قصة من قصص صرخة المجزرة الـ 74: صنعت عشاً من شعرك الملون بالحناء (2)
أغمضت عينيها وفكرت، ثم عبرت عن المشاعر التي كانت مخبأة في قلبها بصوت هادئ، سارت في أرجاء الغرفة وأشارت بيديها وقالت "انظروا، لقد توقفوا هنا، كل شيء حدث هنا".
'من خلف الجدار ومن ثقب صغير كنت أشاهد المجزرة'
شنكال - علقت بيريتان شنكالي مرة أخرى في القرية التي عادت إليها من أجل إحضار حليب لطفل أختها. بعد ذلك، كان عليها أن تواجه واقع داعش بعيداً عن عائلتها. من المحتمل أن تكون شهادتها هي نفس ما يعتري صدور مئات النساء، ولكننا نسمعها فقط على لسانها. في هذا الجزء من ملفنا، تتحدث بيريتان شنكالي عن اللحظة التي اختبأت فيها في النفق وما حفظته في ذاكرتها ورأته بعينيها.
عن لحظة وصول مرتزقة داعش إلى المنزل الذي كانت تختبئ فيه قالت بيريتان شنكالي "في وقت قصير جداً، احتل الآلاف من مرتزقة داعش السوق القديم. كان من الصعب جداً بالنسبة لي أن أبقى هكذا في الحديقة، كانوا سيرونني. كان الصوت يقترب أكثر فأكثر وكان قلبي ينبض كما لو كان يخرج من مكانه. كان صوت نبضات قلبي مرتفعاً جداً، لدرجة أنني كنت أخشى أن يسمعوه. في حديقة المنزل كان هناك مكان يشبه النفق. ركضت واختبأت هناك. لم يكن مكاناً مكشوفاً للأعين، لا أعرف كيف لاحظت ذلك في ذلك الوقت. لكن في هذه الحديقة، كان أول مكان لفت انتباهي هو هذا المكان. اخفيت نفسي هناك. بعد وقت قصير جداً، جاء مرتزقة داعش إلى المنزل الذي كنت أختبئ فيه في الحديقة. كان النفق ضيقاً لكنه كان يمتد إلى الأمام، دخلت فيه بقدر ما أستطيع، كان النفق يصل إلى داخل المنزل. كان المكان الذي يصل إليه النفق ضيقاً، ووصل إلى زاوية غرفة. كان هناك جدار رقيق بين النفق والغرفة. وهناك مساحة بها فجوة صغيرة، كان بداخلها الأشياء قديمة وبسبب ذلك لم تجذب انتباه أحد. لم ينظر مرتزقة داعش إليه قط. سرت في النفق حتى وصلت إلى أرضية الغرفة. كان مكاناً ضيقاً، ولأنني كنت نحيفة وصغيرة، كان بإمكاني البقاء في الأماكن الضيقة. في المكان الذي كنت فيه كان هناك ثقب يمكنني من خلاله رؤية الغرفة. استطعت أن أرى كل مكان في الغرفة تقريباً. مرتزقة داعش كانوا يأتون من غرفة المعيشة إلى الغرفة ويغادرون".
"والدي لم يعلمني كيف استخدم السلاح"
في ركن صغير من الغرفة، شهدت بيريتان شنكالي الوحشية التي يمكن إخبار العالم كله بها. شهدت على ما حدث للنساء.
