سوريا... المرأة وأزمة الدولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تشكل الحرب والدين والثقافة ثالوث خطر يستخدم لتبرير العنف المرتكب بحق المرأة وفرض القيود عليها مثل التحكم باللباس والسلوك والتعليم والعمل، مما يمنح شرعية اجتماعية لهذه الممارسات، وتصعب من مقاومة النساء لها.

روشيل جونيور

السويداء ـ يعد العنف ضد النساء في سوريا أحد أهم أسباب الأزمة في البلاد وأحد أكثر مظاهر الهيمنة الاجتماعية والسياسية تجذراً، شهدت سوريا انتقال السلطة مرتين في السنوات الأخيرة: الأولى تحت حكم الجهاديين بعد سقوط نظام البعث.

في دمشق، تتطابق سياسات النظامين تجاه المرأة بشكل جوهري، وبهذا المعنى، تتشارك الإدارتان في مناهج أيديولوجية متشابهة فيما يخص دور المرأة وموقعها؛ وهذا الفهم المتبادل يُشكّل النظام الحالي بأنماط موروثة من الماضي.

ومع ذلك، فقد تباينت هذه الأنماط في الممارسة السياسية تحت ستار الجهادية والشريعة، وقد خلقت سياسات كراهية النساء، المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، صورةً بالغة الوحشية في الممارسة، ولا يقتصر العنف ضد المرأة على أفعال فردية أو أحداث عشوائية؛ بل يمثل ظاهرة هيكلية متشابكة مع السياسة والمجتمع والاقتصاد والثقافة.

ومنذ اندلاع النزاع الأهلي في سوريا عام ٢٠١١، انتشرت دوامة من العنف في جميع أنحاء البلاد. أصبح العنف الذي انتشر مع الحرب أداةً للإكراه تستخدمها الدولة ضد المجتمع، وخاصةً النساء، وفي السنوات الأخيرة من الحرب، أدى تكاثر الجماعات المسلحة التي نظمتها قوى أجنبية في سوريا إلى زجّ الشعب السوري ونسائه في دوامة الصراع، ووضعت المرأة في مركز هذه اللغة العنيفة وأصبحت هدفاً مباشراً للسيطرة على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

ويتجلى العنف ضد المرأة في سوريا في أشكال مختلفة من الحياة اليومية، تشمل الاعتداء الجسدي والنفسي، والخطف، والاغتصاب، والتعذيب، والعنف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، كما يتجلى في أشكال قانونية وثقافية تهدف إلى تقييد الحرية الفردية وفرض الطاعة والخضوع، ولا يقتصر هذا العنف على الاعتداءات الفردية، بل هو جزء من منظومة هيمنة مؤسسية واجتماعية وثقافية، ويستمر لتشابك السلطة السياسية مع الذكورة التقليدية والقيود المجتمعية.

 

الأسس البنيوية للعنف في سوريا

يتشكل العنف في سوريا من خلال المركزية ومعادلة الدولة الذكورية والتمييز القانوني والاجتماعي، وهذه هي العوامل الأساسية التي تعمق الأزمة في سوريا. لقد نشأت الدولة السورية، التي بُنيت كدولة قومية، على ركائز الأصولية الدينية والتمييز الجنسي والقومية، حاملة المشاكل المتراكمة على مدى قرن من الزمان حتى يومنا هذا.

وقد اندلع هذا المركب من المشاكل في أزمة تعمقت منذ عام 2011 وأدت إلى تفكك الدولة. إن عجز الدولة القومية عن إنتاج حلول قد وضعها في موقف تلعب فيه بمصير البلاد. مع انهيار نظام الأسد، دخلت سوريا حقبة جديدة. ومع ذلك، لم تكن هذه الحقبة مختلفة كثيراً عن سابقتها. لقد ورثت إدارة هيئة تحرير الشام الجهادية المؤقتة تشكيل الدولة المركزية وطورت فهماً لا يعترف بالناس والمجتمعات والمعتقدات وخاصة النساء خارجها ومجموعات العصابات المتجمعة حولها. الدور المنوط بالمرأة في النظام القانوني الديني القائم على الشريعة والجهادي الذي شهدته إدلب في السنوات الأخيرة؛ وقد تجلى ذلك في وضعهم تحت الغطاء الأسود وحرمانهم من كل حقوقهم، وقد استمرت هذه السياسة حتى دمشق اليوم.

