نساء يكسرنَّ الصورة النمطية ويقتحمنَّ عالم الميكانيك

كسرت المرأة الأردنية الصورة النمطية، ودخلت مجال هندسة الميكانيك الذي اعتبر لسنوات من اختصاص الرجال وحدهم، وتجاهلت جميع الآراء السلبية

دانا أبو عياش 
الأردن ـ القائلة بأن الميكانيك يحتاج لجهد عضلي، وأن على النساء إلا يزاحمنَّ الرجال على أعمالهم.
لتسليط الضوء على انخراط النساء في إحدى هذه المهن التقت وكالتنا وكالة أنباء المرأة مع ثلاث مهندسات ميكانيكيات تحدثنَّ عن تجربتهنَّ في هذا العمل وتحديهنَّ لنظرة المجتمع.
"المرأة الذكية بعشرة رجال" جملة ألهمت سلام العبادي (26) عاماً، لخوض تحدي دراسة الميكانيك والعمل في هذا المجال تقول "هذه الجملة التي سمعتها كانت الإلهام والدافع لدخولي تخصص هندسة الميكانيك". وتخرجت في عام 2020 أي أنها ما تزال حديثة العهد في هذه المهنة.
أما نور العلان (27) عاماً، وهي خريجة هندسة ميكانيك من جامعة مؤتة سنة 2018، فتقول "حبي للسيارات والمحركات دفعني لهذا التخصص". 
فيما قالت تسنيم البر (27) عاماً، وهي خريجة هندسة ميكانيك من جامعة مؤتة سنة 2017، ومتزوجة وأم لطفل "دخلت تخصص هندسة الميكانيك، وكنت أخطط لدراسة الهندسة الكيميائية فيما بعد، ثم غيرت رأيي لأني أحببت هذا التخصص ووجدت نفسي فيه، وشعرت أني سأبدع به".
 
ردة الفعل
ما زالت المجتمعات العربية لا تحبذ دخول المرأة مجال الأعمال، وإذا عملت يريدونها أن تعمل في مجالات يظن أنها مرسومة لها. فهناك صورة نمطية للمرأة فهي إما جميلة وتتصدر الإعلانات التلفزيونية أو ربة منزل تعمل على تربية الأبناء ورعايتهم. ولكن كيف لو كانت هذه المرأة تعمل مهندسةً ميكانيكية؟
تقول سلام العبادي "لم تعارض عائلتي فكرة دخولي لهذا التخصص، لكن هذا لا يعني أنني لم أسمع تعليقات سلبية سواء منهم أو من غيرهم، كما أن المحيطين بي كانوا يستنكرون ذلك فكثيراً ما سمعت كلمات من قبيل شو رح تكون نهايتك؟ وين رح تشتغلي؟ نهايتك تحت سيارة؟ فالتحدي كان بالنسبة لي هو تغيير فكرة المجتمع عن دخول الفتيات لهذا التخصص أو أي تخصصات أخرى تعد غير مألوفة للمجتمع".    
كذلك لم تعارض عائلة نور العلان دراسة هندسة الميكانيك "سمعت تعليقات من عائلتي رغم أنهم لم يعارضوا وكذلك من الناس المحيطين بي كـ شو بدك تشتغلي بس تخلصي؟ بدك تفتحي كراج؟ رح نجي نصلح سياراتنا عندك؟، فهم لم يأخذوا الموضوع بجدية. النساء اللواتي يعملنَّ في هذا المجال سمعنَّ تعليقات رافضة وبشدة من الرجال يقولون جايين تزاحمونا بشغلنا، اقعدوا بالبيت أحسنلكم، أنتي ما بتقدري على هيك شغل، خليكي بالبيت مع الولاد، هاد المكان مو إلك". 
فيما تقول تسنيم البر "دعمتني عائلتي وزوجي بشكل كبير، والدي بالأخص كان يساعدني في أمور كثيرة، والمحيطين بي كانوا داعمين نوعاً ما، وأعتقد أن هذا شيء مهم ودافع للاستمرار والإبداع".
 
عمل المرأة منافسة وليس تهديد 
بعد أن ترسخ في المجتمعات مفهوم تفوق الرجل على المرأة أسندت إليه الأدوار القيادية في المجتمع. وظل الرجل ينظر لنفسه نظرة استعلائية معتمداً بذلك على قوته الجسمانية وتكوينه العضلي.
تقول سلام العبادي "عندما كنت الفتاة الوحيدة في المحاضرة قال لي زملائي شو جابك هون؟ هاد مش مكانك، انت جاي تاخدي مكانا!"، مضيفةً "رغم ذلك استطعت أن أقدم وانجز في هذا المجال خلال فترة دراستي بالجامعة أكثر من الرجال، وانضممت لدورات في تخصصات عديدة وشاركت مع منظمات عالمية مختصة في هذا المجال".
وتؤكد تسنيم البر "كامرأة في هذا المجال أواجه تعليقات سلبية جداً خاصة من الشباب، يقولون إن الشباب يبتعدون عن هذا المجال لأنه يحتاج لمجهود كبير، فكيف للفتيات أن يدخلنه". 
وبالنسبة لنور العلان فكانت تشعر بأنها مميزة في جامعتها، "هناك عدد من الطالبات يدرسنَّ الميكانيك في جامعتي وفي جامعات أخرى لكن عددهنَّ يبقى أقل من الطلاب الذكور، ففي كل دفعة لا تجد أكثر من طالبتين أو أربع طالبات، لكن ورغم ذلك لم أشعر بالتمييز خلال دراستي أو خلال تدريبي من قبل المسؤولين، بل على العكس تماماً كنا مميزات كوننا الفتيات الوحيدات اللواتي تشجعنَّ لدراسة هذا المجال". 
 
