موسم جني الزعفران... رحلة نساء تبحثن عن مصدر العيش
تبحث النساء في منطقة تالوين بالمغرب، عن مصدر عيشهن من خلال جني الزعفران عن طريق جمع الزهور البنفسجية التي تحتوي على شعيرات.
رجاء خيرات
مراكش ـ يعد الزعفران أو "الذهب الأحمر" كما يطلق عليه، مصدر عيش العديد من النساء في منطقة تالوين جنوب المغرب، واستطاعت النساء من خلاله أن تحققن مشروعاً مدراً للدخل منحنهن الاستقلالية.
في الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول/أكتوبر، يبدأ موسم جني الزعفران، حيث تتوجه نساء منطقة تالوين إلى الحقول بحثاً عن "الذهب الأحمر" الذي يعد مصدر عيش مهم بالنسبة للعديد منهن.
تقول رئيسة التعاونية الفلاحية "سكينة" ربيعة مرزوق "جني الزعفران عن طريق جمع الزهور البنفسجية التي تحتوي على شعيرات، ليس بالمهمة السهلة، فهي تكون عند مطلع الفجر، وقبل أن تتفتح الزهرة، حيث تصبح عرضة للغبار والحشرات كلما تفتحت. هذه العملية تستمر لأسبوعين متتاليين إلى أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر، لكن وعلى الرغم من صعوبتها إلا أنها منحت نساء تالوين الاستقلالية".
وأوضحت "في السابق كانت النساء هن من تقمن بتحضير كل مراحل الزعفران، ليكون جاهزاً للتسويق الذي تقوم به جهات مختلفة، ويكتفون بمنح النساء بعض العائدات لسد احتياجاتهن، إلى أن ظهرت التعاونيات التي فتحت أمامهن فرصاً للاستفادة من مجهوداتهن وخلقت لهن مشاريع مدرة للدخل".
وعن تسمية التعاونية "سكينة" أوضحت ربيعة مرزوق أن ذلك جاء تيمناً بأرملة عرفت بكفاحها وتفانيها في خدمة الآخرين. هذه المرأة رغم الظروف القاسية، إلا أنها استطاعت أن تعيل أبناءها بعد وفاة زوجها. وهي قابلة وُلِد على يديها المئات من أبناء المنطقة، كما كانت تعمل في حقول الزعفران ولا تتردد في تقديم المساعدة لكل من كان بحاجتها "لذا أطلقنا اسمها على التعاونية اقتداء بقدرتها على مواجهة قساوة الظروف".
عمل دؤوب
لا تستغرق عملية الجني في الحقول أكثر من أسبوعين، لكن النساء تعملن في تحضير الزعفران طلية السنة، حيث تبدأ المرحلة الثانية بعد انقضاء شهر تشرين الأول/أكتوبر، بتوجههن إلى مقر التعاونية لتنخرطن كخلية نحل في تحضير الزعفران عن طريق فرز الشعيرات الرقيقة عن الزهرة البنفسجية، ثم تبدأ مرحلة وزن الكميات المستخرجة، ثم تُمَرر عبر "المجفف" ويتم تلفيفها لتكون جاهزة لتباع في الأسواق. وتحرص النساء على جمع الزهور قبل أن تتفتح مما يحافظ على جودة الزعفران.
وأضافت "هذه المبادرة التي أطلقناها عام 2008، لم يكن عدد المنخرطات فيها يتجاوز 17 امرأة في البداية، إلى أن أصبح عددنا اليوم يناهز المائة امرأة تقريباً. تعتمد النساء المتعاونات على حقولهن الخاصة وحقول أقربائهن المزروعة بالزعفران، كما أنه وبعد تزايد الطلب على المنتج، لم يعد الزعفران الذي ننتجه كافياً لسد الطلبات التي نتلقاها، ما دفعنا إلى استئجار أرض مساحتها عشر هكتارات، حتى نرفع من وتيرة الإنتاج".
