الزراعة الإيكولوجية... مشروع إنتاج طبيعي يواجه تحديات المناخ وشح المياه

بكثير من الإصرار وبعزيمة لا تقهر، استطاعت الناشطة زينب الشبيبي أن تنسج خيوط حياة قريبة من نبض الأرض، شعارها الدفاع عن الفلاحة الإيكولوجية وتشجيع النساء والشباب على خوض مغامرة تمثل بديلاً في ظل التغيرات المناخية.

رجاء خيرات

المغرب ـ من حب الأرض والنباتات ولد شغفها بالزراعة الايكولوجية، بعيداً عن التقنيات الحديثة والمبيدات التي تستعمل في تطوير المحاصيل والمنتجات الزراعية، حتى أصبحت واحدة من المدافعات القويات عن البيئة والزراعة الإيكولوجية التي تراها البديل الأمثل لمواجهة المنتجات المصنعة والضارة بالصحة.

 

رحلة امرأة للبحث عن الزراعة الإيكولوجية

بخطى حثيثة نحو تحقيق مشروع فلاحي مستدام، تقول الناشطة المغربية الصديقة للبيئة زينب الشبيبي "عانيت كثيراً من تدهور صحي بسبب المنتجات التي نستهلكها، وكان لابد أن أعيد النظر في غذائي، فبدأت رحلة البحث عن خضراوات وفواكه تُنتج بشكل طبيعي بعيداً عن المبيدات الكيماوية، إذ بفضل حمية اتبعتها تبين لي أن هذه المبيدات التي تستعمل في الزراعة كانت وراء إصابتي ببكتيريا تتكاثر بجسمي".

في ظل هذه الظروف، بدأت زينب الشبيبي رحلة البحث عن تكوينات وورشات تدريبية حول كيفية العودة إلى الإنتاج الطبيعي والفلاحة الإيكولوجية "خلال تلك الفترة ظهرت جمعية باسم "الإنسانية والأرض" انضممت إليها ومن خلالها بدأت أتعرف عن قرب على العديد من أسرار الأرض وأفهم الكثير من تقنيات الفلاحة البيولوجية، التي لم أكن أعرفها من قبل"، وبفضل التكوينات والتدريبات التي صقلتها بالاطلاع على خبايا الزراعة الطبيعية أصبحت ملمة بمقاربات فلاحية جديدة تراعي نوعية التربة وتسعى لإغنائها بالسماد العضوي الطبيعي، بعيداً عن المبيدات الكيماوية والمصنعة.

فمن خلال هذه الرحلة، تمكنت من نسخ خيوط متينة مع الأرض، بدأت تشعر بنبضها، وتعرف احتياجاتها، وتترجم صمتها إلى لغة يفهمها فقط من اقترب منها وتحامى بها وسقاها من ينابيع الحلم التي حملتها في قلبها قبل أن تحولها إلى مشروع فلاحي ايكولوجي.

وأوضحت "اشتريت قطعة أرض بضواحي منطقة اغمات تبعد عن مراكش 30 كيلومتراً، وحرصت على أن تكون بها مياه، حتى يتسنى لي تحقيق الاكتفاء الغذائي من جهة، ومن جهة أخرى لإجراء مجموعة من التجارب من خلال ما تعلمته في جمعية الإنسانية والأرض، وتمرير هذه المعارف فيما بعد لنساء أخريات".

في زمن تتزايد فيه التحديات المناخية وتعلو أصوات مدافعة عن البيئة، وجدت زينب الشبيبي موطئ قدم لها ضمن المدافعين عن الزراعة الإيكولوجية، ولتحقيق هذا الهدف كان لابد أن تتسلح بالمعرفة، وتتقرب أكثر لعالم الزراعة الغني والمتنوع والمتحول باستمرار، بسبب الظروف المناخية المتحولة، جعلت من حياتها سلسلة من التنقلات عبر ربوع الوطن لتأطير ورشات تدريبية تحث من خلالها المهتمين بالفلاحة وممارسيها على إتباع تقنيات الزراعة الايكولوجية، بدءاً بإغناء التربة وتسميدها بالمركبات العضوية، والاعتناء بالأشجار وطرق تشذيبها وحمياتها من العوامل الخارجية، حتى تعطي منتوجاً غزيراً.