حالياً، أصبحت سوريا دولة عصابات، حيث يستخدم المرتزقة والجماعات الجهادية وقوات الأمن العنف ليس فقط كوسيلة لفرض الطاعة، بل أيضاً كأساس لإعادة إنتاج السلطة والهيمنة. نحن نتحدث عن بنية دولة شبه معدومة. في الواقع الإقليمي الراهن، يستحيل الحديث عن دولة فاعلة، وقوانينها، وحكومتها، وخاصة حقوق المرأة في سوريا.

لقد أججت هذه الجماعات الجهادية، التي تفرض الشريعة الإسلامية السياسية على المجتمع، جحيم سوريا. ولا تزال المناطق العلوية والدرزية والكردية تعاني من المجازر الممنهجة، والنهب، والاغتصاب، واختطاف النساء، والاعتقالات التعسفية، والجرائم المرتكبة بذريعة "الشرف"، والحرمان المستمر من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، ويمكن اعتبار هذا السيناريو من أهم الركائز الأساسية للأزمة السورية الحالية.

إن مفهوم التدين، الذي يستغل الحجج الدينية، يفرض قيوداً على أنماط الحياة واللباس والسلوك والتعليم والعمل، ويُستخدم لتبرير العنف، وهذا يُعمّق الخوف والترهيب الجماعيين ضد هذه الممارسات، وتهدف ثقافة الاغتصاب والقمع المفروضة على المنطقة إلى قمع نضالات المرأة بترهيبها، كما أثبتت البنى العسكرية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، باستثناء إقليم شمال شرق سوريا، قدرتها على جعل كل منطقة تدخلها غير صالحة للعيش.

هذه العقلية، التي تُقلل من دور المرأة في المجتمع، تستغل ثقافة الاغتصاب كأحد أكثر أشكال العدوان شيوعاً، وتتجلى هيمنة الذكور في احتكار آليات صنع القرار واختزال أدوار المرأة إلى الطاعة والرعاية، ويُعدّ العنف إحدى الأدوات الرئيسية لإعادة إنتاج هذه الهيمنة.

في أوقات النزاعات والكوارث، غالباً ما تتعرض النساء لقمع وعنف أشدّ بسبب اختلال موازين القوى وتزايد التوترات الاجتماعية والاقتصادية، وهذا يُظهر استمرار وجود بنية يهيمن عليها الذكور، تُعيد إنتاج العنف باستمرار على المستويين الفردي والمؤسسي.

 

جهاديي هيئة تحرير الشام والنساء

لم يكن الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 أكثر من انقلاب عسكري لأحد أطراف الصراع السوري على الطرف الآخر، مما أدى بطبيعة الحال لانتقال غير ديمقراطي وغير سلمي، وشكل تحدياً للحركات المدنية والنسوية مع انتشار مصطلح "الشرعية الثورية"، الذي فتح الباب على مصراعيه لإقصاء كل من لا ينتمي للجهة التي استلمت الحكم بجملة "من يحرر يقرر"، وقد شكّل هذا الوضع تهديداً خطيراً، لا سيما للمجتمع المدني والحركات النسائية.

