تجفيف الغلال... رحلة نجاح لتحقيق الاستقلال الاقتصادي
دور المرأة في المناطق الداخلية بتونس لم يقتصر فقط على شؤون المنزل، بل تمكنت من تحقيق النجاح والتفوق في مجالات متنوعة بعد إيمانها بقدراتها وسعيها لتحقيق ذاتها.

إخلاص الحمروني
تونس ـ بعد سنوات من البحث والتدريب، قررت منية عبيدي إطلاق مشروعها الخاص بتجفيف الغلال "الفاكهة"، مستثمرة مواردها المتاحة لتحويل فكرة بسيطة إلى مشروع طموح متجاوزة كل التحديات التي واجهت طريقها.
تقول منية عبيدي، الحاصلة على شهادة في التجارة الدولية والاقتصاد المادي، وأم لطفلين، إن فكرة مشروع تجفيف الغلال جاءت بعد تفكير طويل، والقيام بعدة دورات تدريبية، وأوضحت أنها فكرت في مشروع تجفيف الخضراوات والفاكهة لأنها تنحدر من منطقة الرقاب، التي تُعدّ منطقة فلاحية بامتياز، حيث تتوفر فيها العديد من أنواع الغلال التي تنضج، لكنها لا تُثمَّن كما يجب.
وأضافت "في بعض المواسم، لاحظت أنه عندما تنخفض أسعار الغلال، نجد أن كميات كبيرة منها تُهدر ولا يتم الاستفادة منها بالشكل الأمثل، ففكرت لماذا لا نقوم بتثمين هذه الغلال والخضر حتى نتمكن من استخدامها في غير مواسمها؟ بهذه الطريقة، يمكننا تناول البرتقال في الصيف والفراولة في غير موسمها"، موضحةً أن عملية التجفيف تساعد في الحفاظ على القيمة الغذائية للثمار، مما يجعلها خياراً صحياً.
وأشارت إلى أن استهلاك الغلال المجففة، سواء للأطفال في وجباتهم المدرسية أو للكبار، يُعتبر بديلاً مغذياً وصحياً، ويساهم في تنشيط الجسم بطريقة أفضل، فضلاً عن الحد من استهلاك المنتجات الصناعية التي أصبحت منتشرة في السوق.
وقالت منية عبيدي عن دوافعها لإنشاء مشروعها الخاص "فكرت في هذا المشروع لأنني أردت أن أؤسس عملي الخاص، لقد درست وتخرجت وحصلت على الأستاذية، لكنني انتظرت الحصول على وظيفة في القطاع العام، ولم تأتِ الفرصة، ثم تزوجت وكرّست وقتي لتربية أطفالي، وعندما كبروا وجدت نفسي أتساءل أين أنا؟ من هي منية عبيدي؟ شعرت أنني لم أعد موجودة سوى كأم وزوجة، وكان منزلي هو عالمي الوحيد، أدركت أنني بحاجة إلى تحقيق ذاتي وإثبات وجودي، وأن أثمن سنوات دراستي والمجهود الذي بذلته، لقد درست حوالي 17 سنة، فكيف يمكن أن يضيع كل هذا دون فائدة؟ لذلك، قررت أن أنشئ مشروعي الخاص، مشروعاً يعبر عني، ويحقق أهدافي المعنوية والمادية، ويجعلني أشعر بقيمتي الحقيقية".
أما بخصوص التمويل، فأوضحت أنها تعتمد حالياً على تمويل ذاتي بالكامل، حيث تعمل بإمكانيات بسيطة داخل منزلها "أقوم بالإنتاج من مطبخي باستخدام الفرن الخاص بي، وأشارك ببعض المنتجات في المعارض، حيث شاركت في معرض نابل، ومعرض تونس، ومعرض سيدي بوزيد، ورغم محدودية الموارد، فإنني أعمل بجد لتطوير مشروعي".
وأضافت أنها استفادت من دورات تدريبية نظمتها جمعية نبض الحياة، حيث تم اختيار عشر فتيات من مدينة الرقاب للحصول على تمويل، وبيّنت أن هذا الدعم يشمل توفير المكونات التي تحتاجها لإنتاج الغلال المجففة، وهي الآن في انتظار افتتاح نقطة بيع خاصة بها ومقر مجهّز بمعدات ذات جودة أعلى وكفاءة أكبر من تلك التي تستخدمها حالياً في المنزل، مؤكدة أن منتجاتها تحظى بإقبال كبير، والعملاء يطلبونها باستمرار، وهو ما يعزز طموحها في توسيع نطاق عملها وتحقيق المزيد من النجاح.
