ثلاث أعوام من تكرار سيناريو الانتهاكات... المناطق المحتلة والحدودية تَنزف (1)

قتل، وسلب، ونهب واغتصاب، وتهجير قسري وتغيير ديمغرافي عبر التّوطين، وتدمير ممتلكات المدنيين، إضافة لتخريب التّعليم وتجنيد الأطفال وإرسالهم للقتال خارج سوريا، وسرقة الأعضاء، وممارسة الحرب المائية

رهف يوسف 
قامشلو ـ ، في ظل تفشي وباء كورونا وارتفاع درجات الحرارة، هذا هو السّيناريو الذي تكرره تركيا ومرتزقتها منذ ثلاث أعوام، لتجعل تلك المناطق تنزف.
منذ التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2019، حتى التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 2021، لم تتوقف الانتهاكات التّركية في شمال وشرق سوريا، ولا سيما داخل الأراضي المحتلة وعلى الشّريط الحدودي، وتمكنت منظمة حقوق الإنسان في إقليم الجّزيرة من مواكبة وتوثيق عدد من الانتهاكات، التي تبرز الأساليب التّركية الوحشية على مدى ثلاث أعوام، وهي التي استندنا إليها خلال إعداد هذا التّقرير.  
 
429 بينهم 64 طفلاً...ضحايا العملية العسكرية التّركية عام 2019
التّاسع من تشرين الأول/أكتوبر2019، هو التّاريخ الذي أطلقت فيه الدّولة التّركية حملة عسكرية، احتلت على إثرها أراضي من مناطق شمال وشرق سوريا بين منطقتي رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، بطول 150كم، وبعمق 32 كم، وبنفس اليوم فقد خمسة مدنيين حياتهم في السَّاعة السّابعة والنَّصف مساءاً، بعد أن قامت خلايا نائمة بتفخيخ منزلهم، وأصيبت والدتهم جراء الصّدمة بفقدان ذاكرة جزئي واضرابات نفسية لا تزال تعاني منها حالياً.   
وعن ذلك تقول إدارية منظمة حقوق الإنسان في إقليم الجّزيرة أفين جمعة "الاحتلال التّركي ليس وليد اليوم، إذ بدأ باحتلال جرابلس، الباب وإعزاز، وعفرين، وأخيراً اجتياحه لرأس العين وتل أبيض، تلك العملية التي جرت باستخدام كافة أنواع الأسلحة الثّقيلة". 
أما عن استخدام الفوسفور الأبيض في الهجوم على رأس العين/سري كانيه، بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر، فقد أدى لحرق 33 شخصاً، بينهم 23 مدني و10 عسكريين و6 آخرين لم يتم التّعرف على هويتهم نتيجة الاحتراق الكامل الذي أدى لذوبان ملامحهم، وما يزال المُصابون يعانون من آثار الحروق حتى اللحظة. وتقول أفين جمعة عن الفوسفور الأبيض "إنه سلاح محظور دولياً، ولعل هذا الاستخدام المفرط للقوة كان بهدف إرغام المدنيين على ترك مناطقهم والنّزوح". 
وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر، وُقعت اتفاقية أخرى تركية لوقف إطلاق النّار وإنهاء العمليّة العسكرية، مقابل تسيير دوريات مشتركة تركيةـ روسية وبمشاركة الحرس الحدودي السَّوري على الحدود السّوريةـ التّركية في شمال وشرق سوريا، مما أثار احتجاج سكان تلك المناطق، وبدأوا بالخروج ورمي الدّوريات بالحجارة تعبيراً عن رفضهم للاتفاقية، وإثر ذلك أصيب عدد منهم بحالات اختناق نتيجة استهدافهم بالغازات المُسيلة للدموع، وجرح اثنان، وفقد آخر حياته بعد دهس إحدى الدّبابات المتعمد له في الأول من تشرين الثّاني/نوفمبر 2019، وما تزال تلك الدّوريات مستمرة بشكل متقطع. 
وقبل ذلك، فقد 136 مدني حياته بينهم 14 امرأة، وأصيب 293 بينهم 74 امرأة، جراء الهجمات التّركية بالطّائرات الحربية والمدفعية، علماً أن المذكورين لم يشاركوا في أي قتال.  
