في الصومال نساء تحت حصار المجاعة والختان والاغتصاب والرجم

غرفة الأخبارـ . وبحسب المعطيات والإحصائيات، فإن حوالي 3.7 مليون شخص من سكان الصومال يعانون من المجاعة معظمهم من النساء. الحرب الأهلية في الصومال تستهدف بشكل رئيسي جسد المرأة، فيما تتعرض النساء اللواتي تحاولن الفرار عبر الحدود للاغتصاب على يد الجنود. الحرب الأهلية التي تعاني منها الصومال باسم الإسلام، جلبت معها أيضاً ثقافة الاغتصاب ورجم النساء مدعومة بالذهنية الذكورية.  

قصة "زهرة الصحراء" لمؤلفتها واريس ديري عبارة عن صرخة لإيصال صوت النساء إلى العالم أجمع، وأصبحت درساً يحتذى به لجميع النساء في البلاد.

الصومال، يحتل المرتبة الخامسة على مستوى العالم كأخطر بلد تعيش فيها النساء، خلال الحرب الأهلية المشتعلة في الصومال منذ عشرون عاماً فإن الضريبة الكبرى دفعتها نساء هذا البلد. هذا البلد الذي أعلنت الأمم المتحدة أن 3.7 من سكانه يواجهون خطر الموت جراء المجاعة. ورغم أن البلاد تدار وفق نظام جمهوري، إلا أن الحقيقة هي أن القوى العالمية تعمل منذ أعوام الثمانينات على تأليب الجماعات المتناحرة ضد بعضها البعض عبر سياسات اقتصادية. ومثلها مثل جميع البلدان الأفريقية الأخرى فإن النساء في الصومال معرضات للموت منذ الولادة، إضافة إلى الاغتصاب والختان، كما يتم حرمان النساء من الخدمات الصحية والتعليم والاقتصاد. الوزيرة المعنية بشؤون المرأة في الصومال مريام قاسم عبرت عن استغرابها من عدم أدراج بلادها في رأس قائمة الدول التي تشكل خطراً على النساء، وقالت إن الخطر الأكبر الذي تواجهه النساء في بلدها هو الحمل؛ بسبب انعدام المراقبة الطبية في مرحلة ما قبل الولادة مما يجعل 50 بالمائة من الحوامل معرضات للموت أثناء الولادة. كما أكدت أن النساء تتعرضن للاغتصاب بشكل يومي، كما تعرضت جميع الفتيات للختان قسراً، يضاف إليها الفقر والجوع وشح المياه وكذلك الحرب الأهلية، وهذه جميعاً تحديات تواجهها المرأة في الصومال.

 

الختان في الصومال والعالم

من أكبر القضايا والمشاكل التي تواجهها المرأة في الصومال هي الختان. حيث تتعرض سنوياً 5035260 فتاة للختان قسراً، فيما تفقد المئات من الفتيات حياتهن أثناء الختان. أما من نجون من الختان فإنهن معرضات للموت أثناء الولادة. فالحمل والولادة تعتبر من أكبر المشاكل بالنسبة للنساء في الصومال. وتعاني العديد من النساء من أمراض مختلفة جراء الختان. وتنتشر ظاهر الختان في الصومال بشكل خاص في المناطق الريفية النائية كإحدى التقاليد المتوارثة. ورغم إن 99 بالمائة من سكان الصومال من المسلمين، إلا أنهم لا يزالون يلتزمون بعادة الختان التي لا تمت بصلة إلى الإسلام. وتنتشر ظاهرة الختان بين الشعوب المسيحية والمسلمة واليهودية. وبحسب الأبحاث والتحريات التي أجريت في 29 دولة أفريقية وشرق أوسطية، فإن أكثر الدول التي تنتشر فيها ظاهرة الختان هي مصر، أثيوبيا، نيجيريا، السودان، كينيا، بوركينا فاسو والصومال.

 

الأولوية للمجاعة والاغتصاب

النساء والأطفال من أولى وأكبر ضحايا الحرب الأهلية المشتعلة منذ عشرين عاماً. حيث تعرض الكثير من النساء القاصرات للاغتصاب خلال فترة الحرب الأهلية.