هيئة تحرير الشام هي جماعة جهادية تعادي حقوق المرأة، واتضح ذلك في المجازر التي ارتكبتها تنظيمات مثل القاعدة والنصرة وداعش التي تنحدر منها وكذلك بتجربة إدلب منذ عام 2017 بما سمي آنذاك "حكومة الإنقاذ"، التي استهدفت النساء، وقيدت حريتهن ونشاطهن باسم "الشريعة" و"الدين"، وتمت تجريم الحركة النسوية، وليس ذلك فقط وإنما أي مطالب نسائية على بساطتها تم رفضها، حتى أن موقفها الرافض لاستخدام تعبير الديمقراطية وكل المواثيق الدولية المرتبطة بها، خاصة اتفاقية سيداو واضح في سياستها المستمرة اليوم، وكذلك في إجبار النساء على ارتداء الحجاب والتشجيع على ارتداء النقاب والفصل بين الجنسين في جامعات إدلب. من المؤشرات الأساسية لسياسات هيئة تحرير الشام المستمرة.

اليوم هذه الممارسات تنتقل إلى دمشق وحمص وحماة وحتى الساحل السوري، وتمثيل النساء في المناصب السياسية اقتصر على وزارة واحدة رمزية ما يعكس استمرار النهج التقليدي في تقليص دور المرأة في الحياة العامة والسياسية، وهذا التعيين اليتيم لامرأة ما هو إلا إسكات للرأي العام.

وتصريحات المسؤولين مثل عبيدة أرناؤوط، وعائشة الدبس، رئيسة ما عرف بمكتب شؤون المرأة، أكدت على دور محدود للمرأة تحت إشراف السلطة الدينية والسياسية، ولم يتوقع أحد سلوكاً مختلفاً من هؤلاء النساء اللواتي اختارتهن هيئة تحرير الشام، سواء نفذت هذه السياسة من قبل رجل أو امرأة، فلا فرق فالهدف هو إبقاء المرأة السورية في قبضة الجهاد والشريعة، وبالتالي تجاهل وجودها وتعميق تبعيتها.

 

حلقة دمشق وإدلب

مع سيطرة هيئة تحرير الشام على مدن إدلب وريف حلب الغربي، عانت النساء من زيادة ملحوظة في الانتهاكات، بما في ذلك الخطف، الاغتصاب، الاعتقالات التعسفية، فرض النقاب الإلزامي، وقيود الحركة والتعليم والعمل. علاوة على ذلك، طبقت الهيئة ممارسات تُذكرنا بالعصور الوسطى، حيث حوّلت النساء إلى سلع في الأسواق التي أنشأتها في إدلب. كشفت أنشطة هيئة تحرير الشام والجماعات التابعة لها في إدلب عن أشكال عديدة من العنف والتمييز ضد المرأة على مر السنين.

أما في إدلب، معقل هيئة تحرير الشام وعدد من الأطراف الموالية لها فسجلت خلال السنوات الماضية عدة أنماط للعنف والتمييز ضد النساء، ومن أبرز ما وثقت التقارير أن هيئة تحرير الشام فرضت لباساً محافظاً إلزامياً على النساء، مع احتمال فرض قيود على الحركة والمرافقة في السفر، وهناك اعتقالات وتعسفات موثقة للنساء والناشطات الإعلاميات والمدافعات عن حقوق المرأة، لكن التوثيق أقل تفصيلاً في العديد من المصادر. ومع ذلك، فإن مجرد قراءة العدد الهائل من الحالات المبلغ عنها في الصحافة يكفي لإدراك خطورة الوضع.

وبعد أن سيطرت هيئة تحرير الشام على السلطة بدأت الممارسات تظهر للرأي العام، وقد نشرت وكالة رويترز تقرير في حزيران/يونيو 2025 أكدت فيه أن ما لا يقل عن 33 امرأة من الطائفة العلوية تعرضن للاختطاف خلال الهجوم، منهن نقلن إلى إدلب، وأخريات إلى خارج سوريا.

وتشير الأدلة الميدانية إلى أن عدد العلويات المختطفات كان أعلى بكثير، وأن آلاف النساء الدرزيات والإيزيديات استُهدفن سابقاً بشكل مماثل، وتعرضت هؤلاء النساء لما يُطلق عليه الجهاديون "السبي"، وهو في الواقع ينطوي على انتهاكات جسيمة، مثل معاملتهن كـ "عبيد جنسيين" وبيعهن في الأسواق.

