات والجفاف والعواصف وحدها على ما يقرب من 4 مليارات شخص في جميع أنحاء العالم، كما وأودت الحوادث المتطرفة بحياة أكثر من 300 ألف شخص.

إن حدوث هذه الحوادث المتطرفة يمثل تغيراً جذرياً منذ الفترة 1980 - 1999، مع زيادة تواتر الفيضانات بنسبة 134% والعواصف بنسبة 40%، والجفاف بنسبة 29%، ومع تقاعس العالم في تنفيذ تدابير التكيف والتخفيف المناسبة، فإن تكلفة هذه الحوادث من المتوقع أن يرتفع أكثر مع تقدم تغير المناخ.

يمكن أن يؤدي الطقس القاسي إلى تعرض الناس لضغط هائل، وتشريدهم، وإجبارهم على العيش في معسكرات إغاثة مزدحمة، وتدمير سبل عيشهم، وتعريضهم للغرباء الذين قد يؤذونهم، بالإضافة إلى أدوار الجنسين التي غالباً ما تؤدي إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي، فإن عوامل الخطر هذه تجعل النساء بشكل خاص عرضة للخطر، على سبيل المثال، قد تتزوج بعد الفيضانات ابنة قاصر من عائلة ما في وقت مبكر لتؤمن الغذاء بفم واحد أقل، أو قد يؤدي إعصار ما إلى توتر رجل، ما يؤدي به إلى ضرب زوجته.