ولم يسلم الشّريط الحدودي كاملاً من الهجمات، ولا سيما في الأسبوع الأول من الحملة، مما أسفر عن دمار العديد من المنازل، إضافة للخسائر في الأرواح والأضرار المادية، ففي العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، وتقريباً في السّاعة الرابعة والنّصف عصراً، سقطت قذيفة عشوائيّة في حي قدور بك بمدينة قامشلو فقدت بسببها الطّفلة ذات السّت سنوات سارا يوسف حسين ساقها وشقيقها محمد يوسف حسين ذو الـ 12 عاماً، الذي أصيب بشظية في صدره أودت بحياته على الفور.
وشهد تاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2019، استهداف طائرة حربية تركية موكباً ضم عشرات المدنيين، الذين دخلوا رأس العين/سري كانيه، لمساعدة الجرحى وإخراجهم من المدينة، وفقد فيه 11 منهم لحياته بينهم الأم عقيدة، وأصيب ما يقارب الـ 70 مدنياً بينهم نساء، إضافة لفقدان صحفيين لحياتهما وإصابة 7 آخرين.
وكان استهداف الإعلاميين أثناء تغطيتهم للأحداث واضحاً، مما أدى لفقدان 4 إعلاميين حياتهم وجرح 6 آخرين، حتى نهاية 2019، وجرح ثلاثة مدنيين بقصف طائرة تركية مسيرة في 21 كانون الأول/ديسمبر لقرية صيدا شمال مخيم عين عيسى بـ 100م، وقٌصفت أخرى عائلة من قرية قرنفل أثناء محاولتها النّزوح، فقد على إثرها مدنيين حياتهما وأصيبت امرأتان بكسور وجروح بليغة، إذ فقدت إحداهما ساقها وسمعها، وتم الاستيلاء على منزلهم ضمن القرية ونهب ممتلكاتهم.
تقول أفين جمعة أنه ليس بمقدور الإعلام نقل حقيقة ما يجري في المناطق المحتلة "الإعلام المُحايد لا يمكنه الدّخول لتلك المناطق وتغطية الأحداث فيها".
ولا ننسى تاريخ الـ 12 من تشرين الأول/أكتوبر، إذ قام مرتزقة فصيل أحرار الشّرقيّة بنصب كمين على مفرق قرية الارتوازية على طريق M4، وأعدموا المدنيين رمياً بالرصاص بشكل علني، وبلغ عددهم 9 أشخاص، بينهم الأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، وخطف ثلاثة، أفرج عن أحدهم لاحقاً، ولقي الآخرين المصير المجهول، إذ لم ترد أي معلومات عن مصيرهما حتى الآن. 
كما وثق اعتقال 57 مقاتل من قوات سوريا الدّيمقراطية، بينهم ثلاثة من المجلس العسكري السّرياني، ونقلهم إلى أورفا في تركيا وإصدار أحكام بحقهم وصلت للسجن المؤبد، واعتقلت المقاتلة دوزا تمي "جيجك" من وحدات حماية المرأة من قبل مرتزقة فيلق المجد في 24 تشرين الأول/أكتوبر، ونشر فيديو مصور لها لحظة الاعتقال أظهر المعاملة المهينة لها علماً أنها كانت مصابة، وحكم عليها بالسجن المؤبد بعد نقلها للأراضي التّركية.
وترى أفين جمعة ضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم داخل الأراضي السّورية، وتم محاكمتهم في تركيا بقانون محلي تركي، وهذا مخالف للقانون الدّولي ولحقوق الإنسان.
وخلال عام 2019 نزح أكثر من (162،000) مدني من رأس العين/سري كانيه، وتل أبيض/كري سبي، توزعوا في المدن والقرى المحيطة وداخل المخيمات ومراكز الإيواء، واستهدف مخيمين للاجئين بشكل مباشر وهما مخيم عين عيسى الذي كان يحوي (13،500) نازح وعناصر تنظيم داعش من الأجانب، ومخيم مبروكة الذي كان يحوي (4750) نازح، وتم افراغهم بالكامل نتيجة القصف.