إضافة إلى الأمراض المعدية فإن البلاد تعاني من المجاعة، حيث يعيش حوالي 51 بالمائة من سكان الصومال بالاعتماد على المساعدات الخارجية، ووصلت المجاعة إلى حد الموت. في عام 2014 تعرضت آلاف النساء والفتيات القاصرات للاغتصاب على يد جنود 22 دولة من دول الاتحاد الأفريقي، حيث يتم إرضاء اللواتي تعرضن للاغتصاب بمنحهن المال والطعام. 

 

أطفال بعمر 4 سنوات ضحايا اغتصاب

بحسب السجلات الرسمية فإن 300 جندي أقدموا على اغتصاب النساء في الصومال. فالنساء اللواتي تسعين إلى خلاصهن والتوجه إلى دول أخرى تتعرضن على حدود دولة كينيا للاغتصاب من قبل قطاع الطرق واللصوص. كما تعرضت أكثر من 300 ألف امرأة للاغتصاب في مخيمات النازحين في الصومال من قبل الجنود والقائمين على المخيمات في الفترة بين عامي 1991- 1992. 

قبل الاحتلال الأمريكي للصومال تم توزيع واقيات ذكرية للجنود الأمريكيين، وخلال تلك الفترة تعرضت النساء للاغتصاب، وكان من بين ضحايا الاغتصاب أطفال في عمر الرابعة والسادسة.

 

نساء تحت رحمة الرجم

ممارسات وتجاوزات حركة الشباب التي تتبع للقاعدة وتسيطر على 60 بالمائة من مساحة البلاد، تفاقم مشاكل ومعاناة النساء في الصومال. حيث تعرضت 10 نساء للقتل رجماً خلال عام واحد. كما تعرضت العديد من النساء للرجم في الفترة الممتدة من عام 2008 و 2014، بينهن فتاة في الـ 13، كما أن بعضهن تعرضن للاغتصاب ومن ثم قتلن رجماً بالحجارة. حيث تم معاقبة المرأة التي تعرضت للاغتصاب بالموت رجماً، أما المغتصب فقد عوقب بالجلد فقط.

 

قصة واريس ديري قصة جميع نساء الصومال

مشهد معاناة النساء في الصومال أدى إلى ظهور نماذج نضالية من أمثال واريس ديري. واريس امرأة صومالية، ولدت في صحراء الصومال عام 1965، قضت عائلة واريس حياةً بدوية متنقلة في الصحراء. قصة واريس تروي لنا حكاية معاناة وآلام النساء في أفريقيا والشرق الأوسط. وكما في معظم الدول الأفريقية ودول الشرق الأوسط حيث تتعرض النساء للختان، واريس تعرضت للختان وهي في سن الخامسة، في ذلك العمر حيث لا تعرف أي سبب أو تفسير للختان، فإنها أجبرت على معاناة كل ذلك الألم. حتى بعد أن أصبحت فتاة يانعة، كانت تظن أن عضوها التناسلي يشبه عضو جميع النساء في العالم، لم تكن قد تعرفت حتى على جسدها.

 

تعرضت للختان في سن الخامسة وفي سن السادسة عملت في الرعي وفي سن 13 عرض عليها الزواج

قضت واريس ديري حياة صعبة وعسيرة، لم تكن تعلم أنها فتحت عيناها على حياة مليئة بالألم والمعاناة والعذاب بالنسبة للنساء. عملت في الرعي مع عائلتها في الصحراء عندما بلغت سن السادسة. في ذلك الوقت كانت الأمية منتشرة بشكل كبير في الصومال، وكذلك كان حال عائلة واريس، ولكنها فيما بعد تعلمت القراءة والكتابة. عندما بلغت واريس 13 عاماً أراد والدها تزويجيها لرجل يبلغ من العمر 60 عاماً مقابل المال، لكن واريس رفضت ذلك وفرت من المنزل. سارت في الصحراء أياماً متواصلة، تمكنت من النجاة من أخطار البشر ووحوش البراري حتى وصلت إلى منزل أقاربها في مدينة مقاديشو. أرسلتها جدتها إلى لندن للعمل في السفارة الصومالية وأوصتها بأن "لا تنسى أبداً المكان الذي جاءت منه". وعلى مدى أربعة أعوام متواصلة عملت واريس في أعمال التنظيف والخدمة في السفارة الصومالية في لندن، ومن خلال متابعة التلفاز أتقنت اللغة الإنكليزية، كما تعلمت القراءة والكتابة بنفسها. وعندما تم استدعائها، وخشية أن يتم إعادتها مرة أخرى إلى الصومال فرت مرة ثانية. كانت تبلغ من العمر وقتها 18 عاماً، ولكنها التزمت بوصية جدتها ولم تنسى المكان الذي جاءت منه، ومع مرور الزمن اشتاقت إلى وطنها. بعد فرارها من السفارة عملت في خدمات التنظيف في إحدى الأحياء، وهناك تعرفت إلى مصور مشهور أقنعها بالعمل كعارضة أزياء، حيث عملت واريس في عرض الأزياء لمدة 10 أعوام متواصلة.

