من قارة إلى قارة... نضال المرأة قديماً وحديثاً (1)
في دولة إسبانيا التي توجد فيها أكبر نسبة من النساء العاطلات عن العمل، يعتبر موضوع مناهضة قانون "منع الإجهاض" الذي أصدرته حكومة المحافظين من أهم الأمور التي تعاني منها النساء.
نساء إسبانيا على خطا دولورويس ولوسيا
مركز الأخبار ـ الفقر والعنف الأسري من المظاهر التي خلفتها السياسات الليبرالية الجديدة. ورغم أن النساء الإسبانيات يتمتعن بمزيد من الحقوق القانونية، فإنهن تواصلن النضال ضد الفاشية، ومن أجل الحرية والمساواة على خطى النساء الطليعيات من أمثال لوسيا سانشيز ساورنيل ودولورويس إيباروري. وترفع النساء شعار "لن تمروا" في نضالهن ضد الفاشية.
ويعود تاريخ كفاح النساء في إسبانيا إلى مئات الأعوام. فخلال القرون الوسطى انتشرت أعمال "صيد الساحرات"، وفي القرن التاسع عشر تطور نضال وكفاح النساء، وتمحورت مطالب انتفاضات النساء خلال تلك الفترة حول تأمين فرص العمل، والمساواة في المعاشات مع الرجل والمشاركة في الحياة الاجتماعية. وانطلقت الحركة النسوية عام 1930، متأخرة مقارنة مع باقي الدول الأوروبية. ولعبت النساء في تلك الأعوام دوراً بارزاً في النضال ضد الفاشية. نساء من مختلف التوجهات (الفوضوية، والاشتراكية والجمهوريين) في النضال المسلح ضد الدكتاتورية. ورغم مطالب الرجال بالإبقاء على النساء في الجبهات الخلفية، إلا أن النساء شاركن في القتال في الجبهات الأمامية مما شكل ميراثاً نضالياً للحركة النسوية.
لوسيا شانسيز ساورنيل والمرأة الحرة
لوسيا شانسيز ساورنيل واحدة من النساء المناضلات في إسبانيا. ولدت لوسيا في 13 كانون الثاني/يناير 1895 في مدريد. وناضلت من أجل حصول المرأة على معاشات متساوية مع الرجل. كانت تسعى إلى إثبات أن عمل المرأة لا يقتصر على إنجاب الأولاد والأعمال المنزلية وتلبية متطلبات الرجل. كانت تسعى إلى تغيير عقلية الرجل القائمة على التمييز الجنسي. لوسيا ساهمت في نفس الوقت في تنظيم الحركة النسائية الفوضوية في إسبانيا. في عام 1931 ساندت الإضراب عن الطعام الذي أعلنته نقابة CNT-FAI وشاركت في تنظيم الحركة الإضرابية، وتوطدت علاقتها مع مكتب النقابة في مدريد عام 1933 وعملت في مجال الكتابة، حيث كتبت هناك عن النضال المتصاعد يوماً بعد يوم، مما أبرز دورها في نضال المرأة من أجل الحرية.
مهمة ريادة المرأة الحرة
ساهمت لوسيا ساورنيل في 1936 بتأسيس منظمة النساء الأحرار (Mujeres Lîbres) بمساعدة مرسيدس كومابوسادا وأمبارو بوخ إي غاسكون ووضعت بذلك أسس نضال حرية المرأة من أجل بناء (المرأة الحرة) والنضال من أجل إنهاء التمييز الجنسي. ومع تأسيس "النساء الأحرار" انتشر صدى صوت المرأة ونضالها من أجل الحرية، ويوماً بعد يوم تصاعد عدد النساء اللواتي استيقظن على ذلك الصدى وانضممن إلى النضال. وتطورت المنظمة حتى وصل عدد أعضائها إلى عشرين ألفاً من النساء. وبعد تأسيس منظمة "المرأة الحرة" كتبت لوسيا في العديد من المجلات مثل مجلة "دعم الكادحين"، "المجلة البيضاء" و "الأرض والحرية"، وتمكنت من خلال كتاباتها كسر العديد من القوالب ووجهات النظر التي تبنتها الحركات اليسارية والفوضوية والتي تتنكر لوجود المرأة. وتوفيت لوسيا ساورنيل في المنفى في عام 1970 جراء مرض السرطان.