وجُلبت 90 عائلة من إدلب وأكثر من 400 عراقي من المقاتلين، وتم توطينها في منازل أهالي رأس العين/سري كانيه، وفي 2020 وُطنت أكثر من 1400 عائلة من إدلب ونازحي الغوطة في القرى الكردية ضمن المناطق المذكورة.
وتؤكد أفين جمعة أن "مئات الآلاف من المدنيين نزحوا من منازلهم ولا سيما من المكون الكردي، في القرى التي تعرض معظمها للقصف والتّدمير، وما تبقى تم الاستيلاء عليها".
وبلغ العدد الإجمالي للضحايا خلال عام 2019 ما يقارب الـ 429 مدنياً بينهم 64 طفلاً، إذ قتل 136 منهم 14 امرأة و3 إعدام ميداني، ورجال 122 بينهم 4 إعدام ميداني، وجرح 291 منهم 74 امرأة و217 رجل.    
 
2020 استمرار الانتهاكات 
في الواقع لا يمكننا القول بأن عام 2020 كان أفضل من العام الذي سبقه، نظراً للفلتان الأمني، وازدياد الاعتداءات في المناطق المحتلة، والاقتتال بين الفصائل المُسلحة أنفسهم الذي تسبب بمقتل 3 مدنيين وجرح 6 بينهم امرأة، كما وسُجل فقدان 35 مدني لحياته بينهم 5 نساء، وجرح 12 آخرين، نتيجة الاعتداءات على المدنيين من قبل الفصائل المسلحة. 
وحسبما تبين أفين جمعة أن أسوأ ما يتعرض له المدنيين في المناطق المحتلة هو فقدان الأمان والظروف المعيشة الصّعبة "الانتهاكات تتزايد، فالنزاعات بين الفصائل المسلحة نفسها على الممتلكات تؤزم الوضع، فأحياناً تندلع اشتباكات بينهم، أما عن طريق الأسلحة بشكل مباشر أو عبر استخدام العربات المُفخخة، والمدنيين هم الضّحايا في كلا الحالتين". 
وفقد 22 مدني حياته بينهم 6 نساء، وجرح 24 آخرين بينهم امرأتين في رأس العين/ سري كانيه، وتل أبيض/ كري سبي، نتيجة الهجمات المُستمرة على المناطق الحدوديّة، وبلغ عدد التّفجيرات بالعربات المفخخة والعبوات النّاسفة 36 تفجيراً، وثق فيها فقدان 35 مدني لحياته بينهم 4 نساء وجرح 133 شخص.       
وفي 26 أيلول/سبتمبر، وحوالي السّاعة الخامسة والنصف مساءاً انفجرت عبوة ناسفة في منطقة تجارية جنوب رأس العين/سري كانيه، تسببت بمقتل 7 مدنيين، بينهم طفلان، وإصابة 11 آخرين، وفي 25 شباط/فبراير، قتل 12 مدني بانفجار عبوة ناسفة في منطقة تجارية بالقرب من رأس العين. كما وتم الاستيلاء على ممتلكات 27 صحفي، إضافة للهجوم عليهم أثناء عملهم لنقل الأخبار.
وقالت أفين جمعة "شهدنا استهداف حفلات الأعراس والتّجمعات المدنية باستخدام القنابل الصّوتية أو اليدويّة، أودت بحياة العديد من الأشخاص".
وبلغ عدد المدنيين الذين اختطفوا واعتقلوا منذ بداية العملية حتى نهاية 2020، 118 مدنياً بينهم 10 نساء، واستولت الفصائل المسلحة على 31 معمل صناعي، و29 فرن، و3200 طن من السّماد، و1000 طن من الشّعير، وسرقة 300,000 رأس من الماشية، ونهب وسلب محلات تجارية وجميع المناطق الصّناعية في رأس العين، وأحرقوا 300،000 دونم، من الأراضي الزّراعية في رأس العين/ سري كانيه، وتل أبيض/ كري سبي، في 2020. 
وتقول أفين جمعة "هناك أشخاص اعتقلوا بغرض الحصول على الفدية لأكثر من مرة، وفي حال عدم دفعها، كانت توجه لهم تُهم باطلة، وينقلون لداخل الأراضي التّركية للمحاكمة، وهناك أحكام وصلت للسجن المؤبد". 