وبخصوص الصعوبات التي تواجهها في مشروعها، أشارت محدثتنا إلى أن أكبر تحدٍّ بالنسبة لها هو عدم امتلاكها نقطة بيع لعرض منتجاتها "لا أملك مكاناً مخصصاً لعرض منتجاتي، حيث يعتمد نشاطي حالياً على الطلبات الفردية، عندما يتصل بي أحد الزبائن لطلب كمية من الغلال المجففة، أجهزها وأوفرها له، لكن لا يوجد متجر يمكن للزبائن زيارته لاختيار المنتجات مباشرة، وهذا يشكل عائقاً، لأن نقطة البيع ستوفر لي مساحة لعرض منتجاتي وتسهّل وصول الزبائن إليها". موضحةً "ليس بإمكاني تجفيف جميع أنواع الغلال، لأن بعضها يحتاج إلى آلات متخصصة مثل أجهزة التجفيف الهوائي ولو كنت أمتلك المعدات اللازمة، لكان بإمكاني تحسين جودة الإنتاج وتوسيعه بشكل أكبر".
وترى منية عبيدي أن امتلاك نقطة بيع ومعدات حديثة من شأنه أن يدعم نجاح مشروعها ويمنحه فرصاً أكبر للنمو "لو توفر لي مقر مجهز وماكينات تجفيف متطورة، لكان مشروعي أكثر نجاحاً وانتشاراً، كنت سأتمكن من تلبية طلبات أكبر، والتوسع إلى الأسواق المجاورة خارج محافظة سيدي بوزيد، ولمَ لا الوصول إلى الأسواق الخارجية أيضاً".
كما تطرقت إلى مكانة المرأة التونسية ودورها في تحقيق النجاح، مؤكدة أن المرأة حتى في الأوساط الداخلية والريفية قادرة على التفوق وإثبات ذاتها رغم التحديات "المرأة التونسية معروفة بقدرتها على النجاح، وقد أثبتت جدارتها في مختلف المجالات، فالمرأة التي تبدأ مشروعاً في منزلها يمكنها أن تحقق النجاح، رغم الصعوبات التي قد تواجهها، خاصة إذا كانت لديها العزيمة والإصرار على تحقيق أهدافها".
ووجهت رسالة تشجيعية لكل النساء، داعيةً إياهن إلى الإيمان بقدراتهن وأفكارهن "المرأة التي تنجح في تربية أطفالها، وإدارة بيتها، والعناية بأسرتها، قادرة بلا شك على إدارة مشروعها الخاص، حتى ولو كان بإمكانيات بسيطة، المهم هو الجودة، ومعرفة كيفية تسويق المنتج، والاستفادة من أدوات التسويق الشبكي، مثل منصات التواصل الاجتماعي".
وأشارت إلى أن المجتمع لا يزال ذكورياً في كثير من جوانبه، حيث تسود فكرة أن "القوة للرجال، والنجاح للرجال، والقيادة للرجل"، بينما أكدت أن المرأة أثبتت عكس ذلك، وحققت نجاحات عديدة، وتفوقت على الرجل في عدة مجالات، ودعت النساء، خصوصاً في المناطق الريفية، إلى عدم التردد أو التراجع أمام العقبات، قائلة " يجب ألا تستسلم المرأة أمام أي مشكلة تعترضها، سواء كان رفضاً من الزوج أو العائلة أو الأولاد، ومن الضروري أن تعمل على تطوير ذاتها، وتسعى لتحقيق أحلامها، لأن النجاح ليس صعباً، بل يمكن تحقيقه بسهولة عندما تؤمن المرأة بقدراتها".
وختمت منية عبيدي حديثها بالتأكيد على أن اكتفاء المرأة بدور ربة بيت فقط غير كافٍ، ولا يمنحها الشعور بالحرية والأمان "من المهم أن تكون المرأة قدوة لأطفالها، لأن نجاح الأم يسعد أبناءها ويجعلهم فخورين بها".