دولورويس إيباروري... الزهرة العاشقة
بعد انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية والتي تعتبر من أكثر العصور الأوروبية فاشية، صعد فرانشيسكو فرانكو سدة الحكم بدعم من أدولف هتلر وبينيتو أندريا موسوليني. ومع صعود فرانشيسكو فرانكو إلى سدة الحكم، ومن رحم الحرب ظهرت امرأة طليعية، وهي دولورويس إيباروري ابنة الأب العامل والأم الاسبانية، وكانت في طليعة الجمهوريين. دولورويس هي صاحبة شعار "No Passaran" (لن تمروا) الذي لا يزال حياً حتى يومنا هذا. ولدت دولورويس في زمن تعدد الهويات في إسبانيا، في عام 1910 تركت الدراسة وعملت في الخياطة، كما كانت تعمل في خدمة الأثرياء والطبخ في منازلهم. وفي تلك السنوات تعرفت دولورويس على الماركسية، وعملت مع اليساريين. وفيما بعد وبعد أن احتدت النقاشات واختلفت الآراء داخل الحزب الاشتراكي حول الانضمام إلى الأممية الثالثة، انشق العديد من الأسماء الهامة من أعضاء نقابة العمل العامة من الحزب وأسسوا الحزب الشيوعي الإسباني.
قضت سنوات من عمرها في المنفى
وانضمت دولورويس إيباروري إلى الحزب الشيوعي عبر مجموعة سوموروستو الاشتراكية، في تلك المرحلة كتبت دولورويس في الصحيفة الشيوعية "El Mînero Vizcaîno" باسم مستعار ""La Pasionaria الزهرة العاشقة. وفي عام 1920 أصبحت دولورويس عضوة في الحزب ورشحت لتمثيل فرع الباسك. وفيما بعد عملت محررة في مؤسسة الحزب الإعلامية (عالم العمال) كما ترأست تنظيم النساء في الحزب. في عام 1930 انتخبت دولورويس في اللجنة المركزية للحزب، وفي تلك الفترة تعرضت للاعتقال وأمضت سنتين في السجن. في عام 1934 خرجت من السجن وأسست "اللجنة الوطنية للمرأة لمناهضة الفاشية". وفي العام التالي انتخبت لعضوية اللجنة التنفيذية في حزب IKP. وانضمت إلى الأممية الشيوعية باسم مندوبي إسبانيا. وفي عام 1935 انتخبت لعضوية اللجنة القيادية في الأممية الشيوعية خلال المؤتمر السابع.
في شتاء عام 1936 رشحت من قبل الجبهة الشعبية في الانتخابات البرلمانية وأصبحت عضوة في البرلمان عن منطقة أستروياس.
No Passaran"لن تمروا"
في شهر تموز/يوليو عام 1936، زحف الفاشيون بقيادة فرانشيسكو فرانكو نحو مدريد، فانضمت دولورويس إيباروري بلا تردد إلى الحرب. وكان الشعب الإسباني قد دخل في مرحلة النضال ضد الفاشية والتي سوف تستمر ثلاثة أعوام. في أول ليلة للحرب الأهلية تحدثت دولورويس عبر الإذاعة.
دولورويس إيباروري، زعيمة الحزب الشيوعي الإسباني، كان صوتها يعلوا في الميادين عبر أثير الإذاعة، كما أن خطاباتها أثناء التجمعات الجماهيرية ساهمت بشكل كبير في استمرار المقاومة. لقد خلدت أقوال وعبارات دولورويس في ذاكرة كل المناضلين، من أشهر عباراتها "الموت واقفاً أفضل من الموت خانعاً. أن تكوني أرملة أفضل من أن تكوني زوجة رجل جبان". كانت تحث النساء على المقاومة والنضال، وتقول إذا لم تجدن سلاحاً للحرب فيمكنكن استخدام سكاكين المطبخ، وحتى يمكنكن استخدام المياه الساخنة والتصدي للعدوان على مدريد. وقالت دولورويس عبارتها الشهيرة "No Passaran" (لن تمروا)، ذلك الشعار الذي انتشر في جميع ميادين النضال ضد الفاشية.