ملايين السوريات تعانين على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، من محدودية فرص العمل والتعليم للفتيات، وكذلك لا يرحمهن ضغط النزوح والبطالة، اللذان يفاقمان حالة هشاشة النساء، وهذا ينعكس في أن النساء يجبرن على الخروج للعمل تحت ظروف غير آمنة أو الانخراط في اقتصاد غير مهيكل أو محمي، حتى أن تقرير وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء EUAA لعام 2024 أكد أن "الأزمة في شمال غرب سوريا تركت النساء أمام زيادة في خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وانخفاض الوصول إلى الخدمات الأساسية".

أما حلب المدينة الاستراتيجية والتي شهدت أشد المعارك فهي من أكثر المناطق تضرراً بالنزاع السوري بما في ذلك القتال العنيف، والتهجير، وبعد ذلك إعادة السيطرة ووجود فصائل متعددة تابعة للاحتلال التركي، والفراغ السياسي والإداري الناتج عن تدمير المدينة إلى حد كبير، والنساء حتى قبل الحرب عشن في مجتمع منغلق وفي ظل بيئة متعددة التحديات من دمار البنى التحتية، إلى ضعف الخدمات، والنزوح والتهجير وكذلك الوضع الأمني غير المستقر، تطاردهن ضغوط اقتصادية كبيرة، والعديد من التقارير تشير إلى أنه في حلب كما في بقية المدن السورية النساء تضررن بشكل مضاعف كضحايا للنزاع ولكونهن غالباً في مواقع اجتماعية واقتصادية أكثر هشاشة.

 

أبرز الانتهاكات والمحددات الموثقة

تعد قيود الحركة والتعليم والعمل من أبرز الانتهاكات والمحددات الموثقة فالجماعات المتطرفة التي سيطرت على مناطق مختلفة من سوريا فرضت قيوداً على حركة النساء، وعلى الحضور في المدرسة أو العمل، ولباسهن، ما يؤثر على حقوقهن في التعلم والعمل، وتقرير منظمة AVSI التي تعمل في سوريا بمشاريع تدعم المرأة تحدث عن تراجع مشاركة النساء في القوى العاملة من نحو 22 % إلى 13 % في سوريا عموماً.

والآلاف من النساء والفتيات في المدن والقرى السورية خارج إقليم شمال وشرق سوريا تواجهن صعوبات كبيرة، في الوصول إلى خدمات العنف الجنسي (SGBV)، بما في ذلك نقص الكوادر النسائية ونقص الوسائل للوصول للخدمات، والعديد من المنظمات المحلية أبدت قلقها من أن القتل، والزواج المبكر، وحتى الاغتصاب باتت من أشكال الانتهاك التي تستعمل تحت ذريعة الشرف أو الأمن المجتمعي.

وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان شهدت سوريا منذ استلام هيئة تحرير الشام للحكم في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 وحتى الـ 8 من تشرين الأول/أكتوبر 2025، استمراراً في تفشي الجرائم الجنائية وجرائم القتل على يد مجهولين في مختلف المدن السورية، باستثناء مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وقد سجل خلال هذه الفترة 315 جريمة أودت بحياة 359 شخصاً، من بينهم 50 امرأة.

وشهد العام الأخير استمراراً واسع النطاق للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سوريا. تصاعدت أعمال العنف والفوضى، ورُصدت أنماط متعددة من الانتهاكات شملت: القتل خارج نطاق القانون، والإعدامات الميدانية، وحالات الخطف، والتعذيب، والاستهداف العشوائي للمدنيين، إلى جانب الهجمات المسلحة والتفجيرات المتكررة في مناطق مختلفة من البلاد.

ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 10955 شخصاً في عموم البلاد خلال الفترة المشمولة بالتقرير، بينهم 8422 مدنياً، من ضمنهم 463 طفلاً و636 امرأة، فيما تم توثيق 3054 حالة إعدام ميداني.

