تحقق اكتفائها الذاتي من خلال زراعة الأشجار
هُجرت النّساء اللواتي ارتبطنَّ بأراضيهنَّ كثيراً، من مقاطعة عفرين، فكان لا بد لهنَّ من غرس بذور الأمل، عبر العناية بالطبيعة وزراعة الأشجار المعمرة والشتلات والأزهار، للدلالة على استمرار الحياة والأمل
روبارين بكر
الشهباء ـ .
حورية كدرو (64) عاماً من قرية كفر صفرة التَّابعة لناحية جنديرس في مقاطعة عفرين، وهي أم لولدين، تقول عن عملها في زراعة الزيتون منذ أكثر من 25 عام، "الزَّراعة جزءٌ لا يتجزأ من حياتي". فقريتهم احتوت على أكثر من 400 مشتل لأشجار الزَّيتون والزّينة "أطلق الفكرة أحد المهندسين الزّراعيين في قريتنا، إذ عمل في الغرس، وعلم كيفيته للأهالي المحبين للأرض والمتمسكين بها".
وعملت مع أبنائها في العديد من المشاريع الكبيرة كـ "المشاتل" وحققوا نجاحاً باهراً "أعتني بالمزروعات كأنها أبنائي، ويديَّ خضراء فما أزرعه دائماَ ينجح".
وبعد الاحتلال التركي لعفرين عام 2018، أُجبرت حورية كدرو على النزوح، وترك منزلها وأرضها "سعينا للتمسك بالحياة ولإضفاء طابع جديد على الشّهباء، ورغم أن مدينتنا تعرضت لمؤامرة، إلا أنها أقوى من ذلك، ونحن بدورنا نتمسك بحلم العودة الذي سنحققه بسواعدنا".
وفي العام الأول من النزوح سعت حورية كدرو إلى فتح مشروع صغير يضم حوالي (50) ألف شتلة لتستطيع من خلاله تأمين المعيشة، وتوفير اقتصاد يُحقق متطلباتها في ظل الظروف الصعبة، "لا نستطيع العيش بدون الزراعة، فهي موروث من الأجداد".
وعن مشروعها وسعيها لإنجاحه، تقول "جلبنا التربة الخاصة بغراس الزَّيتون من قرية كشتعار في ناحية شيروا، ودعمتنا الإدارة الذاتية، إذ وفرت البيوت البلاستيكية، والأدوية وغيرها من المواد للمضي قدماً نحو النجاح".
وزرعت في السَّنة الأولى ما يُقارب خمسين ألف شجرة زيتون في ناحية فافين، إلا أن المشروع تعرض لمشكلة التأخر في الزراعة، وحاولت تلافيها ببيع بعض من الغراس، وتغيير المكان إلى ناحية الأحداث بالقرب من منزلها ليسهل عليها العناية بمزروعاتها.
وحقق مشروع حورية كدرو نجاحاً لافتاً، فوسعته بزيادة أعداد الشتلات التي وصل عددها إلى 60 ألف شتلة، إضافة إلى زرعها أشجار اللوز، والتَّين، والفستق والسّرو، والجّوز، ومختلف أنواع الورود منها القرنفل وفم السَّمكة، وإكليل الجَّبل، والريحان، والذي لا يتوفر لديها تجلبه من مدينة حلب.
والزَّيتون شجرة مُقدسة وخيرة ورمز المقاومة والصَّمود، والخضار مفيد للمناخ، وترطيبه، "اعتدنا على العيش مع الطَّبيعة والتَّلاحم مع الأرض، المكان أيضاً للترويح عن النَّفس وتأمين الرّاحة".
ويساعدها في تعبئة التَّربة في أكياس عدد من العمال، إلا أن العبء الأكبر يقعُ على عاتقها، "في صباح كل يوم أتوجه إلى المشتل للعناية به وسقايته، وخبرتي على مدار الأعوام جعلتني أكثر معرفة بالنَّباتات والأشجار"، وتستفيد من المشروع في تحقيق اكتفائها الذَّاتي وتأمين العمل لأشخاص آخرين، وتبيعُ بـ 1000 ليرة سورية، على الرغم من أن النَّظام السّوري يجبرها على دفع ضريبة أثناء جلب الورود من حلب.
وتتذكر مدينتها عفرين ولحظات حياتها من خلال عملها في الزراعة، "عفرين باقية في الذَّاكرة، ووجودي في المشتل يجعلني أقرب أليها، فهي أغلى من كل شيء" وتتمنى حورية كدرو العودة إلى عفرين قريباً.