 

فيما بعد أدركت أنها تعرضت للختان

عندما فرت واريس ديري في الصحراء ووصلت إلى لندن تعرفت على العديد من الناس، وهناك أدركت أنها لا تشبه جميع النساء، ففي الحالة الطبيعية يستغرق الناس مدة قصيرة لقضاء حاجتهم، لكن واريس كانت تقضي 15 إلى 20 دقيقة في قضاء حاجتها. نظراً إلى ضيق فتحة العضو التناسلي بسبب الختان، وبالتالي فإن مجرى البول لم يكن متاحاً بشكل طبيعي. عندما ذهبت واريس إلى المشفى بسبب ازدياد الألم قال لها الطبيب "لن أستطيع أن أعيد لك ما أخذوه منك، ولكنني أستطيع أن أخفف عنك الألم"، وقتها أدركت واريس أنها تعرضت للختان.

 

يجب عليها أن تشرح الموضوع لكل الفتيات اللواتي تعرضن للختان

في بداية الأمر كانت واريس ديري تخجل أن تعلن عن ختانها للناس، ولكن فيما بعد قصت حكايتها لأحد الصحفيين وتحدثت عن الموضوع لممثل الأمم المتحدة. في عام 1997 عندما وصلت إلى القمة في عملها كعارضة أزياء، تحدثت واريس عن قصتها وأصبحت أول شخصية مشهورة تتحدث عن ختان الفتيات. ولأجل مواصلة العمل على هذه القضية تخلت عن عملها كعارضة أزياء، وفيما بعد عبرت عن طفولتها التي قضتها في الصومال، وفترة شبابها والصعوبات التي تعرضت لها في لندن، في رواية كتبتها بنفسها. أرادت أن تتحدث للعالم عن المعاناة التي تعاني منها الفتيات في الصومال وفي الدول الأفريقية. ولأجل ذلك بدأت مرحلة نضال طويلة.

 

"زهرة الصحراء" تعبر عن جميع فتيات أفريقيا

الرواية التي تحدثت فيها واريس ديري عن حياتها حملت عنوان "زهرة الصحراء"، كما أن واريس نفسها تعرف في العديد من دول العالم باسم "زهرة الصحراء". والحقيقة أن واريس تحدثت عبر قلمها وروايتها عن قصة وحكاية الملايين من النساء. لقد شرحت للعالم أجمع حكاية معاناة ومأساة الملايين من النساء في أفريقيا. وفور صدور رواية "زهرة الصحراء" تم إعادة طباعتها في 11 دولة، وانتشرت في أوروبا وأمريكا الجنوبية وغانا ونيجيريا وجنوب أفريقيا.

 

"هناك امرأة واحدة فقط يمكنها أن تفهمني"

بعد صدور "زهرة الصحراء" طلب منها أن يتم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي، لكنها رفضت الطلب لفترة طويلة، ولكن عندما طلبت منها إحدى المخرجات ذلك وافقت على الطلب، وقالت للمخرجة شيري هورمان "لا يمكن سوى لامرأة أن تستوعب ما تعرضت له". وتم عرض فيلم "زهرة الصحراء" في العديد من دول العالم.

واريس ديري تعيش في استراليا، وتعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان وأسست جمعية نسائية تحمل اسم "زهرة الصحراء".

تقضي واريس ديري حالياً حياتها في النضال من أجل حقوق المرأة وبشكل خاص من أجل القضاء على عادة الختان الرجعية. كما ألفت واريس خلال حياتها ثلاثة كتب أخرى وهي "فجر الصحراء" عام 2002، "أطفال الصحراء" عام 2005، و "رسائل إلى أمي".