ووفقاً لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، الصادر في آذار/مارس 2025، فقد تم توثيق 19 حادثة استهداف أو ترهيب ضد ناشطات، سواء من المدافعات عن حقوق الإنسان أو عضوات في منظمات المجتمع المدني، وذلك خلال فترة عام كامل من آذار/مارس 2024 حتى الشهر نفسه من العام 2025.

 

الأوضاع الإنسانية والمجتمعية المعقدة

الاقتصاد المتراجع، تدمير البنى التحتية، تعطيل المدارس والمراكز الصحية، كل ذلك يعني أن النساء تتحملن أعباء مضاعفة في مجالات رعاية الأسرة، والدعم المعيشي، فوفقاً لليونيسف، تضررت أكثر من 7000 مدرسة خلال الحرب، مما أدى إلى ترك 2.5-3 ملايين طفل المدرسة، وقد مهد هذا الطريق لتزايد عمالة الأطفال وزواج القاصرات.

ولا يزال آلاف النازحين بسبب الحرب يعيشون في المخيمات، والنساء هن الأكثر تضرراً من الظروف القاسية في المخيمات، ففي المخيمات، حيث الرعاية الصحية محدودة ويسود انعدام الأمن، تُترك النساء عاجزات ومحاصرات في قبضة العنف. ويتجلى هذا الوضع بشكل أوضح في المخيمات الواقعة في المناطق الريفية في حلب وما حولها، وقد دفع العنف والاغتصاب والاختطاف القسري على يد مرتزقة الاحتلال التركي الناس، وخاصة النساء، إلى حافة الموت، وتقع جميع هذه الحوادث في المناطق التي يسيطر عليها تحالف الجماعات الجهادية، هيئة تحرير الشام، وفي معظم هذه المناطق، لا يوجد نظام قضائي أو قانوني فعال، وفي هذه الحالة فإن الحديث عن وجود دولة سيكون مبالغة.

 

السويداء والحرية المؤجلة

أما في السويداء قبل اجتياح جهاديي هيئة تحرير الشام لها، كانت المدينة أقل تأثراً بتقييد حريات النساء مقارنة بمناطق إدلب وحلب ودرعا، ما مكنهن من الحفاظ على نشاطهن المجتمعي بشكل أكبر، وشكلت السويداء مثالاً على حرية نسوية نسبية مقارنة ببقية المدن السورية، ومع ذلك، كانت هناك قيود اجتماعية وثقافية تجعل عدداً من النساء يتخذن إجراءات وقائية عند السفر إلى دمشق أو مناطق سيطرة الهيئة، مثل وضع غطاء على الرأس لتجنب المضايقات.

ومع ذلك، في أعقاب الهجوم الذي وقع في 13 يوليو/تموز 2025، لجأ جهاديي هيئة تحرير الشام إلى ممارسات انتقامية ضد النساء في السويداء، وكانت هناك حالات اختطاف وقتل واغتصاب للنساء في المدينة، وواجهت النساء اللائي أجبرن على الفرار من قراهن واللجوء إلى الملاجئ انتهاكات جسيمة لحريتهن وأصالتهن؛ ممارسات مثل المراقبة المكثفة والقيود المفروضة على الحركة هددت سلامتهن الجسدية والنفسية.

كانت سياسات الجهاديين تجاه النساء أكثر وضوحاً في المناطق العلوية والكردية والدرزية، وتلقت الدرزيات والعلويات نفس المعاملة التي تلقتها النساء الإيزيديات. اختطفت واغتصبت العشرات من النساء، وتاجر بهن المرتزقة في الأسواق التي أنشأوها داخل مجتمعاتهم. اجتاح العنف الذي اجتاح السويداء المنطقة بأكملها. قُتلت النساء والرجال العاملون في المستشفيات والمرافق التعليمية وغيرها من الأماكن العامة بوحشية.