تمكنت من تنظيم 100 امرأة
فيما بعد وبعد تشكيل "اللواء الخامس" عملت دولورويس إيباروري في التوجيه السياسي وفي تنظيم الميليشيات الشيوعية وتمكنت من تنظيم 100 امرأة في "لجنة الدعم" التي كانت تضم النساء فقط. كما زارت العديد من الدول الأوروبية لحث الدول على عدم تقديم الدعم لنظام فرانشيسكو فرانكو. كما نشرت صحيفة النساء الشيوعيات Mujeres De Madrîd "نساء مدريد" وصحيفة Compaber "النصير" الناطقة باسم لجنة المرأة الأممية المناهضة للفاشية والحرب والتي كانت تتراسها دولورويس. ولأجل ضمان استمرار المقاومة انضمت أكثر من 100 ألف امرأة إلى لجنة مناهضة الفاشية. وعملت جميع النساء في مختلف المجالات في بناء المتاريس وحفر الخنادق ومواقع القتال، وتأسيس المطاعم الجماعية وأماكن غسيل الملابس ومحطات ومراكز الطوارئ.
بعد انتهاء الحرب الأهلية وانتصار فرانكو نفيت دولورويس إيباروري مثلها مثل العديد من الثوار إلى فرنسا، ومن هناك انتقلت إلى الاتحاد السوفيتي، وعاشت هناك حتى عام 1977. واستمرت في قيادة الحزب مدة من الزمن، إلا أنها تركت العمل في الحزب بسبب تقدمها في العمر، لكنها ظلت ملتزمة بواجباتها حيال الحزب كعضوة فخرية. في عام 1977 عادت دولورويس إلى إسبانيا، ورشحت لعضوية مجلس الشعب عن منطقة مدريد، إلا أنها سحبت ترشيحها فيما بعد بسبب وضعها الصحي. وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1983 توفيت دولورويس جراء الالتهاب الرئوي. وعند وفاتها تم تشييعها وإحياء ذكراها بترديد الشعار الذي تحول إلى شعار جميع المضطهدين "No Passaran" (لن تمروا).
الوضع الراهن في إسبانيا؟
على مدى سنوات طويلة وخلال حكم الدكتاتورية ومن خلال الثوابت والتعريفات الدينية، تم إبعاد المرأة عن الحياة الاجتماعية.
وكرد فعل على مفاهيم وثوابت من قبيل "مسيحية صالحة، وزوجة صالحة وأم صالحة" انتعش الحراك والنضال النسوي في إسبانيا خلال أعوام السبعينيات.
في دولة مثل إسبانيا التي تتزايد فيها أعداد ربات المنازل، واصلت النساء الفامينيات نضالاً دؤوباً من أجل تحقيق جملة من المطالب والحقوق من قبيل "حق الإجهاض، مناهضة العنف ضد المرأة، المساواة في الأجور، التمثيل المتساوي في المشاركة السياسية". مما أدى إلى تعاظم قوة الحزب الاشتراكي (PSOE) ليتولى سدة الحكم، وازدياد عدد النساء في البرلمان والوزارات عن عدد الرجال.
"حق الإجهاض" القضية الأساسية للنساء في إسبانيا
قانون منع الإجهاض الذي سنه حزب الشعب في إسبانيا كان من أكبر التحديات والانتهاكات ضد حقوق المرأة منذ عهد دكتاتورية فرانشيسكو فرانكو. فمع القانون الذي سنه الحزب الحاكم تحت بند "حياة الأجنة وحماية حقوق النساء الحوامل" تم منع الإجهاض في البلاد.
وبحسب القانون المعمول به لا يسمح للنساء بالإجهاض إلا في الحالات الآتية: عندما يكون الحمل نتيجة الاغتصاب، وأن تكون المرأة أبلغت الشرطة عن الاغتصاب. عندما يكون استمرار الحمل خطرا جسيما يؤدي إلى ضرر دائم أو طويل الأمد على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة الحامل، في الحالتين أعلاه، يجب أن يتم الإجهاض خلال أول 22 أسبوعا من الحمل.
لاقى القانون اعتراض وسخط العديد من الأوساط مثل الحركة النسوية والعاملين في القطاع الصحي والحركات اليسارية، ونتيجة للنضال المتواصل للحركة النسوية لم يتم العمل بالقانون، إلا أن النساء تواصلن النضال من أجل إنهاء أي طرح أو نقاش حول هذا القانون.