وعن ذلك قالت "بعد فترة سمعت هناك أصوات نساء، أصوات بكاء وعويل وصراخ. تم إحضار أكثر من أربعين امرأة إلى الغرفة. كانت ملابسهم بالية. ربما تم جر الكثير منهن من شعرهن. كلهن كن خائفات جداً. كنت أيضاً خائفة جداً، وقلت "سيجدونني بالتأكيد". عندما نزلت من الهضاب، أعطيت طفل أختي لعائلتي، كان والدي يعرف جيداً ما يفعلونه بالإيزيديين، وخاصة النساء، عندما ابتعدت عنهم، ناداني والدي من الخلف، وتقدم خطوة أو خطوتين إلى الأمام وأعطاني البندقية التي كان يحملها لسنوات لحماية عائلته من كل شر. عانقني ودعا لأجلي قائلاً "امسكي هذا، فليكن معك إذا حدث شيء ما، لكي تستطيعي أن تحمي نفسك". اعتدنا على تنظيف السلاح مع والدي لكنني لم أكن أعرف كيفية استخدامه. أبي لم يعلمني أبداً. لم أرفع يدي عن بندقيتي ولو للحظة واحدة عندما كنت هنا. لو رأوني، كنت سأضغط على الزناد على الفور. كان هناك دائماً ضوضاء خارج المنزل. ربما تم إبقاء النساء بالداخل والرجال بالخارج".
"بدوا مخيفين جداً"
وجدت بيريتان شنكالي أنه من بين النساء اللواتي جلبنهن مرتزقة داعش، هناك أيضاً أقارب لها. زوجة خالها وطفلتها البالغة من العمر أربعين يوماً، كانت تعرف أيضاً معظم النساء الأخريات. كان لديها مع الجميع تقريباً ذكريات. كانت تراقبهم في حفرة صغيرة خلف الحائط.
كانت النساء تجلسن في مجموعات في الغرفة. أحصيت ما مجموعه 45 امرأة. لا أعرف كم كان عدد الأطفال وكم كان عمرهم. مرات عديدة عندما دخل مرتزقة داعش إلى الغرفة، لم استطع النظر بسبب الخوف. كان هناك ستة أو سبعة منهم يتناوبون بشكل دائم على الحراسة. كان شعرهم ولحاهم ملطخة، الملابس القصيرة التي كانوا يرتدونها ملطخة بالتراب. كانوا جميعاً يضعون الجعب ويحملون السلاح. بدو مخيفين جداً. عندما دخلوا الغرفة وغادروها، قاموا بضرب النساء، وقالوا للنساء اللواتي كان أطفالهن يبكون، اسكتوا أطفالكم أو نعرف كيف نسكتهم. كانوا يتحدثون عادة باللغة العربية. الذين يصرخون على النساء كان معظمهم يصرخون بالعربية. لكن من بينهم من يتحدثون لغات مختلفة. كان هناك العديد من اللغات المختلطة ولم أكن أعرف الكثير منها من أي بلد ينتمون. حتى عند الزفير والشهيق، كنت هادئة جداً حتى لا يسمعوا صوتي. عندما لم أكن أتمكن من النظر داخل الغرفة، كنت أجلس واستمع إلى الأصوات المرعبة للنساء الجالسات على الأرض، واستمعت إلى صرخة التمرد في قلوبهن".
"كنت خائفة جداً من الوقوع في أيديهم"
أكثر ما يؤذي بيريتان شنكالي خلف الجدار هو أنها لا تستطيع فعل أي شيء، ودائماً ما تقول في نفسها "أنا وحدي وكنت أسأل نفسي، يا ترى هل أستطيع أن أحارب وحدي بهذا السلاح". بهذه العبارة عبرت بريتان عن التناقض الذي كانت تعيشه لأن عددهم كان كبيراً، "لم أجرؤ على القتال ضدهم وفي نفس الوقت كنت خائفة جداً من الوقوع في أيديهم".
وأضافت "خالي لديه طفلة تبلغ من العمر 40 يوماً، من يدري، ربما لو رأت ظلم هذه الدنيا ما قدمت إلى العالم. على الجانب الأيمن من الغرفة، بين ذراعي زوجة خالي، كانت تبكي دائماً من الجوع. وسط ذلك الخوف لم يبقى شيء تفعله زوجة خالي في محاولة اسكات الطفلة، لكنها لم تتوقف عن البكاء في ذلك الوقت، جاء داعشي ووقف أمام زوجة خالي وقال لها، اسكتي طفلتك وإلا نعرف كيف نسكتها. زوجة خالي لم تكن تفهم شيئاً من الكلام".