بعد أن جعلت هيئة تحرير الشام العنفَ عاملاً حاسماً في السويداء، تواصل اليوم ممارساتها القمعية. هذا التنظيم، الذي حوّل جزءاً كبيراً من سوريا إلى جحيمٍ لا يُطاق للنساء، أصبح القوة الأكثر استهدافاً للنساء في بيئةٍ تُطبّع العنف. لقد فرضت المجزرة والاغتصاب اللذان وقعا في السويداء، إلى جانب الحرب، ضغطاً هائلاً على الأسر، ما أدى إلى تصاعد العنف ضد المرأة. تأثرت الدرزيات بالوضع الذي أُجبرن عليه تحت وطأة الهجمات الوحشية للجماعات الجهادية التي تسعى إلى إقامة ما يُسمى بدولة؛ لذا وُضعن في قلب العنف. هذه الصورة تكشف بوضوح حقيقة الوضع في المنطقة.

باختصار، قبل الاجتياح تمتعت السويداء ببيئة اجتماعية أكثر انفتاحاً للنساء مقارنةً بالمدن الأخرى، إلا أن الهجوم وما تلاه من هجرات سكانية أدى إلى تغييرات جذرية في ظروف معيشة النساء، وأصبحت هذه الفترة، التي اشتد فيها العنف الجسدي والنفسي، مثالاً صارخاً على كيف يمكن للقمع الذي يمارسه المرتزقة لتحقيق مكاسب سياسية أن يُضعف المجتمع.

 

الحراك النسائي في مواجهة العنف

خلال العام الماضي (2024 ـ 2025) لوحظ ازدياد نشاط كل من المنظمات النسوية والمدنية التي ركزت على مناهضة العنف الأسري وزواج القاصرات، في ظل ظروف اقتصادية وسياسية بالغة الصعوبة، ومع تعدد القوى المسيطرة جغرافياً، تباين وضع المرأة بين مناطق مختلفة من البلاد، حيث أظهرت بعض المناطق نماذج متقدمة في تمكين النساء، بينما تراجعت أخرى إلى أنماط تقليدية محافظة تقيد حضور المرأة في الحياة العامة.

 

أولاً ـ الحراك النسوي في إقليم شمال وشرق سوريا

برز في إقليم شمال وشرق سوريا نموذج مغاير، إذ تبنت الإدارة الذاتية نظام الرئاسة المشتركة بين النساء والرجال في المؤسسات المدنية والسياسية، ما مثل خطوة نوعية في تاريخ الحركة النسوية السورية، ويعد هذا التطور من أبرز الإنجازات خلال السنوات الأخيرة، إذ منح النساء مواقع قيادية فعلية وساهم في تعزيز مبدأ المساواة في صنع القرار.

كما أن المنظمات النسوية في تلك المناطق، مثل "مؤتمر ستار" وتجمع نساء زنوبيا، لعبت دوراً محوريا في رفع الوعي وتمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً، رغم الظروف الأمنية والتحديات السياسية.

 

ثانياً ـ تجربة نساء السويداء

كان الوضع مختلفاً في السويداء، حيث خرجت النساء إلى الساحات تعبيراً عن القهر والمعاناة الطويلة تحت ظل النظام السابق، مطالبات بحقوقهن وبنظام مدني يضمن المساواة والحرية، إلا أن فرحتهن لم تدم طويلاً، فبعد انهيار سلطة النظام البائد ظهرت هيئة تحرير الشام بمحاولات لتقييد النساء وإعادتهن إلى مجال البيت والأعمال التقليدية.

غير أن نساء السويداء رفضن هذا النموذج بقوة، وتمردن على القيود المفروضة، مستخدمات وسائل التواصل الافتراضي للتعبير عن رفضهن للوصاية الذكورية، مؤكدات أن الثورة لا يمكن أن تبنى على إقصاء النساء، ورغم أن السويداء لم تكن خاضعة فعلياً لسيطرة هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع "الجولاني"، فإن الخطاب المحافظ الذي حاولت الهيئة ترويجه واجه مقاومة نسائية ملحوظة في المدينة.