وسجلت بعض الحالات للإتجار بأعضاء بشرية للمعتقلين والجّرحى في المشافي التّركية كحالة طفلة عمرها 9 سنوات من مدينة رأس العين/سري كانيه، وفي الأول من أيلول/سبتمبر تم استلام جثة طفل آخر أصيب في الاشتباكات من المستشفيات التركية، كانت اعضائه مسروقة، وتداولت الحدث العديد من المواقع والقنوات الاعلامية وانتشر على نطاق واسع آنذاك. 
وذكرت لجنة التّحقيق الدّوليّة المعنية بسوريا في تقريرها الصّادر بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2020، في الفقرة 16، أن عدد كبير من عوائل تل أبيض/كري سبي، رفضوا العودة إلى منازلهم بعد نزوحهم منها، خوفاً من تعرض نسائهم للاغتصاب والعنف الجنسي، إذ وثقوا ما لا يقل عن 30 امرأة تعرضت للعنف الجّنسي خلال شباط/ فبراير.  
وخلال آب/أغسطس تم تحويل مزار الشّهداء في رأس العين/سري كانيه لمقر عسكري لفرقة المعتصم، وتخريب أضرحة المزار.
كما وتستهدف مدينة منبج الواقعة على خط التّماس مع منطقة الباب التي احتلها تركيا في عملية "درع الفرات"، بالقذائف بين فترة وأخرى، مما يؤدي لوقوع اشتباكات بين مجلس منبج العسكري الذي تأسس في 3 نيسان/أبريل 2016، والفصائل المدعومة من تركيا، وخلال 2020 وثق 136 حالة قصف على كل من قرية "تل طويل، الجات، والتوخار الكبير، والهوشرية، وعون الدادات، وأم جلود، والفارات، والدندنية، والعسلية، والجاموسية، وبوزكييج، والصيادة وجبل الصّيادة، وأم عدسة، وعرب حسن كبير، واليالني، والكاوكلي، وجبلة الحمرا، وكورهيوك، البوغاز، والعوسجلي، جب مخزوم، أم ورثة، قرط ويران، وحسن عرب"، سقط خلالها ضحايا مدنيين، سُجل منهم 9 بينهم 5 نساء وطفلة، إضافة لجرح 21 آخرين.
ووثقت منظمة حقوق الإنسان 20 حالة استهداف بالطّائرات المُسيرة، فقد خلالها ثمانية مدنيين حياتهم، وجرح 12 بينهم امرأتان، منها حادثة كوباني 23 حزيران/يونيو، إذ قُصف منزل بقرية حلنج التّابعة لمقاطعة كوباني، كان فيه ثلاث مدنيات فقدنّ حياتهنّ على الفور وهن "أمينة ويسي، زهرة بركل، وهبون ملا خليل"، وفي 20 تموز/ يوليو من نفس العام، استهدف مركز لتصليح الآلات الزّراعية، أصيب فيه 3 عمال، ونتج عنه أضرار مادية كبيرة لحقت بالمعدات والسّيارات.
وبلغ عدد الضحايا الإجمالي خلال 2020، 47 حالة اعتداء من الاحتلال التّركي بينهم 35 شخصاً منهم 5 نساء وجرح 12 شخصاً، وتم استهداف 8 مدنيين على الحدود قتل منهم 4 وجرح اثنان، وبلغ عدد التّفجيرات في كل من "تل أبيض، رأس العين، كوباني، منبج، عين عيسى" بالمجمل 165 قتل فيها 35 شخصاً بينهم 4 نساء وجرح 133 شخصاً آخر.
وأما عن القصف على كل من "منبج، تل أبيض، وعين عيسى، وتل تمر، وقرية العريمة"، فبلغ 56 استهدافاً، قتل خلاله 11 شخصاً بينهم 6 نساء، وجرح 45 بينهم امرأتين و3 طفلات، وبلغ عدد الاشتباكات بين الفصائل المُسلحة أنفسهم 8 اشتباكات قتل خلالها 3 أشخاص وجرح 6 آخرين وامرأة، وفي الطائرات المسيرة التي بلغ عددها 20 قتل 8 وجرح 12 مدنياً، واختطف 8 نساء و99 رجل، ودمر 9 منازل للصحفيين واعتدي على 27 منهم.