"كان في أيديهم سواطير"
وأوضحت بيريتان شنكالي أن معظم نساء المجتمع الإيزيدي لا يعرفن اللغة العربية، وبسبب المجازر تجنب المجتمع الإيزيدي الكثير من الأشياء، وذكرت أن النساء هن الأكثر تعرضاً للقتل في المجازر، لكن الروح الحقيقية للإيزيدية لا تموت "بسبب حياة الانعزال، فإن زوجة خالي ومئات النساء مثلهن لا يتقنن اللغة العربية".
وأضافت "فهمت كل ما قاله داعش لزوجة خالي. لم تفهم زوجة خالي ما يقوله، لكن من نبرة صوتهم والتعبير على وجوههم، فهمت أنهم كانوا يقولون شيئاً سيئاً. حاولت زوجة خالي جاهدةً إسكات طفلتها. بعد أن دخل الدواعش إلى الداخل. طلبت منهم زوجة خالي طعاماً للطفلة. قالت لهم باللغة الكردية "طفلتي تبكي بسبب الجوع، أعلم أن صوتها يزعجك، أعطها بعض الحليب وسأهدئها"، لكنهم لم يصغوا إليها، وكانت زوجة خالي تحاول جاهدة إسكات طفلتها، وكانت تتوسل لهم لإحضار طعام للطفلة. ثم قال لها أحد مرتزقة داعش (إذا لم تسكت هذه الطفلة، فسوف نصنع منها وجبة ونقدمها لك). عمتي لم تفهم ذلك. وبينما كنت أقول في نفسي، هل هذا صحيح؟ هل من الممكن أن يفعلوا ما يقولون؟ كنت أتألم جداً، جميع من هناك جائعون. مر يومان دون أن يعطوا لهم شيئاً. وأنا أيضاً كنت جائعة، ولكنني كنت عطشة أكثر، أردت الذهاب وشرب الماء. فكرت، ربما سأجد فجوة، أذهب لإحضار الماء وأحضر الحليب للطفلة. وفي ذلك الوقت جاء صوت مرتزقة داعش من داخل الغرفة، وأنا تجاهلت كل ما كنت أفكر به في نفسي، وبدأت في مشاهدة الغرفة مرة أخرى، كان اثنان من عناصر داعش يقفان بجوار زوجه خالي وكانوا يحملون سواطير في أيديهم، أخذوا الطفلة التي كانت على ركبة زوجة خالي وجروها. أحدهم حمل الطفلة والآخر حمل رأسها بين يديه".
"هذا المكان كان شاهداً على كل شيء"
توقفت بيريتان شنكالي للحظة وعانت صعوبة في الكلام. علقت الكلمات في حلقها. لقد عاشت وشهدت ما حدث بعيونها ومشاعرها. كيف كان وضعها وهي شهدت كل ذلك بعينيها؟ حاولت بيريتان شرح ما رأته. لم يخرج الكلام من فمها. وبينما كنا على وشك أن نقول لها "لا تقولي"، تابعت كلامها. لقد رأت أنه يجب الكشف عن كل لحظة من هذا الظلم. كان من الواضح أنها قالت لنفسها "إذا تحدثت عن تلك اللحظة، وعززت تلك القوة في نفسي، يمكنني الانتقام بقوة أكبر للنساء الإيزيديات وأطفالهن الأبرياء"، لقد أقنعت نفسها بهذه الطريقة. أغمضت عينيها، وسرحت بفكرها بعيداً، ونطقت الكلمات التي بقيت في قلبها، وأشارت بيديها وقالت "هنا، هنا تماماً توقفوا وحدث كل شيء في هذا المكان".
غداً: مات العالم تحت أنقاض شنكال