 

ثالثًا ـ الأزمة الاقتصادية ودفع النساء إلى سوق العمل

دفعت الأزمة الاقتصادية الخانقة النساء السوريات في مختلف المناطق إلى دخول سوق العمل بحثاً عن مصدر دخل لتغطية احتياجات أسرهن، وقد أدى ذلك إلى ظهور مبادرات اقتصادية تقودها النساء في مجالات الزراعة، التعليم، الصناعات اليدوية، والخدمات المحلية.

ومع ذلك، فإن كثيراً من العاملات واجهن ظروفاً قاسية من تدني في الأجور، إلى ساعات العمل الطويلة، يضاف إلى ذلك الاستغلال في بيئة عمل تفتقر للحماية القانونية والاجتماعية.

 

رابعاً ـ النكسات والعوائق البنيوية

مع وجود هيئة تحرير الشام، واجهت النساء في سوريا انتكاسات متكررة. كان أبرزها التدهور الاقتصادي، الذي جعل العمل ضرورةً للنساء لا خياراً، إلى جانب انخفاض الأجور، واستغلال العمال، وانعدام بيئات العمل الآمنة.

إن غياب البنية التحتية القانونية، والثغرات القانونية، وبطلان طبيعة الدولة ذاتها، لا يترك أي سبيل للانتصاف في حالة انتهاك الحقوق. على سبيل المثال، تسمح ما يسمى بالقوانين المؤقتة للنساء بالعمل فقط بالقدر الذي يسمح به أزواجهن؛ فإذا كانت المرأة تعمل، يحق لزوجها قانوناً منعها من ذلك. إن القوانين المصممة خصيصاً لهيكل الجماعات الجهادية الحالية تُفضل الرجال وتقيّد حقوق المرأة، وبموجب هذه القوانين المؤقتة، تستند قوانين الأحوال الشخصية إلى الشريعة الإسلامية، وهي مصممة بطريقة تحرم النساء من العديد من حقوقهن. لذلك، ينبغي أن تكون الخطوة الأولى في التحول الديمقراطي الذي تقوده النساء في سوريا هي إعادة كتابة الدستور لضمان حقوق المرأة وحقوق شعبها. كما تؤثر الطائفية والانتماء الديني على حقوق المرأة بناءً على المنطقة والهوية الدينية. في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام يكاد يكون وجود المرأة في هيئات صنع القرار معدوماً، ويخضعن لرقابة سياسية واجتماعية صارمة.

أما في شمال وشرق سوريا، فرغم المشاركة الواسعة للنساء، إلا أن التجربة تبقى محصورة جغرافياً، وتحرم منها نساء سوريا في بقية المناطق.

 

خامساً ـ الخلاصة والاستنتاج

تظهر التجربة النسوية السورية خلال العام الماضي مزيجاً من الإنجازات والانتكاسات، فعلى الرغم من تطور وعي النساء ومشاركتهن في المجال العام، إلا أنهن تُجمعن على رفض التعاون مع تنظيم "هيئة تحرير الشام" الجهادي، الذي فاقم العنف ضد المرأة في سوريا ووصل به إلى حد قتل النساء. إذا لم يشهد الهيكل القائم تحولاً وتغييراً ديمقراطياً يُقر بحقوق المرأة، فلا يمكن الحديث عن سوريا ديمقراطية، ولا عن حقوق المرأة.

وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن التجربة النسوية في إقليم شمال شرق سوريا تمثل حالة متقدمة من حيث المشاركة والتمثيل، لكنها تبقى محصورة جغرافياً ولا تمتد لتشمل جميع النساء السوريات، لذلك فإن بناء نظام نسوي عادل ومستدام في سوريا المستقبل يتطلب فصل القوانين عن المرجعيات الطائفية والدينية، وتكريس المساواة القانونية والسياسية بوصفها أساساً لأي عملية انتقال ديمقراطي وتعميم ذلك على كامل الجغرافية السورية، لتشكيل أساس التحول الديمقراطي.