المرأة التونسية الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية

أثرت الأزمة الاقتصادية في تونس على جميع الفئات إلا أن المرأة تظل الأكثر تضرراً باعتبارها الأكثر ضعفاً وهشاشة داخل الأسرة والمجتمع.

نزيهة بوسعيدي

تونس ـ مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في تونس وارتفاع متطلبات المعيشة اليومية وتقلص فرص العمل في كل المجالات دون استثناء ازدادت بطالة النساء في تونس لا سيما منهن صاحبات الشهادات العليا، وفقدت الكثير منهن فرص الحصول على وظائف بسبب القيود المفروضة على التوظيف والخدمات في القطاع العام، وأصبح وصولهن إلى الخدمات الأساسية محدوداً وصعباً.

يجمع خبراء الاقتصاد على أن التونسيّات عانين من البطالة وظروف العمل القاسية خلال العشر سنوات الأخيرة ليس فقط بسبب تجميد التوظيف في القطاع العام والتمييز الذي يواجهنه في القطاع الخاص فعلى سبيل المثال، يميل العمل اليدوي في القطاع الخاص إلى تفضيل الرجال الذين يشغلون 45.2% من هذه الوظائف، وترتفع إلى 47% في الصناعة، وأكثر من 55% في التجارة وإصلاح السيارات، وأكثر من 70% في قطاع البناء وبالتالي عندما تلغي الدولة الوظائف في القطاع العام، فإنها بذلك تلغي وظائف النساء.

ومن ناحية أخرى، تُقدّم النساء خدمات الرعاية للفئات الاجتماعية الضعيفة، كالأطفال وكبار السن، وهذا يجعلهن الأكثر حاجةً للخدمات الأساسية في مجالي الصحة والتعليم، والأكثر سعياً للحصول عليها ولأن النساء أكثر عرضة للفقر، فإن حاجتهن إلى هذه الخدمات تكون أكبر.

وأكدت دراسة نشرتها أصوات نساء في عام 2023 أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس منذ سنوات عديدة أثرت على النساء بشكل كبير ودفعن الثمن باهظاً كما عمٌق التقليص في الإنفاق العمومي أشكال اللامساواة واللاتمكين للمرأة وأدى إلى وجود تأثيرات سلبية على النساء.  

وذكرت الدراسة أن القيود المفروضة على التوظيف والخدمات في القطاع العمومي في تونس تسببت في فقدان النساء لفرصهن في الحصول على عمل وأصبح الوصول إلى الخدمات الأساسية صعباً ومحدوداً يضاف إلى كل هذا عبء العمل المنزلي الثقيل وغير المأجور الذي تقوم به النساء.

وتتمظهر الهشاشة الاقتصادية في أن 3 بالمئة فقط من النساء تمتلكن عقاراً مقابل 12 بالمئة لدى الرجال، وتشاركن في المشاريع الفلاحية بنسبة 3 بالمئة بينما ساهمن بنسبة 80 بالمئة في الانتاج الغذائي، وتمثلن 70 بالمئة من اليد العاملة الفلاحية.

كما ساهمت الأزمة الاقتصادية في ارتفاع نسب العنف ضد النساء باعتبارهن الأكثر هشاشة، والحلقة الأضعف داخل الأسرة أي في المكان الذي يمارس فيه الرجل عقده الذكورية.

 

عراقيل وصعوبات

أماني بن سيك علي محللة بالمرصد التونسي للاقتصاد قالت "هناك العديد من العراقيل والصعوبات التي تعيق نفاذ النساء إلى المهن وهذا يبرز على مستوى الأرقام فهن الأكثر بطالة في المجتمع، وهذا يمكن إرجاعه إلى سياسات التقشف في الانتدابات والديون المتراكمة على الحكومة".

وأضافت أن الأزمة الاقتصادية أثرت كذلك على نفاذ النساء إلى المرافق العمومية كالنقل والصحة وحتى الحقوق الإنسانية، وساهمت سياسة التقشف في تدهور مرافق الصحة العمومية مما أدى إلى المس من الحقوق الإنجابية للنساء.

وأوضحت أن كل ما سبق ذكره تم التطرق له بمقاربة نسوية تناولت أزمة المديونية وآثارها وكيفية الخروج منها ووضع توصيات كخلق بدائل تقدمية تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية أو العدالة الجندرية.

وفيما يخص مسألة المديونية أو الاقتراض أو المسألة الاقتصاديّة أكدت أنه يجب اعتماد مقاربة حقوقية قائمة على الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية وحمايتها وكذلك مقاربة نسوية تأخذ بعين الاعتبار النأي عن تعميق التفاوت الاجتماعي وتعميق التفاوت الجندري.

وأوضحت أنه من المهم أن تكون هناك اعتبارات نسوية وتقدمية في وضع الإصلاحات وفي وضع الميزانية، وأن يؤخذ النوع الاجتماعي بعين الاعتبار في تحديد القروض ودراسة مدى تأثيرها على الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعية للنساء وعلى المساواة بين الجنسين.

 

 

 ومن جانبها قالت مريم قلوز محامية ومدربة مختصة في حقوق الإنسان وخبيرة في النفاذ إلى العدالة مع منظمات المجتمع المدني "نحن اليوم نعرف بالأرقام والاحصائيات أن النساء هن الأكثر هشاشة اقتصادية في تونس سواء في مستوى البطالة أو في مستوى الأرقام المفزعة للأمية والتي بلغت 35 بالمئة في الإحصائيات الأخيرة".

وأكدت أن نظام الحماية الاجتماعية هو حق للجميع ولكن 42 بالمئة فقط يتمتعن بتغطية اجتماعية أي لم تصل حتى حدود  النصف.  

وأشارت إلى أنه رغم وجود قوانين عمل إلا أن وضع المرأة في مجال العمل المنزلي والأعمال الفلاحية غير جيد لأنه لا توجد آليات تطبيق للقانون، ولم نجد نتائج ملموسة في مساعدة النساء ومقاومة التهميش الاجتماعي والاقتصادي الذي تعانين منه بل أنه في العديد من الجهات المرأة معيلة لعائلتها لكن الدعم والمساعدة دائماً موجهة للرجل لأنه وفقاً لمجلة الأحوال الشخصيّة رب الأسرة، لكن على أرض الواقع وفي العديد من المناطق المرأة هي التي تعيل الأسرة وليس الرجل.

وبينت أنه في ظل احتداد الأزمة الاقتصادية وفي حال رفع الدعم سوف ترتفع الأسعار وسوف تجد المرأة نفسها أمام أزمة اقتصادية خانقة أكثر فأكثر وسوف يزداد تأثيرها عليها وعلى أطفالها.

واعتبرت مريم قلوز أن المجتمع المدني يلعب دوراً هاماً في المناصرة في هذه الأزمات، ويحاول تقديم الخدمات للنساء اللواتي تعشن في وضع هشاشة لكن للحكومة الدور الأكبر في هذا المجال، وذلك بتوفير الآليات والسياسات التي تحول القوانين إلى واقع لا مجرد حبر على ورق.

وأكدت أن دور الحكومة يكمن أيضاً في رصد الميزانيات "لأننا نحتاج إلى التمويل حتى نعمل ونتقدم لكن الغريب أن تكون ميزانية وزارة المرأة في حدود  0.46 بالمئة فقط، و72 بالمئة منها مخصص للطفولة والأسرة أي دائماً المرأة تأتي في مرتبة ثانوية حتى في مستوى الوزارة التي تسمى وزارة  المرأة والأسرة والطفولة".