الذهب الأحمر
وعن ارتفاع ثمن الزعفران والذي يطلق عليه أيضاً اسم "الذهب الأحمر" أوضحت أن ذلك يعود بالأساس لقيمته الغذائية الهامة من جهة، ولكون كميات كبيرة من الزهور لا تعطي إلا نسبة قليلة من الزعفران، مشيرةً إلى أنه للحصول على غرام واحد من الزعفران، تحتجن إلى 140 زهرة تقريباً. كما أن كل المراحل التي يمر بهت إنتاج الزعفران لا تعتمد على الآلات، بل على اليد العاملة، وهو ما يرفع من تكلفته.
وأضافت "لأن جني المحصول يكون موسمياً (مرة واحدة في السنة)، فإن المدخول المحصل من بيع الإنتاج يتم تحويله إلى وجهة أخرى". أما بالنسبة لمشاكل التسويق فتؤكد أنه خلال السنوات الثلاث الأولى، كان السوق الوحيد لعرض المنتوج يتمثل في المعارض والمهرجانات التي تقام بالمملكة، لكن بعد ذلك ومع دعم وكالة التنمية الفلاحية استطاعت النساء بفضل المراكز التجارية الكبرى، بالإضافة إلى السوق التضامني بالدار البيضاء (وسط البلاد)، أن تفرضن اسمهن في الأسواق بفضل الجودة.
وأشارت إلى أن "هذا المنتوج المعروض في هذه الأسواق يعد عالي الجودة، تماماً كالذي يباع في أسواق تالوين، كما شاركنا في عدة معارض دولية بفرنسا، ألمانيا والإمارات، هذه المعارض ساعدتنا لإنشاء شبكة من العلاقات، حيث أصبحت العديد من الجهات تطلب منتوجاتنا في الخارج".
تحقيق للاستقلالية
يعد الزعفران من المواد الأساسية التي تستعمل في الأطباق المغربية التقليدية، خاصة في المناسبات وفي موسم البرد، أما في تالوين وغيرها من مناطق المغرب، فيستعمل في تحضير الشاي، حيث يمنحه نكهة خاصة، كما يساعد على مقاومة نوبات البرد والسعال، بالإضافة إلى كونه يستعمل في صباغة الصوف (حياكة الزرابي)، فضلاً عن استعمالات أخرى متعددة كالتجميل وغيره.
ومن بين الأهداف التي تحققت للنساء في التعاونية هي كونهن أصبحن المستفيد الأول من بيع المنتوج، بعد أن كانت المرأة في وقت سابق تقوم بأغلب مراحل العمل، لكن الرجل كان هو المستفيد من عملية البيع. إلا أنه وبفضل التعاونية أصبحت المرأة تشرف على العملية من بدايتها، وهو في حد ذاته إنجازاً في بالغ الأهمية كما أوضحت ربيعة مرزوق.
بالإضافة إلى المنافسة الوطنية هناك منافسة دولية كذلك ففي منطقة تالوين وحدها، تؤكد رئيسة التعاونية ربيعة مرزوق أنه هناك عدد كبير من التعاونيات التي تعنى بإنتاج الزعفران (ما يناهز 200 تعاونية)، أما دولياً فيبقى الزعفران الذي تنتجه إيران هو أكبر منافس، حيث تنتج ما يناهز 200 طن من الزعفران سنوياً، فيما لا يتعدى الإنتاج في منطقة تالوين وتازناخت 7 طن فقط، ويبدو تأثير المنافسة قوياً على مستوى التسويق، حيث يفضل التجار اقتناء الزعفران القادم من إيران، لأن ثمنه يتراوح بين 7 أو 8 دراهم للغرام الواحد، في حين أن زعفران تالوين يتراوح ثمنه بين 25 و30 درهم للغرام الواحد، وهو ما يجعل تجار هذه المادة يفضلون اقتناء الزعفران الإيراني على غيره، ومع ذلك فإن منتوج تالوين يبقى ذو جودة عالية، حيث لا تستعمل فيه المواد الكيماوية، كما أنه ينمو في تربة معتدلة الحموضة.