وفاة 246 امرأة في اسبانيا جراء العنف المنزلي
تشير الدراسات إلى أن العنف المنزلي تسبب بوفاة 246 امرأة في اسبانيا خلال أعوام 1999 – 2003. وفي عام 2002 تم سن قانون "تدابير الحماية الموسعة للحد من العنف ضد الأجناس"، وتضمنت التدابير الاحترازية التي سنها القانون، إنشاء خط خدمة هاتف للشكاوى المتعلقة بالعنف ضد المرأة، إنشاء دار خاصة للرقابة، رصد ميزانية خاصة للدعم الاجتماعي، إنشاء دائرة التسجيل المركزية ودوائر الادعاء، ومنح إعانات مادية لضحايا العنف العاطلين عن العمل. كما يتضمن القانون إجراءات جزائية تشمل حبس المتورطين في العنف.
كما أن قانون "المساواة بين الرجل والمرأة" الذي دخل حيز التنفيذ في نيسان/أبريل عام 2007 أقر حق المرأة في المساواة في أجور العمل مع الرجل، ولكن لم يتم تطبيق القانون. وضمن القانون ضمان حياة النساء العاملات اللواتي ترغبن بالإنجاب، ويمنح الآباء حق الحصول على إجازة لمدة 15 يوماً، ومنح حقوق إضافية للنساء المرضعات، إضافة إلى تقليل ساعات العمل بالنسبة للنساء اللواتي تشرفن على رعاية المرضى أو المعاقين. أما قانون زواج المثليين الذي ظهر في عام 2005 سمح للأشخاص من نفس الجنس بالزواج.
الكنيسة تعارض أي قانون لصالح النساء
عارضت الكنيسة قانون الطلاق الذي صدر عام 2005، وسهل قانون "طلاق أكسبريس" إجراءات الطلاق بالنسبة للزوجين. وبالتزامن مع هذه القوانين، ومنذ شهر تموز عام 2007 تطالب العوائل بمنح مبلغ ألفان وخمسمائة يورو كإعانة لكل عائلة تنجب أو تتبنى طفلاً، إضافة إلى المطالبة بمعونات مالية لحوالي 500 عائلة ترعى أشخاص معاقين من أفراد الأسرة. وفي إطار الخطة الاستراتيجية الوطنية لأعوام 2006-2009 الخاصة بالشباب والأطفال، بدء بتنفيذ مشاريع تحسين ظروف المراكز الخاصة برعاية الأطفال.
"الحركة النسوية تنصهر في بوتقة النظام الرأسمالي"
الحركة النسوية، وبدلا من أن تساهم في إحداث تغيرات جذرية فيما يخص مكان المرأة في المجتمع، فإنها تعمل على صهر الانتفاضة النسوية ضمن النظام الرأسمالي القائم. ففي دولة إسبانيا العضو في الاتحاد الأوروبي حيث تزداد عدد "ربات المنازل" لا تولي الحكومة الأهمية لعمل وكدح المرأة داخل المنزل. حيث تدعي الحكومة إن القوانين تدعم دور النساء المربيات. وبحسب الحركة النسوية، فإنه إذا أرادت الحكومة تحسين وضع النساء ومكانتهن في المجتمع، فإن على الحكومة تقديم الدعم المادي، وزيادة نسبة الخدمات الاجتماعية التي تتناقص يوماً بعد يوم، وتأمين الضمان الصحي المجاني وكذلك التعليم، وافتتاح مراكز لرعاية الأطفال والمعاقين، بدلاً أن تنشغل النساء في المنازل برعاية أولادهم أو العجائز وذوي الإعاقات.
المجموعات النسوية تتحدث عن الأسباب الاجتماعية والتاريخية للعنف ضد المرأة وتعتبر أن التدابير الاحترازية المتخذة للحد من العنف المنزلي، كنتيجة لذهنية العقاب المسيطرة على السلطة الذكورية. في المجتمع الذي من المفترض أن يتم فيه الحد من العنف المتزايد في المجتمع، يتم التحفيز والتحريض على العنف، فلا يمكن تغيير الواقع الاجتماعي للمرأة بمجرد سجن الشخص الذي يضرب زوجته.
في الثامن من آذار/مارس عام 2018 أعلنت أكبر حركة إضراب في تاريخ البلاد، حيث شاركت أكثر من 5 ملايين امرأة في الاضراب الذي استمر 24 ساعة، وساندت نساء سياسيات معروفات وحوالي 10 نقابات عالمية الإضراب. وانتشر صدى الإضراب التي نظم تحت شعار "إذا توقفنا سيتوقف العالم" بشكل واسع.