المجتمع محدود النظر 
ما زال هناك نظرة سلبية ودونية للوظائف اليدوية، فمثلاً العمل في الميكانيك غير مقبول اجتماعياً مع أن الهندسة الميكانيكية من أقدم وأوسع التخصصات الهندسية. 
تقول تسنيم البر "لا يقتصر العمل في هذا المجال في كراجات السيارات، من الممكن العمل في شركات الجرافات (الآليات الثقيلة)، وشركات السيارات والمصانع (ماكينات المصانع)، وقد عملت في مجال الطاقة الشمسية وحالياً متدربة في أكاديمية النقابة العامة لأصحاب المهن الميكانيكية في دورة ميكانيك الآليات الثقيلة".
كما تؤكد سلام العبادي على ذلك "هذا التخصص لا يقتصر فقط على صيانة السيارات كما يعتقد معظم الناس، هو تخصص كبير ويتشعب منه تخصصات عدة مثل الطاقة والتبريد وهي الأمور التي نتعامل معها بشكل يومي، فهي جزء لا يتجزأ من حياتنا، لذلك فأنا فخورة بهذا العمل".
 
عملي لا يؤثر على أنوثتي
يرتبط مفهوم الأنوثة العميق والقوي بشخصية المرأة وعطائها، ولكن يكتفي المجتمع بربط الأنوثة بالمظهر الخارجي والجاذبية، وتلتصق بمفهومه معاني الضعف، والنقص، والحاجة. 
عن ذلك تقول سلام العبادي "تبقى أنوثة المرأة. فعملها في أي مجال لا يغير من طبيعتها ولا ينقص منها، وعليها أن تثبت ذاتها أينما كانت".
وتؤكد تسنيم البر على هذا "عملي في مجال الميكانيك لا يقلل من أنوثتي ولا يفقدني إياها، عملي شيء وأنوثتي شيء آخر، نحن في مجتمع يربط الأنوثة بأشياء سطحية، لكنني كامرأة أستطيع العمل في هذا المجال، أنا أنثى في كل المواقع، والمرأة التي تستطيع إنجاب الأطفال وتربيهم قادرة على عمل أي شيء".
 
نلمس التغيير ونتمنى رؤيته في السنوات القادمة
وعن قدرة المرأة على المحاربة دائماً ترى نور العلان أن "في مجتمعاتنا كان على المرأة المحاربة للحصول على حقوقها، فالعوائق توضع دائماً في طريقها، لكنها اليوم لم تعد كما في السابق فقد اقتحمت جميع المجالات التي احتكرها الرجل". 
وتأمل نور العلان أن يتغير هذا الواقع في المستقبل القريب "أنا على قناعة أن هذا الواقع سيتغير نحو الأفضل، كما أننا في عصر التكنولوجيا، ولم يعد مطلوب من العاملين في الميكانيك جهداً بدنياً".     
وحول تمنياتها المستقبلية تقول "إذا تمكنت مادياً سيكون لي عملي الخاص في السيارات وربما امتلك كراجاً، وأن أصبح أول امرأة بالأردن لديها هذا المشروع". وتضيف "حالياً أبحث عن عمل، لكني أواجه مشكلة وهي أن أرباب العمل يفضلون توظيف الذكور عن الإناث، لكني آمل أن يتغير هذا الوضع". 
أما سلام العبادي فتقول "خلال بحثي عن الوظيفة، كنت أجد قبولاً من بعض الشركات، لكن بشكل عام ما تزال الأحقية للذكور في هذا العمل"، وتضيف "كراج للسيارات فكرة ليست بعيدة فأنا أفكر بذلك، وأسعى لعمل شيء جديد ليس موجوداً في الأردن فهذا المشروع من الممكن أن يغير كثيراً من نظرة المجتمع".
أما تسنيم البر فتقول "كان التعليم للمرأة شيء غريب ومرفوض، أما الآن فإنه أساسي، فالزمن كفيل بتغيير نظرة المجتمع اتجاه المرأة، وستصبح هذه الأمور طبيعية وليست غريبة".