 

تحديات مرتبطة بقلة المياه

مع شح تساقط الأمطار وارتفاع درجات الحرارة (الاحتباس الحراري) كان لابد من ابتكار أساليب جديدة لإغناء التربة وتزويدها بالماء، وبينت أنه "بفضل التكوينات التي تلقيتها أدركت أنه ينبغي أن نغذي الكائنات المتعضية التي تغني التربة وتحول المواد العضوية إلى أخرى معدنية من أجل نمو منتوج زراعي متكامل قابل للاستهلاك، فضلاً عن إعادة إنتاج بذور تتكيف والظروف المناخية التي أنتجت فيها، كما أنه أمام شح المياه، تعلمت كيف أجمع مياه الأمطار في أحواض أشبه بحفر تحت الأرض لإعادة استعمالها في السقي، وكذلك وضع مياه في أواني طينية يتم دفنها في الأرض عند جذع الأشجار المثمرة، من أجل أن تأخذ منها احتياجاتها من الماء في حال انعدام وجود مياه للسقي، وكذلك بالنسبة لتربية الديدان التي يتم إضافتها للتربة حتى تغنيها بالمواد العضوية الأساسية لنمو النباتات، هذه كلها تقنيات تعلمتها واكتسبتها مع التجربة والخبرة في إنتاج الزراعة الإيكولوجية".

انخراطها في جمعية الإنسانية والأرض لم يصنع منها مجرد امرأة تحتاج لأن تنتج غذاءها بنفسها، بل وجدت أنه من واجبها أن تمرر هذه الرسائل المهمة لجيل كامل من الشباب "تعلمت الكثير وأدركت في نهاية المطاف كامرأة مهتمة بالبيئة والزراعة الايكولوجية أنه من واجبي أن أساهم في تكوين جيل يحمل هم الزراعة الإيكولوجية والتعامل مع التغيرات المناخية التي أصبحت تفرض نفسها بقوة في عصرنا، وثقل المسؤولية أصبح يفرض علي أن أنخرط في هذه المهمة".

 

من أجل إنتاج فلاحي مستدام

من بين الأهداف التي تعمل عليها زينب الشبيبي هو تدريب جيل من الفلاحين والمزارعين لم تتح لهم الظروف أن يطلعوا على التقنيات العلمية المرتبطة بالفلاحة المتطورة، وتحقيق اكتفاء ذاتي في ظل الظروف المناخية وترى أن "صعوبة الظروف الطبيعية وعدم استدامة الإنتاج الفلاحي تخلق لدى الفلاحين والمزارعين نوعاً من عدم الثقة في الفلاحة الإيكولوجية، لأن هذه الأخيرة تحتاج إلى إدماج الجانب العلمي والمعرفي للحصول على إنتاج ومردودية".

ولتحقيق الاستدامة في المنتوج الفلاحي طالبت بإدماج الباحثين والخبراء والاستفادة منهم من أجل تحديد بعض المعطيات الأساسية كنسبة الحموضة في التربة وكيفية التعامل مع بعض المنتوجات للوصول إلى الأهداف المبتغاة.

 

صديقة للأرض

ارتبطت زينب الشبيبي بمنطقة اغمات، كما فعلت زينب النفزاوية (واحدة من أشهر نساء مراكش وأكثرهن قوة عبر التاريخ)، لتبني علاقة متينة مع الأرض، جعلتها تختبر نبضها وتعرف وجعها، الأرض والتربة بالنسبة لها ليست رحماً يعطي الغذاء فحسب، بل هي ميثاق ومسؤولية على عاتقها، لأن الأرض هي الأم الولود والحضن الذي تلجأ إليه زينب كلما ضاقت بها سبل الحياة، وكلما ازدادت قسوة المناخ.

واختتمت زينب الشبيبي حديثها قائلة بأن "الأصدقاء في الطبق هم حتماً أصدقاء في الأرض" بمعنى أن المنتوجات التي يمكن أن تمتزج في الطبق على مائدة الطعام، يمكن زرعها مع بعضها البعض في الأرض كالبصل والكزبرة، الطماطم والحبق، هي أمور اكتسبتها زينب خلال رحلة متفردة مع الفلاحة الإيكولوجية، حتى أضحت أحد الأصوات المدافعة عن استدامة الإنتاج الفلاحي في ظل شروط تراعي الظروف المناخية الجديدة بعيداً عن الاستنزاف.